شهدت الأشهر الماضية تحركات مصرية متزايدة في الملف السوري، وتحديدًا منذ زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى دمشق، في أعقاب الزلزال الذي ضرب إدلب وحلب وحماة واللاذقية وأوقع آلاف الضحايا.
زيارة شكري حينها جاءت بوصفها “زيارة تضامنية”، علمًا أنها الأولى منذ عام 2011، إذ تبنّت القاهرة الموقف العربي المعلن من النظام السوري ومقاطعته، لكنها في الوقت نفسه حاولت إيجاد موطئ قدم لها عبر المعارضة السورية من خلال “منصة القاهرة”، التي ضمّت شخصيات سياسية معارضة كهيثم مناع والممثل السوري جمال سليمان.
ومنذ زيارة الزلزال تسارعت وتيرة تحسن العلاقات على العلن، واستقبل وزير الخارجية المصري سامح شكري، في 1 من نيسان، وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، في القاهرة، ودار بينهما اجتماع مغلق.
وفي 8 من نيسان، أجرى شكري مباحثات مع المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، أكد فيها “دعم القاهرة الكامل لجهوده للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة متسقة مع قرار مجلس الأمن 2254”.
ونقلت صحيفة “الأهرام” الحكومية حينها عن شكري قوله إن مصر “تولي أولوية كبرى لاستعادة أمن واستقرار سوريا وإنهاء جميع صور التدخل الأجنبي فيها”.
ماذا وراء التحركات؟
تأتي التحركات المصرية بالأساس في ظلّ انفتاح عربي تقوده الإمارات على النظام السوري، وبالرغم من أن تصريحات شكري بعد مباحثاته الهاتفية مع بيدرسون لم تخرج عن التصريحات العامة حول الحل السياسي في سوريا، وهي نسخة مما صرّح به بعد لقائه المقداد، يبدو أن الأمر لا يتعلق بالعلاقات بين الطرفين فقط.
وتعيش القاهرة اليوم ظروفًا اقتصادية صعبة، بالتزامن مع تقارير غربية متكررة عن توتر مع حلفائها الإقليميين (السعودية والإمارات).
وقال الباحث السياسي والاستراتيجي في مركز “الأهرام للدراسات” كرم سعيد، لعنب بلدي، إن التحركات المصرية “ترتبط بمجموعة من الاعتبارات أولها سعي القاهرة لتعزيز انخراطها الإقليمي في المنطقة، واستعادة دورها الحيوي تجاه الأزمات الإقليمية”.
وأضاف، “هناك محاولة لتوظيف هذا الحضور في استيعاب الضغوط الغربية على القاهرة في بعض الملفات، وبالتالي فإن تعزيز الحضور المصري قد يحيّد هذه الضغوط في الملفات الشائكة”.
وتتزايد الضغوط الغربية على القاهرة في عدد من الملفات الاقتصادية والسياسية، وتحديدًا ما يتعلق بملف الاقتراض من صندوق النقد الدولي الذي فرض شروطًا وصفت بـ”القاسية” على مصر، التي تعاني منذ جائحة فيروس “كورونا” ومن ثم الغزو الروسي لأوكرانيا من صعوبات اقتصادية كبيرة، وكذلك الشروط التي تفرضها دول الخليج على القاهرة.
وقالت صحيفة “Wall Sreet Journal” الأمريكية في تقرير نشرته في 7 من نيسان الحالي إن دول الخليج فرضت شروطًا جديدة على القاهرة لمساندتها اقتصاديًا تتعلق بإسناد مساحة أكبر للقطاع الخاص بإدارة الاقتصاد.
ووفق الباحث كرم سعيد، فإن التحركات الأخيرة للقاهرة في الملف السوري “تتعلق أيضًا بأهمية الدور المصري التاريخي والسياسي تجاه الدول العربية”.
وترتبط سوريا ومصر بعلاقات تاريخية كبيرة وتحديدًا في القرن العشرين مع ظهور المدّ القومي في سوريا عبر حزب “البعث” والحركات الأخرى، ووصول الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى سدة الحكم في مصر، وقيام الوحدة بينهما ليشكلا “الجمهورية العربية المتحدة” بين عامي 1958 و1961، كما خاضا سويًا عدة حروب ضد إسرائيل منذ عام 1948، عدا عن الدعم الذي قدمته دمشق للقاهرة في أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
أدوار وساطة تلعبها القاهرة
قد تحمل التحركات المصرية الأخيرة في الملف السوري وساطة ما باتجاه الدول العربية، أو كذلك مع تركيا، إذ تشهد علاقات أنقرة مع القاهرة تطورات لافتة، آخرها دعوة وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، لنظيره المصري، سامح شكري، لزيارة أنقرة في الأيام المقبلة قبل نهاية شهر رمضان.
وكذلك، فإن تحركات القاهرة الأخيرة وعلاقاتها الجيدة مع حلفائها الإقليميين برغم الخلافات الاقتصادية بينهما، تشي بأن القاهرة تلعب دورًا في وساطة عربية استغلالًا لانفتاح عربي غير مسبوق على النظام السوري منذ عام 2011.
وقال كرم سعيد لعنب بلدي إن “التحرك المصري الأخير يسهم في تقريب وجهات النظر بين النظام السوري والدول العربية الأخرى”.
وأشار الباحث إلى أن القاهرة “تمتلك رؤية لعودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية والتقارب مع هذه الدول، خاصة أن للقاهرة تجربة سابقة مع النظام السوري في الوساطة الدولية وتحديدًا في اتفاقية أضنة مع تركيا”.
ووقعت كل من تركيا وسوريا “اتفاقية أضنة” بوساطة مصرية في عام 1998 عندما توترت العلاقة بينهما على خلفية دعم النظام السوري ورئيسه حينها، حافظ الأسد، لزعيم “حزب العمال الكردستاني”، عبد الله أوجلان.
ونصت الاتفاقية، التي لعب الرئيس الأسبق حسني مبارك دورًا في مفاوضات الطرفين، على أربعة بنود، الأول تعاون البلدين في مكافحة الإرهاب عبر الحدود، وإنهاء دمشق جميع أشكال دعمها لحزب “العمال” وإخراج زعيمه أوجلان وإغلاق معسكراته في سوريا ولبنان ومنع تسلل مقاتليه إلى تركيا.