تصدر ملف تهريب المخدرات، الذي يشرف عليه النظام السوري بحسب تقارير دولية، المفاوضات خلال مسار تقاربه مع الدول العربية مؤخرًا، وأبرزها المملكة العربية السعودية.
وتزاحمت التسريبات القادمة من غرف الاجتماعات السرية بين دمشق والرياض، إلا أن معظمها كان على صلة مباشرة بضرورة ضبط النظام السوري لمجموعات تهريب المخدرات جنوبي سوريا.
المعطيات الأحدث في الميدان تزامنت مع سرعة خطوات التقارب على طريق العلاقات الدبلوماسية بين السعودية والنظام السوري، والتي يقع ملف المخدرات على الصفحات الأولى لدفتر الشروط السعودي.
صحيفة “عكاظ” السعودية قالت، في 23 من آذار الماضي، إن من خطوات التقارب التي طالبت بها السعودية، ضبط ملف المخدرات، والشروع فورًا بتطويق المجموعات المسؤولة عن تهريبها نحو الأردن.
وهو ما أكد عليه البيان الختامي لاجتماع هو الأول من نوعه بين وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، ونظيره السعودي، فيصل بن فرحان، في جدة في 12 من أيار، ثم اجتماع لوزراء الخارجية العرب في جدة أيضًا، إذ يضع المسؤولون العرب وقف تدفق المخدرات شرطًا أساسيًا لاستعادة العلاقات وعودة النظام إلى الجامعة العربية.
لا قدرة للنظام
الباحث السياسي السوري في مركز “جسور للدراسات” فراس فحام قال لعنب بلدي إنه لا قدرة النظام على الاستغناء عن تهريب المخدرات، كونها صارت موردًا رئيسيًا ومهمًا لتمويل الميلشيات التابعة له.
وأضاف أن “الكبتاجون” صار اليوم طريقًا لتوفير العملات الأجنبية في ظل توقف عملية التصدير والتجارة الخارجية وفقدانه السيطرة على منابع النفط.
فحام قال لعنب بلدي إن الأمر لا يتمحور حول رغبة النظام، إذ تنتشر على الجغرافيا السورية، ميليشيات لا تتبع للنظام وإنما مرتبطة بإيران، وبالتالي لن تستجيب لمطالب النظام السوري، مشيرًا إلى أن جديّة إيران في إيقاف عمليات التهريب تعتبر عاملًا مهمًا.
وفي الوقت نفسه، لا يرتبط تطبيع الخليج والأردن مع النظام السوري، باستجابته لوقف تهريب المخدرات باتجاههم، فعمليات تهريب المخدرات ليس جديدة، وتعود جذورها إلى ما قبل 2010، إذ كان النظام يستهدف السوق السعودية تحت ستار تجارة الأغنام، بحسب الباحث.
وأرجع فحام أسباب تقارب الدول العربية مع النظام إلى أنها مرتبطة بالمصالح المشتركة بين تلك الدول وروسيا بدرجة أساسية.
وفي نهاية المطاف، إن كان النظام راغبًا بإيقاف تهريب المخدرات، فلن يوقفها إلا في حال ضمان رفع العقوبات عنه واستعادته الطرق الدولية وإعادة تدوير عجلة الاقتصاد.
ورغم ذلك ستستمر التجارة غير المشروعة بنسبة أقل كونها أحد مصادر دخل الضباط والمتنفذين في النظام السوري منذ قبل 2010، بحسب الباحث.
مرحلة “اللا دولة”
الباحث الأردني المتخصص في الشأن السوري، صلاح ملكاوي، استبعد أن يكون النظام قد بدأ في محاربة مليشيات تهريب المخدرات، إنما ما يحصل على الحدود هو تنافس بين عصابات التهريب على نطاق ضيق.
ملكاوي قال لعنب بلدي إن مدى قدرة النظام في التخلي عن تهريب المخدرات، يرتبط بالدعم المالي الذي ستقدمه دول الخليج العربي، بالإضافة إلى الحوافز السياسية التي تعيد شرعيته عربيًا.
وأضاف أن الدول العربية تعي أن سوريا تعيش في مرحلة “لا دولة” وهناك مليشيات مسلحة خارجة عن سلطة الحكومة الفعلية رغم انتمائها لها مباشرة، وتنتشر على الحدود السورية الأردنية، وحتى في البادية السورية.
ويرى ملكاوي أن الدول العربية تحاول محاورة النظام بـ”عقلانية” لحل تعقيدات ملف تهريب المخدرات، و الحل لن يأتي بليلة وضحاها حسب وصفه إنما قد يستمر لسنوات.
وعلى الرغم من القناعة الفعلية للدول العربية بضرورة إيجاد “حل جذري” لهذا الملف، تعي الجهات نفسها أن النظام غير قادر على إيقاف أو منع تجارة المخدرات لأنها تشكل موارد مالية “ضخمة” له.
وأضاف أن المسؤولية، مزدوجة إذ لا تقتصر بالضغط على النظام السوري، إنما تتطلب تشديد المراقبة على الحدود والمعابر واستئصال هذه التجارة بداخل هذه الدول.
اقرأ أيضًا: المخدرات.. وصفة الأسد للاقتصاد وابتزاز الجوار
تدفق المخدرات لم يتوقف
تتواصل عمليات تهريب المخدرات من مناطق سيطرة النظام السوري باتجاه الدول العربية رغم محاولات بعض الدول تفعيل مسارات تطبيع عربية رامية لإعادة النظام إلى المحيط العربي، وحلول ملف المخدرات ضمن أولويات هذه المسارات.
وفي 13 من نيسان، أعلنت السلطات السعودية ضبط شحنة شملت أكثر من 3.6 مليون من مادة “الإمفيتامين” المخدرة، مخبأة في شحنة بطاطا، وقُبض على مستقبليها في الرياض، وهم ثلاثة مقيمين ووافدان بتأشيرة زيارة، وفق ما نقتله وكالة الأنباء السعودية “واس“.
ولم يتناول تصريح المتحدث الرسمي للمديرية العامة لمكافحة المخدرات، محمد النجيدي، حينها، جنسيات المتورطين في العملية، لكن عملية أخرى سبقتها في 2 من آذار الماضي، ضبطت خلالها السلطات 4.9 مليون حبة من مادة الإمفيتامين، مخبأة في شحنة “كابلات”، كان مقررًا أن يستقبلها مخالف لأمن الحدود من الجنسية السورية، وفق “واس“.
حركة المخدرات في دول الخليج لم يثنها دفع السعودية باتجاه إعادة تأهيل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وإعادته إلى “الجامعة العربية”.
وفي الأردن أيضًا، جرى قبل أيام اعتقال مهرب مخدرات شمال المملكة، ومصادرة 22000 حبة مخدرة و75 كف حشيش، وجرى القبض أيضًا على أحد المروجين وبحوزته سبع كفوف حشيش و1000 حبة مخدرة، في مناطق البادية الشمالية القريبة من الحدود السورية.
خطوات دولية سابقة
الباحث صلاح ملكاوي، قال لعنب بلدي إن “المبادرة الأردنية” تحمل في بند من بنودها تفكيك وإيقاف تهريب المخدرات عبر الحدود الأردنية.
وأضاف أن الدول العربية تعمل على منع توطين هذه الصناعة في سوريا، إذ تعتبر اليوم “الأضخم عالميًا” وتستحوذ على 80% من إنتاج المخدرات عالميًا، معتبرًا أن تفكيك هذه التجارة “منوّط بقوى دولية وإقليمية”.
وأشار إلى أن المنطقة تنتظر إطلاق استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في تفكيك هذه التجارة.
وكان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وقّع في 24 من كانون الأول 2022، على جملة من القوانين التي تضمنت قانون “مكافحة المخدرات” التي يديرها النظام السوري.
ويطالب القانون كلًا من وزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الخارجية والخزانة الأمريكية ومدير الاستخبارات الأمريكية ورؤساء الوكالات الفيدرالية بتقديم استراتيجية مكتوبة للجان الكونجرس ذات الصلة لتعطيل وتفكيك انتاج المخدرات بما فيها الشبكات التابعة للنظام السوري.
وفي 28 من آذار الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات مشتركة مع المملكة المتحدة ضد أشخاص وشركات مسؤولة عن إنتاج وتصدير “الكبتاجون” في سوريا منهم وسيم بديع الأسد، وسامر كمال الأسد، وشخصيات مرتبطة بـ”حزب الله” اللبناني بالإضافة لثلاثة قياديين يعملون مع “الأمن العسكري” في درعا والسويداء.