أحمد الشامي
في الثاني من شباط 1982 بدأت جحافل جيش الاحتلال الأسدي بغزو حماة التي ثارت بعض أحيائها على حكم الأسد.
وقتها لم يكن هناك تسليح ولا “قاعدة” ولا “داعش”. مجموعة من الشباب الثائرين انتفضوا على عصابة الأسد وهم “الطليعة المقاتلة”. حافظ الأسد اعتبرهم “إرهابيين” يجب معاقبتهم.
شباب “الطليعة” اعتبروا أن النظام لا تتم مواجهته بغير السلاح، وسيثبت التاريخ أنهم كانوا على صواب. لكن، لنفترض جدلًا أنهم كانوا “مجرمين وإرهابيين”، فهل هناك ما يبرر قتل ثلاثين ألفًا من الأبرياء وتدمير المدينة بكاملها، بما يجعل من حماة نسخة عن “درسدن” أو “هيروشيما”؟
لنأخذ مثالًا من الأحداث المعاصرة، ففي ضاحية بلجيكية اسمها “مولينبيك” تم التخطيط والإعداد للمجازر التي شهدتها “فرنسا” منذ أشهر وقبلها جرائم حصلت في كل من “لندن” و”مدريد”.
وفق “قواعد حماة”، التي وضعها الأب المؤسس للعصابة، كان على الجيش البلجيكي أن يقوم بمحاصرة الضاحية و”تمشيطها” بالمدافع وقتل ثلث سكانها واغتصاب بناتها، على نسق ذات العقلية المريضة اقترح “مفكر” فرنسي يهودي كاره للعرب وللإسلام، “اريك زيمور”، أن يقوم الجيش والطيران الفرنسيان بمحو “مولينبيك”.
عام 1992 حصلت اضطرابات في “لوس انجلس” وقامت عصابات من الزنوج بتدمير المحلات وبعمليات سطو واسعة. لم يدر بخلد “بوش” الأب أن يقصف المدينة بالقنابل للتخلص من “الإرهابيين” ومثيري الشغب.
الأمثلة كثيرة عن اضطرابات دموية لم تؤد لمجازر أو تدمير شامل، حتى في جنوب أفريقيا العنصرية. لماذا إذًا قام الأسد الأب بهذه المجزرة غير المبررة لمعاقبة ثلة من الشبان ولماذا سكت العالم “المتمدن” عن جريمة حماة؟
لا نستطيع أن نفهم سلوك الجزار الأسدي قياسًا على الأنظمة السياسية ولا على الدكتاتوريات الوطنية مثل “بينوشيه” أو “فرانكو” وحتى “ستالين”. بالمقابل يتطابق رد فعل الأسد في وجه تحدي “الطليعة المقاتلة”، عبر التدمير الشامل “للحاضنة السنية”، مع سلوك طغاة ومحتلين مثل “النازي” و”هولاكو”، ويشبه سلوك الاستعمار الفرنسي في الجزائر والعدو الصهيوني في “غزة” والضفة المحتلتين.
ممارسات نظام الأسد تتطابق مع ممارسات أي مستعمر استيطاني، وجيش العصابة هو جيش احتلال يمارس سياسة الأرض المحروقة على أرض يريدها دون شعب ودون أدنى احترام لحقوق ساكنيها وأموالهم وحياتهم.
النظر إلى أفعال وسلوك العصابة الأسدية دون الإصغاء لخطابها التخديري حول العروبة والقومية، يسمح برؤية الحقيقة العارية وبرؤية نظام العصابة على حقيقته: مافيا أسدية تقود تحالف أقليات شرير هو رأس حربة لاحتلال مركب ذي وجهين، داخلي وخارجي. الاحتلال الداخلي تقوده العصابة ويستند لجيش وأجهزة أمنية علوية في صلبها وفي بنيتها العميقة وهو الواجهة “المحلية” لاحتلال خارجي.
في الحالة السورية، تم “تلزيم” سوريا للعصابة الأسدية ولطائفة باعت نفسها للشيطان. العقد الذي تم بموجبه “منح” سوريا لهذه المجموعة القاتلة تم في اتفاقية “فض الاشتباك” عام 1974.
من هي الجهات الخارجية التي تحتل سوريا؟ هي ذات الجهات الضامنة لفض الاشتباك، روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي، أمريكا وإسرائيل بغطاء نظام العهر الأممي. هذا يفسر أن الجيوش الوحيدة التي تصول وتجول علنًا ورسميًا في سوريا هي جيوش هذه الدول التي تتحمل مسؤولية كل ما قام ويقوم به نظام الاحتلال الأسدي. بكلمة أخرى، إن فشل الروس في إنقاذ عميلهم في “دمشق” فسيأتي الأمريكي أو الإسرائيلي ليحل محلهم أو الثلاثة معًا.
ماهو درس “حماة” إذًا؟
الاحتلال لا يرحل “بالذوق” بل بالسيف.
لا مانع من الذهاب لجنيف والمصالحة وحتى الانبطاح، شرط أن نشحذ السيف كل يوم وأن نتيقن أن الحل مع المحتل كان وسيبقى السلاح… ككل حرب تحرير.