عمر الحلبي – عنب بلدي
يقول الخبر إن المركز الوطني لبحوث الطاقة التابع لحكومة النظام، يستعد حاليًا لتنفيذ مشروع تجريبي للطاقة البديلة على سطح إحدى المدارس الحكومية في دمشق، وهي مدرسة جودت الهاشمي باستطاعة ثلاثة كيلو واط ساعي، ويتضمن المشروع تركيب منظومة “كهروضوئية” لإنتاج الكهرباء وحقنها ضمن الشبكة الداخلية للمدرسة، وذلك بهدف تعميم هذه التجربة على بقية المدارس، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من المشروع المذكور ووضعه في الخدمة خلال أسبوع.
بالقرب من المدرسة المذكورة، وعلى بعد أمتار منها، يوجد سوق الكهرباء في منطقة السنجقدار وسط دمشق، هناك يجد الزائر معدات وأدوات جديدة معروضة للبيع لم تكن من قبل، وهي ألواح الطاقة الشمسية التي تغزوا الأسواق، وباتت ملاذ السوريين في مناطق النظام والمعارضة في ظل غياب الكهرباء من مصادرها التقليدية، ويعد هذا مؤشرًا على نمو هذه التجارة خلال الحرب.
ويسارع النظام ومؤسساته الحكومية، ومع طول سنوات الأزمة، لابتكار الأساليب والأدوات التي تغطي النقص من أجل استمراره في الحياة، فمعاناة النظام وحكومته في تأمين المحروقات والكهرباء لمناطق سيطرته رغم حرمانها لمناطق المعارضة منها “كبيرة”، تبدأ من خروج مصادر الطاقة عن سيطرته في معظم المناطق السورية وتنتهي باستيراد الفيول والغاز والمحروقات من إيران وروسيا.
تراجع إنتاج الكهرباء إلى النصف
مع خروج منظومة الكهرباء والبنية التحتية عن الخدمة في مختلف أرجاء سوريا بسبب المعارك والقصف، باتت التغذية الكهربائية للمدن الكبيرة في حدودها الدنيا، وتشير الأرقام الرسمية إلى أن وزارة الكهرباء في حكومة النظام تحتاج يوميًا إلى 35 ألف طن فيول لتغطية الطلب اليومي على الكهرباء، ويترافق هذا مع تراجع في أداء منظومة الطاقة الكهربائية بمقدار 65% عما كانت عليه قبل العام 2011، إذ كانت كمية الإنتاج الكهربائي 50 مليار كيلو واط ساعي في 2011 انخفضت إلى 22 مليار كيلو واط في 2014.
وتقول حكومة النظام إنها تدعم الكهرباء بنحو 418 مليار ليرة سورية، ما يعادل نحو ملياري دولار، بحسب رئيس الوزراء، وائل الحلقي، أمام مجلس الشعب في شباط 2015، وإن المواطن يدفع 1.32 ليرة ثمن الكيلوواط الذي يكلف الحكومة 30.5 ليرة سورية.
لماذا الطاقة البديلة؟
تراجع إنتاج الكهرباء لأكثر من النصف، وطال تأثير المعارك البنية التحتية بشكل مباشر، والتي تصنف على أنها من “أكفأ” المنظومات في الشرق الأوسط، حسب وزير الكهرباء في حكومة النظام عماد خميس، ووجد النظام في مشاريع الطاقة البديلة حلًا لتوفير الكهرباء في مؤسساته العامة لتسيير أمورها في ظل انقطاع الكهرباء الطويل، والذي يعني غيابها شللًا تامًا، وخاصة في المصارف ومقرات الوزارات التي تشهد إقبالًا كثيفًا من المراجعين.
إذًا، باتت مصادر الطاقة البديلة عن الوقود الأحفوري والتقليدي هي الحل، والمتمثلة بطاقة الرياح والشمس، ريثما يتم تأمين المصادر التي خرجت عن السيطرة، لكن هل تعد مثل هذه المشاريع ناجحة في خضم الحرب؟
على الصعيد الفردي وداخل المنازل والمؤسسات العامة حيث الاستخدام المحدود يمكن لمثل هكذا مشروع أن يكون حلًا، لكنه على مستوى المدن لا يبدو كذلك، فحاليًا لا توجد استثمارات محلية أو أجنبية جديدة، بسبب الظروف الأمنية والقصف اليومي، وإنما فقط مخططات لمشاريع رسمت قبل 2011.
لكن المركز الوطني لبحوث الطاقة التابع للنظام يفكر بطريقة أشمل خلال الحرب، إذ يتم تنفيذ عدة مشاريع، منها “تركيب أنظمة كهروضوئية باستطاعة تصل إلى عشرة ميغا واط على أسطح المباني الحكومية خلال الخمس سنوات المقبلة، وكذلك تنفيذ مزرعة ريحية تجريبية باستطاعة حتى عشرة ميغا واط بمنطقة السنديانة في محافظة حمص”، وفق ما كشف عنه مدير المركز الدكتور يونس علي لصحيفة الثورة الحكومية.
تطبيق التجربة في المشافي العامة
مع بداية العام 2015، كثفت الجهات الرسمية التابعة للنظام جهودها للاعتماد على الطاقة البديلة في الأماكن العامة ومؤسسات الدولة في مختلف المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، ويؤكد مدير عام المركز الوطني لبحوث الطاقة، د. يونس علي، لصحيفة الثورة الحكومية، أنه تم تأسيس مشروع “أنظمة لضخ المياه من الآبار في وادي الأحمر ومحمية التليلة وبئر أبو الفوارس في البادية السورية، وتركيب 50 نظامًا لإنارة طريق غابة القليلة في محافظة اللاذقية، وتركيب أنظمة كهروضوئية باستطاعة 140 كيلو واط على أسطح أبنية جهات القطاع العام، وذلك ضمن مجال أنظمة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية المربوطة مع الشبكة العامة”.
أما في مجال الأنظمة الحرارية الشمسية، فقد تم تنفيذ مشروعين لتأمين المياه الساخنة لمشفى ابن الوليد في حمص بحجم 6000 لتر يوميًا، ومشفى المواساة بدمشق بحجم 32000 لتر يوميًا.
وتم توقيع عقد لإنشاء خمس أنظمة كهروضوئية على أسطح أبنية تابعة للقطاع العام في دمشق باستطاعة إجمالية 75 كيلو واط، وهي قيد الإنجاز حاليًا.
وكشف علي عن “التحضير لتنفيذ مشروع ريادي باستطاعة ثلاثة كيلو واط على سطح مدرسة جودت الهاشمي، بالإضافة إلى التعاون مع عدة جهات عامة لإعداد الدراسات الفنية لبعض المشاريع كوزارات الزراعة والإدارة المحلية والبيئة والنفط وغيرها تمهيدًا لتنفيذها ضمن خطة المركز لعامي 2015- 2016 استنادًا لأحكام قانون الحفاظ على الطاقة رقم 3 لعام 2009”.
ووفق رأيه فإن “الهدف الأول لمثل هذه المشاريع يتمثل بنشر هذه الثقافة، وإثبات ضرورة استخدام الطاقات المتجددة وجدواها الاقتصادية، ونتيجة لهذا الأمر قامت بعض جهات القطاع العام بتعميم بعض هذه التجارب لاسيما مشاريع استخدام أنظمة تسخين المياه في المشافي”.
الطاقة البديلة في الغوطة الشرقية
لم يكن استخدام الطاقة البديلة والتوجه للاعتماد عليها في توليد الكهرباء حكرًا على النظام ومؤسساته، بل امتد ذلك إلى المواطنين أيضًا في مناطق سيطرته ومناطق سيطرة المعارضة. وأكد عدد من أهالي الغوطة الشرقية لعنب بلدي أنه وبعد خمس سنوات من الحصار الخانق، ابتدعوا طرقًا جديدة لتوليد الكهرباء بواسطة ألواح الطاقة الشمسية، وذلك بعد انقطاع الكهرباء عن الغوطة بشكل تام “كعقوبة لكسرهم عصا الطاعة والولاء للنظام”، حيث تم تدمير شبكة الكهرباء بشكل شبه كامل.
يقول أبو يحيى، من حران العواميد، “في البداية اعتمدنا على مولدات كهربائية التي تعمل على الديزل، لكننا أجبرنا على البحث عن بدائل أقل تكلفة، بعد انقطاع المحروقات تدريجيًا، نتيجة لارتفاع أسعار الوقود وفقدانه من الأسواق إثر احتكاره من قبل تجار الحروب، فقد وصل سعر اللتر 2000 ليرة سورية، فكانت ألواح الطاقة الشمسية هي البديل المناسب”.
ويشرح أبو يحيى الطريقة الجديدة، بالقول “ركبت خمسة ألواح طاقة شمسية، استطاعة كل واحد منها 200 واط ساعي، وتم وصلها عبر أسلاك شعرية مخصصة للطاقة الشمسية إلى بطاريتي سائل استطاعة كل واحدة 100 أمبير، ومن ثم ربطهما برافع للجهد يقوم على تحويل الكهرباء من 12 فولت إلى 220 فولت، وهي الكهرباء النظامية التي تعمل عليها الأجهزة المنزلية”.
ومن خلال تلك العملية، تمكن أبو يحيى من تأمين إنارة كاملة لمنزله ومنزل شقيقه، لما يقارب ست ساعات يوميًا، إلا أن تكلفتها “مرتفعة جدًا” في ظل ظروف معيشية صعبة يعيشها المواطن السوري، وإمكانية تعرض الألواح للكسر وخاصة في المناطق التي تتعرض لقصف متواصل.
تجارة رائجة في ظل الحرب
دفعت الظروف الراهنة العديد من العوائل في الغوطة الشرقية للاعتماد على تلك الطريقة في الحصول على الطاقة، والتي تكلف وسطيًا ما يقارب مليون ليرة سورية (2400 دولار أمريكي)، ما أدى إلى انتعاش تجارة ألواح الطاقة الشمسية داخل المناطق المحاصرة والخارجة عن سيطرة النظام، ولكونها بديلًا فعالًا عن المولدات التي تعمل على مشتقات الوقود مرتفعة الثمن، إلا أن تلك الطريقة تعتبر جيدة قياسًا بعمرها الافتراضي والذي يمتد لأكثر من 15 عامًا “إن استخدمت بشكل صحيح”، كما يقول أحد باعة الكهربائيات، رفض ذكر اسمه، في سوق الكهرباء بدمشق لعنب بلدي.
أسعار مرتفعة تحد من الإقبال
تجربة أبو يحيى في الغوطة الشرقية تشبه تجربة أم أحمد، الموظفة في بنك خاص وتعيش في إحدى ضواحي دمشق.
وتقول لعنب بلدي إنها سارعت منذ عام تقريبًا إلى تركيب جهاز “طاقة شمسية” لتوليد الكهرباء، ورغم تلبية حاجات عائلتها بنسبة 50% فقط إلا أنها تعتقد أنه أفضل من أي وسيلة توليد كهرباء أخرى، وخاصة المولدات التقليدية نظرًا لمصروفها الكبير من المازوت أو البنزين.
وتشير السيدة إلى أن تركيب مثل هذه الأجهزة ليس أمرًا متاحًا للجميع، فسعره يقارب المليون ليرة حاليًا، “السعر المرتفع يمنع الناس من الشراء.. وكذلك تقلّب الأوضاع الأمنية لأن كثيرين يفكرون بالسفر وترك منازلهم فيما لو استمر الصراع لفترة أطول”.
يبقى خيار الطاقة البديلة أمرًا لا بد منه حتى ولو انتهت الحرب وخفت صوت المدافع، فكثير من التوصيات والدراسات تشير إلى أن إعمار سوريا لن يكفيه النفط والوقود المستخرج من حقولها.. شركات الإعمار بحاجة إلى مصادر طاقة جديدة لإعمار سوريا التي تحتاج وفق تقديرات أممية إلى 250 مليار دولار، ربما تكون الرياح والشمس أفضلها.
كيف تعمل الخلايا الشمسية؟
يؤكد المهندس جمال الحسين من بلدة بالا، لعنب بلدي، أن الألواح الشمسية تتألف من خلايا ضوئية تسمى (photovoltaic) توجد داخل اللوح الواحد على شكل مصفوفة ذات بعدين، وتوضع الألواح بشكل منتظم ومتقارب، “واحدة من أهم المزايا أننا قادرون على الجمع بين أعداد مختلفة من الخلايا لتوفير قدر أكبر من الكهرباء، وهذه الطريقة تجعل من الكهرباء المولّدة من الشمس خيارًا قابلًا للبقاء فترات أطول لتزويد الطاقة للبيوت والشركات”.