دون تقدم في الملفات.. “رباعية موسكو” تمهّد للقاء وزراء الخارجية
عنب بلدي – حسام المحمود
انعقد لقاء نواب وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري بالعاصمة الروسية، موسكو، في 4 من نيسان الحالي، في إطار جهود روسية نشطة تقودها موسكو بشكل عملي، للتقريب بين حليفَيها المتخاصمَين.
ولم تأتِ التصريحات التي تبعت اللقاء بما يكسر التوقعات منها في ظل وجود ملفات خلافية محورية بين أنقرة ودمشق، عززها تمسك النظام السوري بسقف شروط مرتفع لا يتماشى مع تطلعات تركيا من مسار التقارب الذي لم يفرز أي تفاهمات علنية على الأقل حتى اللحظة، باستثناء مواصلة الحوار، بالتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التركية في 14 من أيار المقبل.
وتجّلى موقف النظام على لسان نائب وزير الخارجية السوري، أيمن سوسان، الذي اشترط خلال اللقاء الرباعي، إعلان تركيا رسميًا، وبشكل لا لبس فيه، أنها ستسحب قواتها من الأراضي السورية كافة، والبدء الفعلي بالانسحاب، كـ”مدخل لإعادة التواصل بين الجانبين”، مشددًا على أن إعادة الأوضاع شمال شرقي وشمال غربي سوريا إلى ما كانت عليه، تتطلب ظروفًا تتحقق بالحفاظ على سيادة سوريا ووحدتها وانسحاب القوات “غير الشرعية” ومكافحة الإرهاب، وإعادة بسط “سلطة الدولة” على كل أراضيها.
وسائل إعلام تركية لفتت إلى أن الاجتماعات تضمنت مناقشة إطار العلاقات السياسية، والقضايا الأمنية، والإعداد للقاء الوزاري، لكن سوسان قال، “لم نرَ أي مؤشرات إيجابية بخصوص انسحاب القوات التركية من سوريا أو محاربة الإرهاب والقضاء عليه في الشمال الغربي، وخصوصًا في منطقة إدلب، وإعادة بسط سلطة الدولة على هذه المنطقة، بل إن تركيا لم تلتزم بالتفاهمات في إطار (أستانة) أو مع الجانب الروسي”، وفق تعبيره.
وإلى جانب اللقاء الرباعي، وما سبقه من مباحثات ثنائية بين الوفود المشاركة، التي أعادت تدوير تصريحاتها حيال رؤيتها لمسار التقارب، عبر التركيز على ضرورة الدفع قدمًا بالمباحثات والتمسك بوحدة وسيادة سوريا، أعلنت الخارجية الروسية أن لقاء وزراء الخارجية المرتقب سيضع على أجندته موضوع المفاوضات بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ورئيس النظام السوري، بشار الأسد، وفق ما نقلته وكالة “تاس” الروسية.
كما لفت وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في 7 من نيسان الحالي، إلى أن اللقاء كان تمهيديًا وذا أهمية كبيرة، جرى فيه التطرق لتحديد موعد لقاء الوزراء، وتحديد ملفات جديدة للأجندة المشتركة، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن الاجتماعات ذات البعد الاستراتيجي والاستخباراتي في هذا السياق، واجتماع نواب وزراء الخارجية حتى الوقت الراهن، تعتبر نجاحًا، وفق رأيه.
“مرونة جزئية”
الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أشار في حديث لعنب بلدي إلى حالة “مرونة جزئية” أبداها النظام في المفاوضات، عبر موافقته على المشاركة في الاجتماع قبل الحصول على ضمانات من تركيا بسحب قواتها من سوريا، بالإضافة إلى نجاح الضغوط التي تمارسها موسكو على دمشق للتخلي عن الشروط المسبقة، والقبول بمبدأ أن الحصول على مثل هذه الضمانات يُمكن أن يأتي كنتيجة لعملية التفاوض، لا كشروط مسبقة.
وخلال زيارته إلى موسكو منتصف آذار الماضي، شن الأسد هجومًا على تركيا والقيادة السياسية فيها، بالتزامن مع فشل انعقاد لقاء نواب وزراء الخارجية، الذي كان مقررًا في 16 من الشهر نفسه.
كما تحدث عن ضرورة سحب القوات الأجنبية “غير الشرعية” من سوريا، مشيرًا إلى القوات الأمريكية والتركية، على اعتبار عدم وجود قوات أخرى “غير شرعية”، وفق رأيه.
وتابع “نحن لم نضع شروطًا (…) طرح موضوع الانسحاب طرح ثابت ولن يتغير، هو موضوع وطني، وليس سياسيًا”.
وبحسب الباحث، فإن أهمية انعقاد الاجتماع الرباعي تكمن في نقله الحوار التركي- السوري إلى مرحلة جديدة أكثر إنتاجية، مع إفساح المجال أمام الدبلوماسية بين الأطراف الأربعة لتدوير الزوايا بغية الوصول إلى أرضية مشتركة تُحدد معالم أي تسوية محتملة بين الطرفين.
وحول إمكانية المناورة ضمن الحيّز الزمني المتاح لمسار التقارب قبل الانتخابات التركية، استبعد علوش أن يطرأ تطور كبير على المسار ضمن الفترة المذكورة، باستثناء إمكانية تطوير اللقاءات إلى مستوى وزراء الخارجية أو عقد اجتماع جديد على مستوى وزراء الدفاع والاستخبارات مثلًا.
وفي مقابلة مع قناة “روسيا اليوم” في زيارته الخامسة منذ انطلاق الثورة السورية إلى موسكو، ربط الأسد أي تطور في العلاقات مع أنقرة بالانتخابات التركية، معتبرًا أن “الزلزال الوحيد الذي يغير من السياسات التركية ويدفع باتجاه التقارب حاليًا، هو الانتخابات الرئاسية في تركيا”.
ويرى الباحث أن الملف الأساسي الذي سيكون مطروحًا على الطاولة في حال التقى وزراء الخارجية، هو كيفية التوصل إلى تسوية توافق تركيا بموجبها على وضع جدول زمني للانسحاب من سوريا، مقابل معالجة هواجسها الأمنية وقضية اللاجئين، وهنا تبرز اتفاقية “أضنة” المبرمة عام 1998، كأرضية جيدة للمفاوضات حيال مستقبل الوجود العسكري التركي في سوريا.
“يُمكن لموافقة دمشق على تعديل الاتفاقية وفق الرؤية التركية، أن تشجع أنقرة على الموافقة على وضع جدول زمني لسحب قواتها، كما أن ضمان عودة آمنة وكريمة للاجئين السوريين سيساعد أردوغان على معالجة قضية اللجوء التي تضغط داخليًا”.
محمود علوش باحث في العلاقات الدولية |
“بشكل مكثّف”
تشير تصريحات وزيري الخارجية، الروسي سيرغي لافروف، والتركي مولود جاويش أوغلو، خلال مؤتمر صحفي مشترك من أنقرة، في 7 من نيسان الحالي، إلى حالة نشاط دبلوماسي هدفها الاتفاق على الدفع نحو لقاءات متواصلة حاليًا على المستوى الرباعي، إذ أشاد جاويش أوغلو بالطرح الشفاف للوفود المشاركة في لقاء نواب وزراء الخارجية، مشيرًا إلى عدم إمكانية القضاء على كل الخلافات في الرأي خلال اجتماع واحد، وفق قوله.
كما شدد أيضًا على ضرورة استمرار الحوار والمحادثات والمشاورات السياسية بشكل مكثف، موضحًا أن الإعلان عن موعد اللقاء الوزاري، سيجري بعد تحديد روسيا للموعد، إثر مشاورات وفق جداول محددة.
وفي السياق نفسه، أكد لافروف ضرورة تحقيق التوازن، على اعتبار أن لكل دولة مصالحها ومطالبها التي يجب النظر بها.
الباحث في الشأن التركي طه عودة أوغلو، أوضح أن لقاء نواب وزراء الخارجية لم يحقق أي اختراق كبير فيما يتعلق بعملية التطبيع بين أنقرة ودمشق، لكن ما تعوّل عليه موسكو حاليًا وفق رأيه، هو الاستمرارية، وهو ما دفع وزير الخارجية الروسي لزيارة أنقرة في هذا الوقت.
ولفت عودة أوغلو إلى حالة عدم اهتمام تركي بتصريحات النظام المتعلقة بالانسحاب من الأراضي السورية، يقابلها السير بحذر في المسار خشية تعكير صفو المحادثات قبيل الانتخابات، الأمر الذي يمكن أن يشكّل مؤشرًا سلبيًا بالنسبة لأنقرة في هذه المرحلة.
وفي السياق نفسه، أشار الباحث إلى احتمالية تكثيف الاجتماعات في المرحلة المقبلة على مستوى وزاري، وعقد أكثر من لقاء، للحديث والنقاش في الملفات التي تهم الجانبين.
وفي مقابلة أجراها قبل أيام مع قناة “NTV”، صرّح المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، عن نية لضم وزراء الخارجية ووزراء الدفاع ورؤساء المخابرات إلى الاجتماع الذي سيعقد بالأيام المقبلة، مشددًا على ضرورة أن يكون الجانب السوري “بنّاء أكثر” من أجل دفع العملية دون شروط مسبقة.
وقال قالن، “نحن في بداية العملية، بالنظر إلى عمق المشكلات وتعقيدها”.
من جهته، أشار الباحث إلى أن حدوث اجتماع من هذا النوع في حال حصوله، هو دلالة على وجود ملفات عالقة، ولا سيما في الشق الأمني، بين البلدين، وهي رسائل تركية إلى موسكو، مفادها أن أنقرة تبذل ما بوسعها لإنجاح المسار، في سبيل رمي كرة المطبات والمشكلات والعراقيل في مرمى النظام.
“التطبيع مع النظام السوري لن يقدّم الكثير لتركيا، إذ ما يهم فعلًا مسألة الأمن والحدود، وملف اللاجئين، وهي أوراق انتزعتها الحكومة التركية من معارضيها”.
طه عودة أوغلو باحث في الشأن التركي |
رغم الحديث التركي عن “جو بنّاء” بعد لقاء وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام، في 28 من كانون الأول 2022، لوحت أنقرة مجددًا، في منتصف كانون الثاني الماضي، بعملية عسكرية برية في سوريا، بالتزامن مع تصريحات خرجت من دمشق، على لسان كل من الأسد، ووزير الخارجية، فيصل المقداد، وصبّت في سياق واحد، إذ أكد الأسد أن الدولة السورية لن تسير إلى الأمام في حوارها مع الجانب التركي إلا إذا كان الهدف إنهاء الاحتلال ووقف دعم “التنظيمات الإرهابية”، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن” حينها.
كل هذه المعطيات رافقها دخول إيراني على خط المباحثات بشكل رسمي، في 31 من كانون الثاني الماضي، ما تبعه تصعيد في لهجة النظام وتمسكه بالشروط ذاتها، قبل المضي إلى موسكو دون أي تنازل تركي علني على الأقل.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :