أعاد الحديث الذي نقلته وكالة “رويترز“، في 2 من نيسان الحالي، عن نية السعودية دعوة رئيس النظام السوري إلى القمة العربية المزمع عقدها في أيار المقبل بالرياض، التكهنات حول إمكانية حضور النظام للقمة، في ظل تجميد عضوية سوريا بجامعة الدول العربية منذ سنوات.
وذكرت الوكالة حينها أن وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، سيزور دمشق خلال الأسابيع المقبلة، لتسليم رئيس النظام، بشار الأسد، دعوة رسمية لحضور القمة في دورتها الـ32.
وخلال الفترة الماضية، قدّمت بعض الدول العربية، بما فيها السعودية، جملة معطيات لا تجعل هذه الدعوة مستبعدة، ومنها التصريحات التي صدرت على لسان وزير الخارجية السعودي، خلال مؤتمر “ميونيخ للأمن 2023” في 18 من شباط الماضي، والتي تطرقت إلى وجود “إجماع عربي” على أن الوضع الراهن في سوريا لا يجب أن يستمر.
“تجميد” لا فصل
بعد اجتماع طارئ بالعاصمة المصرية القاهرة في تشرين الثاني 2011، علّق وزراء الخارجية العرب عضوية النظام في “الجامعة”، بعد نحو ثمانية أشهر من اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا، المطالبة برحيل الأسد.
وإثر صدور القرار الذي وافقت عليه 18 دولة عربية، مقابل رفض سوريا ولبنان واليمن له، أُعلن فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على النظام، وظل المقعد السوري شاغرًا في “الجامعة العربية” منذ “تجميد العضوية” حتى آذار 2013، حين مُنح المقعد خلال القمة المنعقدة في الدوحة للمعارضة، التي ألقى رئيس “الائتلاف السوري المعارض” حينها، أحمد معاذ الخطيب، كلمة باسمها، لمرة واحدة في ذلك الوقت والمكان.
ولا يحتوي ميثاق “الجامعة العربية” على عقوبة “تجميد العضوية”، لكن المادة الـ”18” منه، نصت على إمكانية اعتبار مجلس “الجامعة” أي دولة لا تقوم بواجبات الميثاق منفصلة عن “الجامعة”، بقرار يصدر بإجماع الدول، باستثناء الدولة المشار إليها.
ومنذ تحديد هذه العقوبة لم تُطبَّق أبدًا بسبب صعوبة التوصل لإجماع حول الفصل، فاتجهت “الجامعة” نحو “التجميد”، وهو ما جرى في حالات سابقة لسوريا أيضًا، ومنها مصر، التي تم تجميد عضويتها، ونقل مقر “الجامعة العربية” منها إلى تونس، بين عامي 1979 و1990، إثر توقيع القاهرة اتفاقية “كامب ديفيد” مع إسرائيل.
أُسست جامعة الدول العربية عام 1945، ولم تستخدم عقوبة الفصل حتى في قضايا وخلافات حساسة، كغزو العراق للكويت، في تسعينيات القرن الماضي.
هل الحضور ممكن؟
حول احتمالية مشاركة سوريا في القمة العربية بالرياض، أوضح رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أن عضوية سوريا مجمّدة، وأن حضور القمة يتطلب إلغاء التجميد، وهو قرار يتطلب بدوره قمة عربية تناقش هذه المسألة.
كما اعتبر خلال مقابلة أجراها مع قناة “روسيا اليوم”، في 16 من آذار الماضي، في أثناء زيارته الخامسة خلال الثورة إلى روسيا، أن الجامعة العربية “ساحة لتصفية الحسابات”، ولا يجب العودة إليها وهي ساحة للانقسام، بل عندما تكون عنوانًا للتوافق.
في الوقت نفسه، تصطدم مطالب بعض الدول العربية (الإمارات ولبنان واليمن والعراق وسلطنة عمان) بإعادة النظام، بمعارضة دول أخرى، منها قطر والكويت، لهذه الإعادة، التي تتطلب بطبيعة الحال قرارًا توافقيًا، كما الحال في الفصل.
يغازل ويهاجم “الجامعة”
خلال مقابلة مع مذيعة قناة “روسيا اليوم”، الناطقة بالعربية وتديرها الدولة، لمدة نحو نصف ساعة، في 9 من حزيران 2022، ركّز رئيس النظام السوري على الأهمية التي تمنحها الجزائر للقمة الماضية (قبل انعقادها)، معتبرًا أن الوزن الوحيد لها أنها تُعقد في الجزائر، وبرر موقفه بثبات العلاقة مع الجزائر منذ سبعينيات القرن الماضي.
في الوقت نفسه، قلل من جدوى “الجامعة العربية” وقدرتها على تحقيق شيء من آمال المواطن العربي بحضور أو غياب النظام عن “الجامعة”، واعتبرها الغطاء لـ”العدوان على ليبيا والعدوان على سوريا ولكل عدوان آخر”.
وخلال لقائه وزير الخارجية الجزائري السابق، رمطان لعمامرة، بدمشق، في 25 من تموز 2022، بالتزامن مع مساعي الجزائر لدعوة النظام إلى القمة التي ترأستها حينها، اعتبر الأسد أن “الجامعة العربية مرآة الوضع العربي”، وأن ما يهم سوريا هو صيغة ومحتوى ونتاج العمل العربي المشترك.
“ليونة” يقابلها ثبات مواقف
تبع الزلزال الذي حدث في عشر ولايات تركية وأربع محافظات سورية، في 6 من شباط الماضي، حالة تراخٍ و”ليونة” في مواقف بعض الدول العربية تجاه النظام السوري، تحت شعارات قومية، ومنها الأردن ومصر، عبر زيارة لوزير خارجية كل من البلدين إلى سوريا واجتماعه بالأسد.
ورغم قرب بعض الدول العربية من النظام، والتصريحات السعودية التي تصب في السياق نفسه، لا يزال الموقف الخليجي منقسمًا حيال الأسد، ولا سيما مع وقوف قطر على الضفة الأخرى، وتأكيد وزير الخارجية الكويتي، سالم عبد الله الجابر الصباح، في مؤتمر “ميونيخ” (حيث كانت السعودية تتحدث عن إجماع عربي) أن موقف الكويت ثابت من النظام، ولا خطط للتطبيع بعد الزلزال.
وكانت وكالة “رويترز” نقلت عن مصادر لم تسمِّها، في 23 من آذار الماضي، أن سوريا والسعودية اتفقتا على إعادة فتح سفارتيهما بعد عيد الفطر المقبل.
وفي اليوم نفسه، وخلال الإحاطة الأسبوعية لوزارة الخارجية القطرية، أكد المتحدث باسمها، ماجد بن محمد الأنصاري، أن الموقف القطري من الأزمة السورية “واضح وضوح الشمس”، لكنه يعتمد على محددين رئيسين، الأول أن يقوم النظام بما يلبي تطلعات الشعب السوري في الحل السياسي وبيان “جنيف 1″، والثاني هو الإجماع العربي حول هذه التحركات.
التجربة المصرية
بعد توقيع مصر “اتفاقية سلام” مع الاحتلال الإسرائيلي، بشكل منفرد في 26 من آذار 1979، باسم “كامب ديفيد”، عقدت “الجامعة العربية”، بين 27 و31 من الشهر نفسه، دورة غير عادية في بغداد، تقرر خلالها تعليق عضوية مصر في “الجامعة العربية” والمؤسسات العربية، الحكومية وغير الحكومية، ونقل “الجامعة” من مقرها الأصلي إلى مقر جديد مؤقت في تونس، بالإضافة إلى نحو 14 بندًا تضمنت مقاطعة اقتصادية، وعقوبات سياسية في هذا الصدد.
وبدأت الأزمة بين مصر والدول العربية بالانفراج عام 1987، بناء على قرارات قمة عمّان التي اعتبرت إجراءات إنهاء المقاطعة مع مصر وإعادة العلاقات معها من “أعمال السيادة”، وهي تخص كل دولة عربية على حدة، بموجب دستورها وقوانينها، دون علاقة لـ”الجامعة” بالمسألة.
إثر هذه الخطوة أعادت بعض الدول علاقاتها مع مصر، وصولًا إلى القمة العربية التي انعقدت بدورة غير عادية في العاصمة المغربية، الرباط، في أيار 1989، التي تقرر فيها استئناف علاقة مصر بـ”الجامعة العربية”.
وحين انعقد مجلس “الجامعة” بدورته العادية، في آذار 1990، في تونس، أُعلن عن عودة مقرها إلى القاهرة في الدورة التالية.
في 12 من تشرين الثاني 2011، قرر وزراء الخارجية العرب، خلال اجتماع طارئ في القاهرة، تعليق مشاركة وفد النظام السوري في اجتماعات “الجامعة العربية” والمنظمات والمؤسسات التابعة لها، مع اتخاذ إجراءات أخرى، كفرض العقوبات السياسية والاقتصادية، كما طالب القرار الدول العربية بسحب سفرائها من دمشق، مع اعتبار القرار “سياديًا لكل دولة”، في إشارة إلى عدم إلزامية هذه الخطوة، ويما يتيح إمكانية التراجع عن أي خطوة من هذا النوع بمعزل عن “الجامعة”.
–