عنب بلدي – حسام المحمود
بعد فترة قصيرة من كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب ولاية كهرمان مرعش التركية، وأثر في أربع محافظات سورية، حلّ شهر رمضان محمّلًا باحتياجات إضافية في ظل حالة عجز عن التماشي مع الظرف المعيشي ما قبل الزلزال والشهر المبارك أصلًا.
وألحقت هذه العوامل تأثيرًا سلبيًا في مختلف جوانب الحياة، فإلى جانب حجم الكارثة التي أودت بحياة الآلاف في سوريا، فلقمة العيش أيضًا طالتها الهزات الارتدادية التي حلّقت بالأسعار في بلد هش اقتصاديًا ما قبل الكارثة.
“أم عماد” سيدة سورية ربة منزل، تقيم في مدينة اللاذقية، أشارت إلى ارتفاع ملحوظ في الأسعار بعد وقوع الزلزال، ما أثر على مختلف السلع، وتحديدًا الغذائية.
وأوضحت السيدة أن المعاش الشهري لزوجها في الوضع الطبيعي ما قبل الزلزال، لا يكفي إيجارًا شهريًا للمنزل، وأن السبيل الوحيد لإنفاق العائلة المكوّنة من خمسة أشخاص هو الحوالات المالية من الأقارب المقيمين خارج سوريا، فالأسعار تواصل الارتفاع، والأجور لا تغطي الحاجة، على اعتبار أن زوجها الموظف يتقاضى نحو 150 ألف ليرة سورية (أقل من 25 دولارًا أمريكيًا).
وفي 17 من شباط الماضي، أكد أمين سر جمعية حماية المستهلك بدمشق وريفها، عبد الرزاق خبزة، أن الأسواق المحلية تعاني نقصًا في المواد المطروحة، رغم توفرها لدى التاجر في المستودعات.
وفي مادة نشرها موقع “أثر برس” المحلي، أوضحت أن 30% من التجار فقط يلتزمون بالأسعار، وأضاف خبزة أن الرقابة التموينية على الأسواق لا تتعدى 25% بالمجمل، وأن حكومة النظام تسهم في رفع الأسعار من خلال رفع أسعار النقل والشحن والمواد التموينية.
ارتفاع الأسعار برره وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السابق، عمرو سالم، في 13 من شباط الماضي، في حديث إلى إذاعة “أرابيسك المحلية“، بالطلب الكبير على السلع والمواد الغذائية بعد حدوث الزلزال.
ورغم توافد طائرات المساعدات من دول “صديقة” وأخرى في إطار الاستجابة الإنسانية إلى مناطق سيطرة النظام، لم تحقق هذه المساعدات تأثيرًا أو تدخلًا إيجابيًا في أسعار السلع التي ارتفعت بعد الزلزال، في ظل حديث وتسجيلات مصوّرة تناقلها ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي لسرقة المساعدات وبيعها للمواطنين.
وكان سالم أشار إلى أن الحاجة كبيرة، والمساعدات التي تصل يجري الانتهاء من توزيعها خلال ساعات، نافيًا في الوقت نفسه وجود سرقات للمساعدات، كما ربط الحالة بتسلّم المواطن السلة الغذائية، وبيعها ربما ليشتري شيئًا آخر.
ورافقت حالة ارتفاع الأسعار هذه “فتوى اقتصادية” مختلفة صدرت في 14 من شباط الماضي، على لسان عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق، لإذاعة “المدينة إف إم”، اعتبر خلالها أن ارتفاع الأسعار مقرون بارتفاع صرف تمويل المستوردات، حيث ارتفع إلى حدود 7200 ليرة للدولار الأمريكي الواحد، بعدما كان بحدود 6000 ليرة قبل وقوع الزلزال، ما أسهم في الارتفاع إلى جانب وجود نقص في السلع ضمن الأسواق.
وفي 2 من شباط الماضي، رفع مصرف سوريا المركزي سعر صرف دولار الحوالات والصرافة إلى 6650 ليرة سورية، وسعر صرف اليورو إلى 7328 ليرة، مجاراة لسعر صرف العملات أمام الليرة في السوق السوداء.
وبحسب بيان للمصرف، صدرت نشرة أسعار صرف جديدة لـ”الحوالات والصرافة”، أتاحت للمصارف وشركات الصرافة تسلّم قيم الحوالات الخارجية الواردة وتصريف المبالغ النقدية (كاش)، وفق سعر صرف مقارب لسعر التداول (السعر المحدد وفق العرض والطلب بسوق القطع غير الرسمي).
استجابة طبيعية
الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، أوضح أن الأسعار تواصل الارتفاع بشكل طبيعي، وأن الزلزال سبّب أزمة، وأوقف عمل بعض القطاعات لأيام، ما أثر على دورة الإنتاج وأوقفها جزئيًا، إلى جانب زيادة الطلب بشكل كبير، ما قاد أيضًا لارتفاع الأسعار بشكل أكبر.
ولفت شعبو، في حديث لعنب بلدي، إلى تدفق الحوالات المالية إلى مناطق سيطرة النظام من السوريين المقيمين في الخارج، ما خلق كتلة نقدية في تلك المناطق، إلى جانب توجه بعض المتبرعين إلى شراء المنتجات وتوزيعها بشكل كبير، فزاد الطلب على السلع الغذائية ما انعكس بطبيعة الحال سلبًا على الأسعار.
وأرجع فراس شعبو الحالة إلى هشاشة الوضع الاقتصادي في سوريا، ما يجعل ارتفاع الأسعار استجابة اقتصادية طبيعية، ولا سيما أن هذا الارتفاع دوري ومتكرر، والمختلف هذه المرة أن الزلزال أثر فيه، لكن الحالة موجودة أصلًا.
“بعد الكوارث من الطبيعي أن ترتفع الأسعار، فهناك حالة هلع وخوف، لكن في سوريا أصلًا هناك حالة لم تختلف عما قبل الزلزال”.
فراس شعبو، دكتور في العلوم المالية والمصرفية |
زيادة الأسعار حتمية في رمضان
حول حالة الأسعار مع حلول شهر رمضان، لفت شعبو إلى أن الزيادة في الأسعار حتمية، ومقرونة بزيادة الطلب والاحتكار التجاري، وعدم توفر السلع بكميات كافية في الأسواق، ما يضع المواطن أمام إعادة ترتيب أولويات كل فترة، والاستغناء عن بعض الأساسيات في ظل رفع الدعم التدريجي عن السلع، ما أرهق المواطن في تأمين الحد الأدنى من مقومات البقاء على قيد الحياة.
وتشهد مناطق سيطرة النظام فجوة بين الرواتب والأجور الشهرية للعاملين، ومتطلبات الحياة، مع عدم القدرة على تحسين الدخل، وتغيير أولويات وثقافة الاستهلاك.
وحلّت سوريا في المركز الـ18 من أصل 117 بلدًا في مؤشر معدل فقر العاملين، بحسب تصنيف “منظمة العمل الدولية” لعام 2022، كما صُنفت إنتاجية العمل في سوريا بالمركز 149 من أصل 185 بلدًا، ما يشير إلى ضعف الإنتاجية.
وعن نسبة العمالة إلى عدد السكان، جاءت سوريا في المركز 166 من أصل 190 بلدًا بمعدل 39.2%، وهو ما يشير إلى هجرة اليد العاملة.
وفي 14 من آذار الماضي، قال برنامج الأغذية العالمي (WFP) التابع للأمم المتحدة، إن متوسط الأجر الشهري في سوريا يغطي حاليًا نحو ربع الاحتياجات الغذائية للأسرة فقط، وإن حوالي 12.1 مليون شخص في سوريا، أي أكثر من نصف عدد السكان، يعانون انعدام الأمن الغذائي.
وجاء في بيان للبرنامج الأممي، أن سوريا من بين البلدان الستة التي تعاني أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم، وهناك 2.9 مليون شخص آخرين مهددون بخطر انعدام الأمن الغذائي.
وعزا البيان هذا التدهور في الأمن الغذائي إلى عدة أسباب، منها اعتماد البلاد الشديد على الواردات الغذائية، وآثار الصراع الطويل، بالإضافة إلى الدمار الذي خلّفه الزلزال في سوريا وتركيا مؤخرًا، حيث فاقم الاحتياجات الإنسانية.
وبحسب المنظمة، فإن أحدث البيانات تظهر أن سوء التغذية آخذ بالارتفاع، مع وصول معدلات التقزم بين الأطفال وسوء التغذية لدى الأمهات إلى مستويات “غير مسبوقة”.
وكانت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي (WFP) أصدرا، منتصف 2022، تقريرًا وضع سوريا واحدة من 20 نقطة جوع ساخنة في العالم.
وفي 6 من شباط الماضي، ضرب زلزال مدمر جنوبي تركيا، وأثر في أربع محافظات سورية، مسببًا وفاة 1414 شخصًا في مناطق سيطرة النظام، و2274 شخصًا في شمال غربي سوريا.