جودي عرش – حمص
تضمنت هدنة حي الوعر المبرمة بين النظام والمعارضة في كانون الأول الماضي بندين يشملان إخراج المعتقلين على خلفية الأحداث، والبالغ عددهم ما يقارب 7200 معتقل داخل السجون، على أن يتم ذلك في المرحلتين الثانية والثالثة ضمن بنود الاتفاق مقابل تسليم دفعات من السلاح المتوسط والثقيل. لكن النظام ماطل في تفيذ بنود الاتفاق، وخاصة في ملف إخراج المعتقلين، عبر عدة خطوات وصفها ناشطون بأنها “متوقعة من قبل نظام لا يعرف سوى الغدر”.
أما المعتقلون فقد استقبلوا هدنة حي الوعر بأمل كبير في الخروج من الأقبية بعد سنوات من الاعتقال.
“بلبلة” في سجن حمص المركزي
حاول النظام إفراغ السجن المركزي بحمص في العاشر من كانون الأول الماضي، عبر تقديم لائحة أولى تضمنت الإفراج عن 82 اسمًا عن طريق التسوية، على أن يتم نقلهم مباشرة إلى النيابة لأداء الخدمة العسكرية، وأوضح مدير السجن أنّ هذه التسويات ليس لها أي علاقة بهدنة حي الوعر، الأمر الذي قابله المعتقلون بغضب ورفض لأي خروج لا ينطوي تحت بنود الهدنة، حسب “م. ط”، أحد المعتقلين في السجن المركزي، والذي صرح لعنب بلدي قائلًا “قدمت إلينا قائمة أخرى (جديدة) تحمل خروجًا لـ 160 شخصًا آخرين، لكننا رفضنا ذلك أيضًا لأن هذا الخروج سيتم خارج هدنة حي الوعر، ولن نساعد النظام بإنجاح مراوغاته”.
ثم قدم النظام قائمته الثالثة للإفراج عن المعتقلين أواخر كانون الثاني، لكن المعتقلين قابلوا القائمة بالإضراب أيضًا، بحسب المعقتل، الذي أردف “دخل مدير السجن برفقة 30 عنصرًا لإخراج بعض الموقوفين بتهم الجنايات ونقلهم الى اللجنة الأمنية للإفراج عنهم ضمن بنود الهدنة، فقمنا بالاعتصام ورشقهم بالحجارة لمنع ذلك، سرعان ما قدموا أيضًا قائمة جديدة تضم 400 اسم سيحولونهم إلى الشرطة العسكرية، وهو ما أثار غضبنا لأن النظام لم يبد أي جدية في إخراجنا”.
الموت تحت التعذيب “أرحم”
البقاء داخل السجون التابعة للنظام ليس هو “الطامة الكبرى”، لكن الموت داخلها بانتظار “الفرج” هو ما يدمي قلوب المعتقلين وذويهم، إذ أفاد الناشط وائل أبو ريان، أن ثمانية شهداء من مدينة الرستن قضوا في سجون النظام أواخر كانون الثاني، إذ قام مدير المنطقة بإبلاغ ذويهم دون إعطائهم أي ورقة ثبوتية تثبت حقيقة وفاتهم. يوضح الناشط “وصلنا عدد من الشهداء الذين قضوا تحت التعذيب وهؤلاء جميعهم تم اعتقالهم إما على حواجز النظام أو بعد الحرب الثانية التي شُنت على البلدة، أي منذ ثلاث أو أربع سنوات، ولم يعلم ذووهم أي شيء عنهم إلا عن طريق بعض المعتقلين الذين خرجوا سابقًا، وأغلبهم كانوا يقبعون في سجني تدمر وعدرا”.
استطاعت عنب بلدي التحدث مع “س.ع”، أحد المعتقلين في سجن عدرا المركزي، والذي وصف معاناة السجناء داخل المعتقل، بالقول “أغلب المعتقلين داخل السجون يعانون أزمات إنسانية كبيرة، وخصوصًا في ظل انتشار الأوبئة والأمراض المعدية التي تؤدي إلى الوفاة”، أما عن التعذيب فقد “أصبح اعتياديًا، والموت تحت التعذيب أرحم بكثير من الموت نتيجة المرض”.
الهدنة لم تغيّر واقع المعتقلين
هدنة حي الوعر لم تغير من الواقع، الذي وصفه “س.ع” بـ “المرير جدًا”، فقد ازدادت نسبة الإعدامات الميدانية، كما ازدادت بوضوح تهم المعتقل التي لا تسمح له بالخروج تحت بنودها، مضيفًا “اعتقلت بعد خروجي من أحياء حمص القديمة وأنا في سجن عدرا حاليًا، وبالرغم من كل المحاولات التي بذلت لإخراجي لم أخرج، وهذا حال الكثير من المعتقلين خاصة بعد انعقاد هدنة حي الوعر، والتي توفر خروجًا مضمونًا لنا، لكن النظام اليوم يضعنا أمام خيارين، أولهما الموت ميدانيًا والثاني هو المزيد من التهم التي تحولنا إلى متهمين جنائيًا بقضايا مخدرات أو جرائم خارج إطار الثورة ما يجعل خروجنا ضمن الهدنة أمرًا مستحيلًا”.
مئات الجثث في المشفى العسكري بدمشق
خلّف هذا الوضع بالنسبة للمعتقلين الذين ينتظرون إطلاق سراحهم مأساة “كبيرة”، انتهت بموت العديد منهم أحيانًا، إذ شوهدت أعداد كبيرة من الجثث مجهولة الهوية في المشفى العسكري في دمشق في شباط الجاري، حيث كانت “أم محمد” في زيارة للتعرف على جثة زوجها، بعد اتصال هاتفي تلقته يخبرها أحدهم بأنه قد قضى نحبه في أزمة قلبية داخل فرع 215، وقالت إن زوجها موظف حكومي اعتقل قبل عامين من مقر عمله في مدينة حمص، لكن محاولات إخراجه العديدة “باءت بالفشل”،لأن تهمته “كبيرة جدًا”.
حُولت أم محمد إلى المشفى العسكري للتعرف على جثة زوجها، لكنها لم تتعرف عليه. تقول لعنب بلدي “رأيت مئات الجثث ملقاة في أرض المشفى، ولم أستطع التعرف على زوجي لأن معظم الجثث هناك مشوهة من آثار التعذيب، وعندما رأيت هذا المشهد لم أتمالك نفسي من البكاء.. قالوا لي بأنهم لربما دفنوه، وعندما طلبت منهم أن يخبروني عن مكان الدفن وإعطائي أوراقًا تثبت وفاته، هددوني بالاعتقال وبعدها طردوني”.
وإلى اليوم ماتزال معاناة المعتقلين من حمص مستمرة وآمالهم معلقة على أمل الإفراج عنهم بعد دخول الهدنة في حي الوعر حيز التنفيذ، فالهدنة بدأت في أوائل كانون الأول من العام الماضي.
الأسبوع الماضي، خرج أهالي الحي في مظاهرات طالبت بتسريع تنفيذ بند خروج المعتقلين بموجب الاتفاق الذي يضمن خروج كل المعتقلين لدى اللجنة الأمنية في مدينة حمص.