عنب بلدي – حسام المحمود
واجه مسار التقارب التركي مع النظام السوري، منذ انطلاقه في 28 من كانون الأول 2022، عبر لقاء وزراء الدفاع لكل من تركيا وروسيا والنظام، مواقف مختلفة لم يحقق تعارضها، وتمسك النظام بسقف مطالب مرتفع، خطوة تضاهي اللقاء الوزاري ذاك، رغم الحديث عن خارطة طريق كان مأمولًا أن تفضي للقاء رئاسي يجمع الرئيس التركي بنظيره الروسي، ورئيس النظام، قبل الانتخابات التركية المزمع إجراؤها في 14 من أيار المقبل.
وفي 27 من آذار الماضي، قال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، إن المشاورات الرباعية (بعد انضمام إيران للمسار) ستُعقد في موسكو، على مستوى نواب وزراء الخارجية لسوريا وتركيا وإيران وروسيا، في الأسبوع الأول من نيسان الحالي.
حديث المسؤول الروسي تبعه بعد يومين فقط، ما نقلته صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، حول إجراء مباحثات ثنائية في اليوم الأول من المشاورات، أي في 3 من نيسان، قبل الانتقال إلى المباحثات الرسمية في اليوم التالي.
هذه الخطوة التي جاءت غير منسجمة مع الجو السياسي العام الذي يخيّم على المسار السياسي، ويوحي بصعوبة التوصل إلى صيغة تفاهم بين أنقرة ودمشق قبل الانتخابات الرئاسية التركية، تضاف إلى محاولات سابقة عديدة لتقريب وجهات النظر، لكنها لم تبصر النور، رغم تصريحات مسؤولين رفيعي المستوى وإعلانهم عنها، إذ كان مقررًا بعد اللقاء الوزاري في موسكو الانتقال إلى لقاء وزراء الخارجية للأطراف ذاتها، لكن اللقاء لم يُعقد رغم تحديد موعده أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية.
لا تغيير يمهد للقاء
منذ بداية العام الحالي، ظهرت مجموعة مؤشرات لا توحي باتفاق يفضي إلى لقاء بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ورئيس النظام السوري، بشار الأسد، وآخرها وأكثرها وضوحًا وصراحة، ما جاء على لسان الأسد خلال مقابلة أجراها مع قناة “روسيا اليوم”، في 16 من آذار الماضي، خلال زيارته الخامسة خلال الثورة إلى روسيا.
وحينها شن الأسد هجومًا على تركيا والقيادة السياسية فيها، بالتزامن مع فشل انعقاد لقاء نواب وزراء الخارجية الذي كان مقررًا في اليوم نفسه، قبل أن تنسفه علنيًا تصريحات الأسد الذي تحدث عن مطامع لدى السياسيين الأتراك يريدون تحقيقها من خلال الحرب في سوريا، لكن موسكو ربطت التأجيل بعدم الجاهزية، وفق وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو.
وبيّن الأسد أن المقترح التركي الذي وصل بشأن الاجتماع الرباعي على مستوى نواب وزراء الخارجية، هو ألا يكون هناك أي جدول أعمال للقاء، أو أي شروط من أي طرف، وألا يكون هناك أي توقعات.
وتابع “نحن لم نضع شروطًا (…) طرح موضوع الانسحاب ثابت ولن يتغير، هو موضوع وطني، وليس سياسيًا”.
وردًا على سؤال حول إمكانية عقده لقاء مع الرئيس التركي قبل الانتخابات التركية، اعتبر الأسد أن كل طرف يعمل بأولويات مختلفة، وإذا جرى الانسحاب التركي من سوريا فلن يكون اللقاء مستبعدًا، لكنه لن يكون قبل تحقق الشروط بالنسبة للنظام، التي تركّز على بند الانسحاب.
وانتقد رئيس النظام تصريحات صدرت عن وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، نفى خلالها أن يكون وجود قوات بلاده شمال غربي سوريا احتلالًا.
وقال الأسد، “إن لم يكن احتلالًا ماذا يكون؟ استضافة في سوريا؟ ما هذا المنطق؟ (…) إلا إذا كان يعتمد على القوانين الرومانية، عندما كانت الدول تحدد حدودها بحسب قوتها العسكرية، ربما يعيش في ذلك العصر”.
وعزا الأسد مسألة الخلل الأمني على الحدود السورية- التركية إلى “سياسة أردوغان”، معتبرًا أن مسألتي الأمن واللاجئين، كمشكلة تركية، هما من إنتاج حزب “العدالة والتنمية” بقيادة الرئيس التركي.
وبعد اللهجة اللاذعة، وتشديد النظام على ربط الانسحاب التركي بمسار التقارب، لم يصدر عن الجانب التركي، بشكل علني على الأقل، ما يشير إلى تجاوز بند الانسحاب الذي اعتبره الأسد “طرحًا ثابتًا” كتمهيد لانعقاد اللقاء.
الوقت ضيّق
بالنظر إلى موعد لقاء نواب وزراء الخارجية، في 3 و4 من نيسان الحالي، وموعد الانتخابات في 14 من أيار المقبل، يعتبر العامل الزمني مؤشرًا على صعوبة الذهاب بعيدًا في مسار التقارب، مقارنة بأكثر من ثلاثة أشهر لم تحقق نتيجة ملموسة.
الباحث في العلاقات الدولية بلال السلايمة، أوضح لعنب بلدي أن النظام غير متعجل حاليًا للقيام بأي خطوة ملموسة في هذا السياق، وينتظر الانتخابات التركية، اعتقادًا منه بأن أي تغيير في الإدارة السياسية التركية، سيصب في مصلحته، ويسهل آلية التفاوض.
كما أن النظام يتعامل مع التطبيع العربي وحالة التقارب التي بدأتها بعض الدول معه إثر الزلزال، كعامل قوة في التفاوض مع أنقرة.
وفي الوقت نفسه، رجّح الباحث استمرار اللقاءات على مستوى تقني، لا على صعيد دبلوماسي وسياسي، مستبعدًا انعقاد لقاء وزراء الخارجية للأطراف ذاتها قبل الانتخابات، ما يخرج اللقاء الرئاسي من خانة التوقعات ربما.
وحول التوجه التركي نحو تفعيل علاقات طبيعية بين تركيا ومصر على خلفية تعثر المسار مع النظام، يرى السلايمة أنه لا علاقة مباشرة لمسارَي التطبيع ببعضهما، أكثر من رغبة تركية في اتباع نهج “أكثر تصالحية” والابتعاد عن التوترات الإقليمية.
مواعيد “خلّبية”
في 31 من كانون الأول 2022، قال وزير الخارجية التركي، إنه قد يجتمع مع نظيره السوري، فيصل المقداد، في النصف الثاني من كانون الثاني 2023، لكن تصريحًا آخر للوزير التركي، في 12 من الشهر نفسه، نفى وجود تاريخ محدد للقاء، لافتًا إلى احتمالية انعقاده مطلع شباط.
كما أشار جاويش أوغلو خلال مؤتمر صحفي، في 3 من كانون الثاني، إلى أن موسكو قدمت اقتراحًا لتحديد موعد اللقاء، لكن بلاده ليست جاهزة في التواريخ المحددة.
وخلال الأسبوع الثاني من الشهر نفسه، تصاعد الحديث عن اللقاء الوزاري بين الجانبين، لكن جولة إفريقية بدأها الوزير التركي، في 8 من كانون الثاني، واستمرت حتى 14 منه، أكدت أيضًا عدم إمكانية عقد اللقاء في الموعد الأول.
وفي 18 من كانون الثاني، زار وزير الخارجية التركي الولايات المتحدة، ليتراجع بعد الزيارة زخم الحديث عن التقارب مع دمشق، في ظل الحديث عن ملامح صفقة أمريكية- تركية، أبعدت بموجبها واشنطن أنقرة عن دمشق، وصولًا إلى الزلزال المدمر الذي حصل في 6 من شباط، وغيّر أولويات المرحلة لأسابيع، بعد حديث وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، في 2 من شباط، عن استمرار الاجتماعات على المدى المنظور بين تركيا وروسيا والنظام على مستوى الوفود الفنية.
كل هذه المعطيات رافقها دخول إيراني على خط المباحثات التي لم تمضِ قدمًا حتى عبر التصريحات، لوقت إعداد هذا التقرير.
وفي 31 من كانون الثاني الماضي، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن اتفاقية جديدة جرى التوصل إليها تقضي بانضمام إيران إلى عملية “تسوية الأوضاع” بين سوريا وتركيا.
ورغم الحديث التركي عن “جو بنّاء” بعد اللقاء الوزاري الثلاثي في موسكو، الذي لم تخرج منه صورة جماعية، لوحت أنقرة مجددًا، في منتصف كانون الثاني الماضي، بعملية عسكرية برية في سوريا، بالتزامن مع تصريحات خرجت من دمشق، على لسان كل من الأسد، ووزير الخارجية، فيصل المقداد، وصبّت في سياق واحد، إذ أكد الأسد أن الدولة السورية لن تسير إلى الأمام في حوارها مع الجانب التركي إلا إذا كان الهدف إنهاء الاحتلال ووقف دعم “التنظيمات الإرهابية”، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن”.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك لوزيري الخارجية، الروسي سيرغي لافروف، والإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي زار موسكو، في 29 من آذار الماضي، قال عبد اللهيان، إن اللقاء سيجري في سبيل تقريب وجهات النظر والمواقف بين أنقرة ودمشق، وإن زيارته السابقة إلى دمشق كانت بهذا الصدد.