تصعيد إيراني وضغوط للانسحاب.. ما مستقبل الوجود الأمريكي في سوريا
عنب بلدي – محمد فنصة
شهدت الفترة الماضية تصعيدًا إيرانيًا ضد القواعد الأمريكية في سوريا، وعلى الرغم من التهدئة الأمريكية لتجنب التصعيد، تبرز دعوات لسحب أمريكا قواتها من الأراضي السورية.
وتتمثل تلك الدعوات بضغوط داخلية عبر مشروع قرار يدعو الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لسحب القوات الأمريكية من سوريا، طرحه نائب في مجلس النواب الأمريكي، في 22 من شباط الماضي، لكن نتيجة التصويت على القرار باءت بالفشل، إذ صوتت أغلبية النواب ضده، في 8 من آذار الماضي.
وقبل التص ويت قال النائب “الجمهوري” مات جايتز، الذي تقدم بمشروع القرار، “يجب أن ننهي الحرب في سوريا ونعيد قواتنا إلى الوطن”، مضيفًا، “لا أعتقد أن ما يقف بين تحقيق (الخلافة الإسلامية) أو منعها، هو 900 مات جايتزجندي أمريكي تم إرسالهم إلى هذا الجحيم من دون تعريف للنصر ولا هدف واضح”.
ولدى الولايات المتحدة نحو 900 جندي في سوريا، بهدف محاربة تنظيم “الدولة” مع دعم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وفق تصريحات مسؤوليها، بينما يحاجج جايتز بقوله، إن “الكونجرس” (مجلس النواب والشيوخ الأمريكي) لم يصرح مطلقًا بمشاركة القوات الأمريكية في سوريا، لكن ذلك “مطلوب بموجب الدستور الأمريكي”.
وفي 27 من آذار الماضي، صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي بالأغلبية للدفع قدمًا نحو تشريع لإلغاء تفويضين يعودان لـ20 عامًا مضت لغزو العراق، مع سعي “الكونجرس” لإعادة تأكيد دوره بخصوص اتخاذ قرار إرسال القوات الأمريكية للقتال.
وفي تصريحات ردًا على مشروع القرار، أكد رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي، الجنرال مارك ميلي، خلال زيارة غير علنية لمسؤول عسكري بهذا المستوى إلى قاعدة أمريكية في سوريا، ضرورة بقاء القوات الأمريكية في المنطقة لمواجهة التنظيم.
وقبل وصوله إلى الأراضي السورية، في 4 من آذار الماضي، قال ميلي خلال جولة له في أوروبا والشرق الأوسط، إن “المهمة السورية، التي بدأت منذ أكثر من ثماني سنوات، لا تزال مهمة للغاية”.
ضغوط خارجية متصاعدة
تتمثل الضغوط الخارجية الداعية إلى الانسحاب الأمريكي من سوريا، في تصريحات دول إقليمية وفاعلة بالملف السوري، مثل تركيا وروسيا والصين وإيران، وبهجمات ميليشيات مدعومة إيرانيًا على القواعد الأمريكية، و”استفزازات” روسية متزايدة لهذه القواعد.
وتؤثر الهجمات المدعومة إيرانيًا في الشارع الأمريكي، وخصوصًا عندما تسفر عن قتلى أو إصابات في صفوف القوات الأمريكية أو المواطنين الأمريكيين المتعاقدين، وهو ما استند إليه النائب الأمريكي الذي قدم مشروع القرار.
وفي 23 من آذار الماضي، قُتل مقاول مدني أمريكي، وأصيب 12 أمريكيًا آخرين في قاعدة أمريكية بشمال شرقي سوريا، عبر هجوم بطائرة دون طيار، قال مسؤولون أمريكيون إنها من “أصل إيراني”.
وفي ذات اليوم، ردت مقاتلتان أمريكيتان من طراز “F-15 E” انطلقتا من قاعدة أمريكية في قطر على الهجوم بشن غارات جوية على مواقع ميليشيات مرتبطة بـ”الحرس الثوري الإيراني”، وهو ما دفع الأخيرة إلى شن هجوم صاروخي عبر طائرات مسيّرة في اليوم التالي أدى إلى إصابة أمريكي.
وبعد يوم من هذا التصعيد، قال بايدن إن الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع مع إيران، لكنه أكد أيضًا أن الإدارة الأمريكية مستعدة للتصرف “بقوة لحماية الشعب الأمريكي”.
وصرح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، في 27 من آذار الماضي، أن الولايات المتحدة لن تتراجع عن انتشارها في سوريا، على الرغم من الهجمات التي تتعرض لها القوات الأمريكية.
ومنذ بداية عام 2021، قبل سلسلة الهجمات الأحدث، تعرضت القوات الأمريكية في سوريا لنحو 78 هجومًا من قبل الجماعات المدعومة من إيران، وفقًا للجيش الأمريكي.
أما عن “الاستفزازات” الروسية، فقد احتج الجيش الأمريكي على التحليق المكثف للطائرات الروسية فوق القواعد الأمريكية في سوريا، وهو ما ينتهك اتفاقًا بين الطرفين عمره أربعة أعوام، وينذر بالتصعيد، وفقًا لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون).
وجاء في تصريحات لقائد القوات الجوية في القيادة المركزية الأمريكية، أليكسوس غرينكويتش، في 23 من آذار الماضي، أن الطائرات الروسية انتهكت المجال الجوي فوق قاعدة “التنف” الأمريكية شرقي سوريا نحو 25 مرة في آذار الماضي، دون أي اختراق في شباط الماضي، وجرى 14 انتهاكًا في كانون الثاني الماضي.
وأوضح غرينكويتش أن التحليق الروسي فوق القاعدة يكون بشكل منخفض على مسافة نحو 1.6 كيلومتر من الأرض، واصفًا إياه بالوضع “غير المريح”، مع وجود قوات أمريكية على الأرض خلال فترة التحليق.
وعلى الرغم من استخدام الجيش الأمريكي خط منع التضارب مع الروس للاحتجاج على هذا التحليق الجوي، لم يتغير سلوك الروس، مؤكدين عدم اعترافهم بأن المجال الجوي فوق “التنف” هو مجال جوي أمريكي، وفق غرينكويتش.
ما أسباب البقاء
في حديث لوكالة “الأناضول” التركية مع السفير السابق الأمريكي في سوريا، روبرت فورد، قال، “إن المهمة الأمريكية في سوريا ستستمر إلى أجل غير مسمى، وليس لها نهاية واضحة”.
وفي تقرير الوكالة الصادر في 29 من آذار الماضي، أشار فورد إلى أنه لا توجد حتى الآن أغلبية حاسمة في واشنطن تدعم انسحاب القوات الأمريكية من شرقي سوريا.
مدير “المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية” في الولايات المتحدة، رضوان زيادة، قال لعنب بلدي، إن الهدف الرئيس لبقاء القوات الأمريكية في سوريا هو محاربة التنظيم الإرهابي كما تقول الإدارة، معتقدًا أنها تحاول عدم التعرض لأي ضغوط تدعو للانسحاب.
وترد القوات الأمريكية بقوة على أي تهديدات تتعرض لها، وفق زيادة، الذي يرى أنها ستستمر في هذا النهج بالمستقبل، كي لا يتكرر “الانسحاب المذل” من أفغانستان، بحسب وصفه.
ويعتقد زيادة، بعد حديث رئيس النظام السوري، بشار الأسد، خلال زيارته الأحدث إلى موسكو منتصف آذار الماضي، أن روسيا ستوسع أو تنشئ قواعد روسية جديدة في سوريا، وأن هذا سيسهم في ترسيخ الوجود الأمريكي في سوريا، منعًا لاستفراد روسيا بالمنطقة.
وأوضح مدير “المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية” أن مشروع القرار المقترح لسحب القوات الأمريكية من سوريا هُزم “هزيمة ساحقة” في مجلس النواب، حيث أغلبية الأعضاء من الحزبين يدعمان بقاء القوات في البلاد، لذا من غير الوارد أن تفكر الإدارة بهذا الطرح.
وذكر تقرير لوكالة “أسوشيتد برس”، في 25 من آذار الماضي، أن وجود القوات الأمريكية في سوريا يجعل من الصعب على إيران نقل الأسلحة إلى لبنان، لاستخدامها من قبل وكلائها، بما في ذلك “حزب الله” اللبناني، ضد إسرائيل.
ويمكن لقاعدة “التنف” التي تقع في جنوب شرقي سوريا على طريق حيوي أن تعطل طريق القوات المدعومة من إيران من طهران وصولًا إلى جنوبي لبنان، وفق التقرير.
وخلق النفوذ السياسي والعسكري لطهران في سوريا مصدر “قلق أمني” للولايات المتحدة، فمنذ هزيمة تنظيم “الدولة”، وسع المقاتلون المدعومون من إيران نفوذهم في المنطقة.
ما هدف التصعيد الإيراني
نشرت مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية مقالًا، في 5 من نيسان الحالي، قالت فيه إن على الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا، وإن إصرار واشنطن على إبقاء قواتها بدعوى احتواء خطر تنظيم “الدولة” هو “حجة واهية”، فالتنظيم يشكّل تهديدًا مباشرًا للدول والجهات الإقليمية الفاعلة أكبر بكثير من التهديد الذي يشكّله لواشنطن، ومهمة القضاء عليه تقوم بها أطراف عديدة فاعلة.
ويرى كاتب المقال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “تشارلستون” الأمريكية علي دميرداس، أن آخر ما تريده أمريكا، في ظل احتدام الحرب في أوكرانيا، وتزايد الحديث عن حرب محتملة مع الصين، هو التورط في “مستنقع الشرق الأوسط من خلال حرب لا نهاية لها مع إيران”، وسيجلب حرص واشنطن على إبقاء قوات محدودة في سوريا لحماية “قسد” ومواجهة إيران نتائج عكسية بالنسبة لها.
رئيس وحدة المعلومات في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، الباحث نوار شعبان، أوضح أن أسباب التصعيد الإيراني ضد القواعد الأمريكية مرتبطة بالتصعيد الإسرائيلي ضد مواقعها وعناصرها المهمة في سوريا، إذ كثفت إسرائيل بدورها من غاراتها بسبب زيادة التوسع والانتشار الإيراني.
وقال شعبان لعنب بلدي، إن الرد الإيراني على القواعد الأمريكية يثبت للحاضنة أنها لا تزال “قوية” رغم كل الضغوط الداخلية والخارجية التي تعصف بها، ومن جانب آخر تستغل إيران هامش تعامل إدارة بايدن معها، إذ إنها تخلق مساحة بين المفاوضات النووية الأهم لها وبين موضوع الاستهدافات العسكرية.
ويعتقد شعبان أن إيران لا تستطيع الاستمرار على نفس المنوال التصعيدي، وأن الاستهداف هو عبارة عن أداة لحظية لتمرير رسائل معيّنة، وأن التركيز الإيراني يصب على التوسع والانتشار في الجنوب السوري.
وذكر تقرير لمركز “حرمون للدراسات”، في 6 من نيسان الحالي، أن إيران لا تهتم بخسائرها البشرية من الوكلاء المحليين، بقدر ما تهتم بفقدان القيادات من الجنسية الإيرانية والخبراء الفنيين “الثمينين”، وأن أي ردود فعل أمريكية متحفظة، يمكن أن تعدها القيادة الإيرانية من مؤشرات الضعف في استراتيجية الولايات المتحدة، ومن ثم تشجعها على الدفع بمزيد من العمليات العدائية، بتكاليف أعلى.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :