هل فقدنا الأمان حقًا!
حنين النقري – دوما
«من أصبح منكم آمنًا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها..»
غالبًا ما يكون السياق الذي يوضع فيه هذا الحديث في الكتب، هو الزهد بالدنيا، شظف العيش، الصبر..
غالبًا ما ستتم قراءته بعد الثورة بشكل مختلف، حيث بات الأمان مطلبًا يبحث عنه الجميع…
وغالبًا، سيتم الاستشهاد بهذا الحديث من قبل شيوخ النظام وأمثال البوطي، للتدليل على أننا في سوريا قبل الثورة، كنا البلد الأول في الأمن والأمان، وأن المخربين وأرباب الفتنة، تنكروا لهذه النعمة، ونشروا الرعب في كل أنحاء هذا البلد،
وربما، ربما يطرق البعض مفكرًا دون أن يجرؤ بالتصريح، نعم، كنا نحفل بأمان قلّ أن تجد له نظيرًا… انظر ما فعلته الثورة بنا…
وهذا، من حيث الظاهر صحيح، فهلّا بحثنا في الموضوع بشكل أعمق!
صحيح أنك كنت تسير في الشارع مع صحبك بعد منتصف الليل، فلا تخشى قاطع طرق ولا رصاصة طائشة، صحيح أنكِ كنتِ تتنزهين مع صديقاتك بعد العشاء، وتعودين مشيًا أو بالمواصلات العامة دون أي شعور بالخوف!
صحيح أنك كنت ترسل ابنك ليقف على طابور الخبز، دون أن تخشى قصفًا لا يعيده لك…
صحيح أننا كنا نكمل دراستنا ونعود من جامعاتنا ومدارسنا كل يوم، دون أن نستشعر بالخوف من قناص أو اشتباك او منطقة ساخنة…
صحيح أن سوريا ما كان على أرصفتها مشردين أو نازحين… واليوم تغص شوارعنا بهم..
أوافق على كل ذلك…
ولكن، هل يعني ذلك، أننا كنا نعيش بأمان حقّا؟!
لا يا سيدي، ما كنت لتجرؤ أن تتفوه باسم بشّار دون أن تسبقه بـ»السيد الرئيس»، ذاك الذي يلعن أبوه وروحه على الملأ في شوارعنا اليوم.. ما كنا نجرؤ أن نتبادل النكات عنه في جمعاتنا ببيوتنا…
لا.. ما كنت آمنًا أن يطرق رجال الأمن «لا أدري حتى اللحظة سبب تسميتهم: أمن» ليأخدوك إلى مكان لا يدري به إلا الله، بسبب كتاب ممنوع تحتويه مكتبتك… أو تلميح ما في مقال كتبته!
أحادية الرأي، صحافة السلطة، الأرزاق المتواضعة بأيدي فئات، بينما يستجدي الآخرون ما يسد رمقهم طيلة اليوم…
امننا كان مزيّفا… أمن من ورق ، تهاوى مع أول كلمة خطها أطفال درعا، عندما كتبوا ببراءتهم « الشعب يريد اسقاط النظام» فسقط كل قناع زائف مع أظافر اقتلعت، ورصاص زخّ كالمطر….
تلاشت تلك الصورة المزيفة التي بناها النظام عن سوريا، ذاك البلد الآمن.. مع أول هتاف كان يحمل رأيًا يخالف رأي النظام.. ذاك الذي لا يرينا إلا ما يرى…
واليوم، هل نحن بحال أفضل؟ّ يتساءل سائل، وأجيبه أن مجرد مقارنة حالنا في السلم مع حالنا في الحرب هو أمر غير صائب، أدري أن التحديات كثيرة، وأن إيمان البعض بالنور الذي طال بزوغه في نهاية النفق قد يتزعزع.. ويقلّ
لكن مقارنة حالنا اليوم بحالنا أمس مقارنة خاطئة، لأن الأمور لم تحسم بعد!
قد تتحسر على الأمن الذي كنت تشعر به قبل اليوم، لكن صدقني، أمننا ذاك، كان يشبه أمن فريسة في حضرة مفترسها، أمن السجين في سجنه…
ومن ذا الذي يشعر بالأمن، خلف قضبان سجن، وفي كنف مفترس!
قد تشعر به عندما تغفل عن كونه مفترسًا، عندما تتناسى جرائمه التي كانت، لكنّك ستكتشف كم كان شعورك زائفًا، مع أول ناب يبرزه ليفترسك، مع أول محاولة فرار لك، نحو الحرية..
فهل كنت آمنا حقّا؟!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :