محاكمات ترامب وبوتين وضحكات بشار
إبراهيم العلوش
يتعجب السوري وهو يراقب أحداث العالم ومحاكمات بعض قادته، ويعتقد أن قضيته غائبة وتكاد أن تكون من قضايا المريخ، كما كان إعلام الأسد يردد مزاعمه عن المؤامرة الكونية!
تمتلئ وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي هذه الأيام بأخبار محاكمة ترامب ومثوله أمام العدالة ليواجه 34 تهمة جنائية، إذ توقف البث الاعتيادي في كثير من القنوات الشهيرة متفرغة لمناقشة تفاصيل الاستدعاء وساعته، وهل سيتم وضع الأغلال في يدي الرئيس الأمريكي السابق، أم يتم الاكتفاء بعبور مجموعة من ضباط الشرطة الذين يطوّقون ترامب وهم يعبرون حشدًا من الصحفيين كنوع من الإعلان البوليسي لسَوقه إلى العدالة.
وقبلها بشهر صُعق الإعلام الروسي بقرار محكمة الجنايات الدولية باتهام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا، وفي نفس الوقت يتسابق العالم العربي وعدد من الدول إلى احتضان نظام بشار الأسد غير آبهين بكل الجرائم التي ارتكبها ضد السوريين، ولم تصدر أي محكمة لا عربية ولا دولية أي اتهام ضد بشار الأسد، الذي يتم استقباله في الإمارات العربية وسلطنة عمان وروسيا وإيران، وقريبًا ربما في تركيا وفي جامعة الدول العربية.
يضحك بشار الأسد على نكاته وتعليقاته على المؤامرة، يضحك مع قائد الحشد الشعبي العراقي- الإيراني الذي استقبله في حلب وشاركه بالمجازر، يضحك في تعليقاته السياسية ومقابلاته مع أجهزة الإعلام التي وجدت في بشار الأسد رمزًا لمقاومة الغرب كما يدّعون، وظهوره يُعتبر من أولى ثمار تعدد الأقطاب الدولية الذي ترعاه دول مثل الصين وروسيا وإيران، بالإضافة إلى عدد من أيتام الاتحاد السوفييتي الذي توفي في مطلع التسعينيات.
رغم أن سوريا لا تبعد إلا عدة مئات من الكيلومترات عن حدود الاتحاد الأوروبي، وهي على حدود دولة حلف في “الناتو”، فإن أوروبا لم تصنف سوريا إلا كبلد تابع لإيران وروسيا، وكانت لها مصلحة في العلاقات الجيدة مع نظام الملالي، الذي يملك كثيرًا من البترول والثروات التي تشفع له بارتكاب الجرائم بكل أشكالها. وكادت لقمة الانفتاح الاقتصادي الإيراني أن تدخل في فم الأوروبيين قبل أن ينهار الاتفاق النووي الذي ألغاه ترامب.
وكانت أيضًا لأوروبا مصلحة في السكوت عن جرائم الروس في سوريا حتى تاريخ 23 من شباط 2022، مع بدء بوتين حربه على أطراف أوروبا معلنًا عن حاجته إلى عالم متعدد الأقطاب يدعم الدكتاتوريات، ويُسكت وسائل الإعلام الغربية وغير الغربية، التي تقلق جمهرة كبيرة من الدكتاتوريات المنشغلة بتنويم شعوبها وخنقها بالشعارات المتهالكة من كثرة الاستهلاك وأهمها شعارات الممانعة والحرب ضد الغرب.
لا شك بأن للغرب تاريخًا قاسيًا ضد شعوب العالم، وخاصة في القرن الـ19 ومطلع القرن الـ20، ولكن هذا لا يشفع للروس ولا للصينيين بدعم الجرائم ضد الإنسانية، ولا بدعم المجرمين وتثبيتهم في وجه الشعوب المطالبة بالانعتاق من حياة الظلم والاستبداد، ولا يشفع لهم استقبال أو رعاية مجرم حرب واعتباره منتصرًا على المؤامرات الغربية، والإيعاز لأصدقائهم لضمان استمرار نظام الأسد واعتباره قيمة رمزية وعنوانًا للعالم الجديد الذي يطالبون ببنائه.
أما “المايسترو” الأمريكي فيوزع الأدوار والمهام، وكان الرئيس أوباما يسخر من الثوار السوريين قبل أن يجتمع مع بوتين كل مرة، ويعتبرهم أناسًا حالمين ويتساءل: كيف لعدد من الأطباء والمهندسين والعمال والفلاحين والمثقفين أن يطالبوا بإسقاط نظام بشار الأسد.
ولكن سوريا التي تجاهل شعبها الساسة الأمريكيون والأوروبيون، كانت ضحية للعمى السياسي الذي أصاب الغرب، ولم تتضح أخطاؤهم إلا صباح بدء الحرب الروسية في أوكرانيا الواقعة على أطراف أوروبا الشرقية، ولعلهم اعتبارًا من ذلك اليوم اقتنعوا أن سوريا تقع على كوكب الأرض وليست على كوكب المريخ.
قبل عدة أيام منحني محرك البحث “بينغ” المعزز بالذكاء الصناعي فرصة طرح 20 سؤالًا على العملاق التكنولوجي والمعرفي، الذي تدور حوله الأساطير والتخوفات على مصير البشر ومصير آلاف المهن الإدارية والفنية.
سألت “الروبوت”: لماذا تم توجيه اتهام للرئيس بوتين من قبل محكمة الجنايات الدولية ولم توجه أي تهمة لبشار الأسد؟
بعد ثوانٍ رد “الروبوت” قائلًا: لأن سوريا لم توقّع على اتفاقية محكمة الجنايات الدولية!
قلت له: لم يعجبني الجواب، والمحكمة لم توجه أي اتهام لبشار الأسد لأنه يقتل شعبًا فقيرًا!
رد بلطف دبلوماسي: لقد أضفت إلي معلومة جديدة!
وسألت نفسي ما الجديد بالنسبة إليه في هذه المعلومة يا ترى، هل الجديد أنه عرف أن سوريا والشعب السوري لا يزالون على الكرة الأرضية وليسوا في المريخ؟
أم أنه يقول ذلك طالبًا إنهاء النقاش لعدم أهميته بالنسبة لمبرمجيه ولا بالنسبة للساسة الذين لقنوه المعلومات وأكدوا تجاهل معاناة الشعب السوري وما حل بسوريا؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :