يواصل مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” حصد ردود أفعال إيجابية مع تتالي عرض حلقاته خلال الموسم الرمضاني الحالي، كاشفًا دون عجالة، مزيدًا من أوراقه للجمهور، بعد عدة حلقات افتتاحية بدت بطيئة نسبيًا، لكنها في الوقت نفسه كانت تمهيدية وتأسيسية لما تلاها من مفاجآت، مع انتصاف موسم العرض الدرامي.
وتدور الأحداث الحالية حول مسألة الانقسام في المؤسسة العسكرية لـ”دولة الفرات”، إذ يجاهر كبار ضباط الدولة بالولاء لـ”عاصي”، شقيق رئيس الجمهورية، الذي وضع الرئيس في موقف حرج بعد اغتياله شخصية ذات مستوى مرموق في بلد جار.
المسلسل الذي يقدّم حلقاته بعد الإشارة مطلع كل حلقة إلى أنها من وحي الخيال، وأي تشابه مع الواقع فهو من باب الصدفة، لا يفصل جمهوره الحدث الدرامي عن موازيه وما يحاكيه في الواقع، على اعتبار أن تفاصيلًا كثيرة قابلة للإسقاط على الواقع السوري المعقد الذي يحتكر فيه النظام السلطة منذ أكثر من خمس عقود (الأب والابن).
المستبد عمومًا
حالة الانقسام والمنافسة على السلطة، و”الصراع الأخوي” على الحكم، والعلاقة المعقدة مع البلد الجار بما ينفي أدنى شروط “حسن الجوار” والاغتيالات، وأسلوب التهرب منها، والإغراق في التفاصيل، كلّها ثيمات درامية حاضرة في حلقات العمل، وفي دمشق أيضًا، لكن “ابتسم أيها الجنرال” يركّز على تقديم الحاكم المستبد بصورة يمكن أن تكون انعاكسًا لشخصية الطاغية في كل مكان من العالم.
وتماشيًا مع هذه الفكرة، قال الكاتب الدرامي، فؤاد حميرة، إن كاتب المسلسل، سامر رضوان، اختار صناعة رمز للدكتاتوريات كلها تاريخيًا ومكانيًا، قاصدًا التوسع في صورة المستبد دون اللجوء إلى تحجيمها بشخص بعينه.
وبيّن حميرة عبر “فيس بوك“، أن الكاتب استفاد من بعض الوقائع المعروفة لدى العامة فأسقطها على الرمز الذي اختاره بصباغة عبقرية جلب له الكثير من الحسد والحاسدين.
وما يؤكد وجهة نظر حميرة حيال أسلوب الطرح الدرامي في العمل، بعض الجمل والأفكار التي قالها أو تبناها في الحلقة 14 رئيس الدولة “فرات”، الذي يواجه أزمة إقليمية وبوادر أزمة داخلية دعا لإخمادها عبر دعس من يرفع رأسه من الشعب، فـ”الأرض المحروقة بترجع تنزرع، المهم نكسب الحرب”، في إشارة إلى حربه وصراعه على السلطة مع شقيقه.
“يموت شوية مدنيين مو مشكلة، وحتى الحجر بيرجع بيتعمّر”، تعكس هذه الجملة التي وردت في الحلقة ذاتها ليس انطباعات “فرات” فقط عن السلطة وكيفية التمسك بالحكم والأثمان التي يمكن إراقتها في سبيل العرش، بل انطباعات كل “فرات”، وكل دكتاتور لا يتردد في دفع الضريبة من جيب الشعب وعمره مقابل إطالة عمر حكمه.
ردود فعل
العمل الذي تعرضه محطتا “العربي 2″ و”تلفزيون سوريا” أحاطت به الكثير من ردود الفعل التي رحّب بعضها بحالة الجرأة في الطرح، كسابقة فنية في تاريخ الدراما السورية، بينما انتقد البعض حالة “التملّص” أو “التهرّب” من المواجهة مع النظام السوري عبر العمل.
أبدى موالون ومقرّبون من النظام انزعاجهم من المسلسل، وعبر “فيس بوك”، قال دريد الأسد، ابن رفعت الأسد، عم رئيس النظام السوري، العائد إلى سوريا في 2021 هربًا من المحاكمة في فرنسا، بعد غياب 37 عامًا، “صرلنا 13 سنة عم نحضر مسلسل واحد بس عنوانو انتصِر أيّها البشّار”.
وفي منشور طويل عبر “فيس بوك“، قال فراس الأسد (يقيم في سويسرا)، ابن رفعت الأسد، عم رئيس النظام السوري، إنه ليس من الحكمة تقييد أي عمل إبداعي، مهما كان، فلولا الخيال الإبداعي للروائيين والكتاب، لما كان هناك سينما أو دراما أو مسرح.
وأضاف فراس الأسد أن “الخيال الإبداعي للكاتب لا يُناقش إلا عندما يقدم الكاتب عمله كحقيقة و يعكس الواقع، عندها يمكنك الاعتراض على ما كتب و إتهامه بما تشاء، أما وقد قال إن عمله من وحي الخيال، فليس لك أن تناقشه فيما تخيل”.
جوهر الترفيه
تنقسم آراء الجمهور عادة حيال الأعمال التي تحمل لمحات تاريخية أو توثيقية، لكنها في الوقت نفسه “روائية” و”غير وثائقية أو تسجيلية”، فيتعامل معها الجمهور على أنها حقيقة مجرّدة منقولة بأمانة أو مشوهة، وسند تاريخي أصيل أو تعرض لتحريف.
ولا تنسجم هذه الرؤية مع بعض الآراء النقدية في هذا الصدد، إذ تلفت المجلة الإخبارية للجمعية الأمريكية التاريخية (Perspectives Of History)، “تأسست عام 1962″، في مادة بعنوان “التاريخ كترفيه أم الترفيه كتاريخ“، إلى ضرورة أن تكون الدراسة الواعية للماضي، رحبة بما يكفي للسماح بآراء وتفسيرات مختلفة، وهذا يشكّل جوهر الترفيه.
واستطاع “ابتسم أيها الجنرال” حصد مشاهدات مليونية عبر “يوتيوب” مع صعوبة التوصل لتحديد دقيق لأعداد المشاهدات، باعتبار أن العمل يعرض عبر محطتين بشكل مباشر، وتتيحه إحداهما للمشاهدة عبر “يوتيوب”، لتراوح مشاهدات الحلقة الواحدة بين 800000 و1.5 مليون مشاهدة بعد 24 ساعة على عرض الحلقة.
ولا تشمل هذه الأرقام المشاهدات المباشرة من شاشة التلفاز ومعرفات المحطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب تحميل حلقات المسلسل عبر مواقع مشاهدة مجانية تتبع أساليب “قرصنة” في التعامل مع المحتوى الذي قد يكون معروضًا بشكل حصري عبر منصة عرض مأجورة.
هذه الأرقام المرتفعة لا تعتبر أوج مشاهدات عمل درامي سوري خلال الموسم الرمضاني الحالي، إذ يسجّل مثلًا مسلسل “زقاق الجن”، وهو عمل بيئة شامية، أرقامًا مقاربة بالمشاهدات لـ”ابتسم أيها الجنرال”، صعودًا أو هبوطًا.
“ابتسم أيها الجنرال” من تأليف الكاتب السوري سامر رضوان، وإخراج عروة محمد، ويتشارك البطولة كل من مكسيم خليل (الرئيس)، وسوسن أرشيد (سامية أخت الرئيس)، وعبد الحكيم قطيفان (العميد حيدر)، وغطفان غنوم (الضابط عاصي شقيق الرئيس) ومازن الناطور (رجل الأعمال المقرّب من السلطة أنيس الرومي)، وريم علي (صوفيا زوجة الرئيس) وعزة البحرة (والدة الرئيس)، ومرح جبر، وهو من إنتاج شركة “ميتافورا”.