تعا تفرج
ثوارنا والمهيب صدام حسين
خطيب بدلة
نغمة جديدة، يعزفها اليوم مؤيدون للرئيس الراحل صدام حسين، عراقيون، يؤازرهم ثوار سوريون يعشقونه، ويرونه بطلًا، ويزعمون أنه، لو لم يُسقطه الأمريكيون، لوجدته الآن على وشك تحرير القدس، والصلاة في مسجدها الأقصى، بينما جيوشه الجرارة جاهزة لتحرير الجولان، ومن ثم الانطلاق لتحرير بقية الأراضي المحتلة، بالدور.
النغمة المعزوفة، الآن، هي: أنت سوري، وصدام عراقي، فما علاقتك به؟ وكيف تسمح لنفسك أن تنتقد دكتاتوريته، وسياسته الهوجاء التي كلّفت العراق تريليونات من الدولارات، وملايين من القتلى، عدا عن آلام مئات الألوف من معتقلي الرأي العراقيين الذين كانت طبقات الأرض وحدها تسمع أنينهم، ونحيبهم؟
النغمة، مبدئيًا، ظريفة، ومقبولة، وأنا ياما ألححت على أن تنشغل كل دولة من دول هذه المنطقة بمشكلاتها، وهمومها، ورويت، مرارًا، قصة الرئيس التونسي الأسبق، الحبيب بورقيبة، مع معمر القذافي الذي شارك، ذات مرة، بالعيد الوطني التونسي، وراح يخطب مشيدًا بالأمة العربية العظيمة، والملايين من الجماهير العربية الكادحة، والسير في طريق الوحدة العربية، ورفع رايتها خفاقة، من المحيط إلى الخليج، فقال له بورقيبة، وهو يبتسم إشفاقًا عليه: يا أخ معمر، أرجوك، تخلَّ عن هذه الأوهام التي لا طائل من ورائها، وانشغل ببلدك، وشعبك!
ولكن اهتمامي، أنا السوري، بشخصية صدام حسين، في هذه الأيام من سنة 2023، لم يأتِ من فراغ، فحيثما تلفت، وأنا أتابع أخبار السوريين في تركيا، وأوروبا، وأمريكا، أجدهم يرفعون اللافتات التي تدعو إلى إسقاط الدكتاتور القاتل بشار الأسد، ويحملون، في الوقت ذاته، صور الدكتاتور القاتل صدام حسين، حتى إنني تخيلت سيناريو، لا بد أنه تكرر في أكثر من مدينة أوروبية، وهو أن يمر مواطنان من أهل البلد الأوروبي، ألمانيا مثلًا، بجوار هذه المظاهرة، فيسأل أحدهما الآخر (بالألمانية): شو في ما في يابي؟ فيقول له إن السوريين يريدون أن يسقطوا رجلًا اسمه بشار الأسد، ويعيّنوا مكانه آخر، اسمه صدام حسين!
ولعلمك، يا حبيبي، أن الأجانب عمومًا، والألمان خصوصًا، ذكاؤهم محدود، وفهمهم بطيء، ومعلاقهم كبير إلى درجة أن الواحد منهم، عندما يُسأل سؤالًا، وهو في الشارع، لا يجيب عنه فورًا، بل يمد يده إلى جيبه، ويُخرج الموبايل، الـ”handy”، ويدخل إلى “جوجل”، ويسأله عن مواصفات الرئيس الذي يريد السوريين تنصيبه مكان بشار الأسد، وبعد قليل يرفع نظارته، ويعرك عينيه، معتقدًا أنه لم يستوعب النتيجة، أو أن “جوجل” نفسه ضحك عليه، إذ أعطاه أن صدام حسين، أولًا، ليس سوريًا، لا يحق له أن يكون رئيسًا لسوريًا، وثانيًا، عاطيكم عمره منذ 20 سنة!
الشخص الذي يرفع صورة صدام حسين في مظاهرة سورية تُقام في مدينة أوروبية، يوقعنا، نحن اللاجئين في تلك الدول، بمشكلة عويصة، وهي أن أهل هذه الدولة، الألمان فرضًا، لا يعرفون اللغة العربية، ونحن السوريين لا نعرف من الألمانية أكثر من بضع جمل تفيدنا في الشراء، ومراجعة “الجوب سنتر”، وأخذ موعد عند الطبيب، فكيف سنستطيع إفهامهم أن بعض ثوارنا يحبون دكتاتورًا، ويرفضون دكتاتورًا آخر، بالاستناد إلى دينه، ومذهبه؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :