تعا تفرج
شاعر يحسد رقاصة
خطيب بدلة
ذات مرة، كنت عائدًا، في بولمان “الشركة الأهلية”، من دمشق إلى إدلب، وإذا برجل يطلب من الراكب الذي بجواري أن يبادله المقعد. وافق الراكب، فكان له ما أراد.
جلس، وسلم عليَّ، وبادرني بالقول إنه يتابع كتاباتي بشغف، وأنه رآني في بعض المقابلات التلفزيونية، فعرفني، الآن، فورًا. بعد هذه المقدمة، عرّفني بنفسه، على أنه شاعر، له ثلاثة دواوين مطبوعة، عضو جمعية الشعر في اتحاد الكتّاب العرب. حاولت أن أتذكر إن كان اسمُه قد مر معي، فلم أفلح، وأما هو، فسرعان ما انزلق بحديثه إلى خبر كان منشورًا في جريدة، قدمها لي لأراها، عن حفل سيحييه المطرب جورج وسوف، قريبًا، ويقبض عليه قرابة 20 ألف دولار! وكان المفروض بي أصفّر بفمي مندهشًا، ولكنه هو الذي صفّر، وقال: شو هادا؟ 20 ألف دولار بليلة واحدة؟
ولأجل الإمعان في إيضاح فكرة الغبن الذي يقع عليه، أخرج من حقيبته مغلفًا صغيرًا، فيه “إيصال قبض” مبلغ 277 ليرة سورية من صحيفة “الأسبوع الأدبي”، مكافأة مقابل نشر إحدى قصائده. وانطلق يحكي لي، بمرارة، عن الظلم الذي يحيق بنا نحن الأدباء، عمومًا، فهو، مثلًا، يسهر الليالي، ويتحرق بنار العشق، وبحب الوطن، حتى يستيقظ شيطانُ شعره، فيكتب قصيدة، وينقحها، ويبيّضها، ويرسلها إلى الجريدة، وهناك احتمال أن يعجب بها الشاعر فايز خضور، فينشرها، أو يرفضها. المهم، بعد النشر، يمر شهران، أو ثلاثة، حتى تُصدر الصحيفة جدول المكافآت، وعندما تسنح له سَفرة إلى دمشق، يذهب إلى مقر اتحاد الكتّاب، ليقبض هذا المبلغ التافه الذي يقارب 50 دولارًا فقط، بينما جورج وسوف يقبض الـ…، وهنا فرمل، وقال:
– يا أخي، جورج وسوف، على القليلة، فنان، صوته طيب، وله شخصية فنية، ولكن تصور، رقاصة تعمل في أحد “الكازينوهات” الرخيصة، تقبض أجرتها من صاحب “الكازينو” الشيء الفلاني، ويرشرش عليها الزبائن نقودًا إضافية، فلا تطلع من ليلتها، في المحصلة، بأقل من ألف دولار، إذا لم يكن أكثر.
انتابني، عند هذه النقطة، شعوران، أولهما أن هذا الجار الشاعر سوف يسترسل، ويصرع دماغي بكثرة الأمثلة عما يقبضه الأدباء، وما تقبضه الراقصات، وثانيهما أن هذا الأمر طريف، وفيه جانب جدّي، فمبدأ العرض والطلب، برأيي، يلعب دورًا كبيرًا فيما يقبضه الإنسان لقاء عمله، فصاحب “الكازينو” الذي يدفع لجورج وسوف 20 ألف دولار عن حفلة واحدة، يعرف أن بيع البطاقات سيأتيه بأضعاف المبلغ، و”الكازينو” لا يمكن أن يعمل، أساسًا، دون راقصة، ولكي يجتذب أكبر عدد من الزبائن الأثرياء، يختار راقصته من ذوات الجمال، والصبا، والرشاقة، وأما جاري الشاعر، ومع احترامي لشخصه الإنساني، فمن يقرأ شعره؟ ومن يشتري المطبوعة لأجله؟ أصلًا مطبوعات اتحاد الكتّاب كلها كانت كاسدة، ضاقت بها المستودعات فصاروا يبيعونها بأسعار تشجيعية.
قلت لجاري، ممازحًا، محاولًا التخفيف من حنقه: إذا كانت الراقصة تهز خصرها عددًا من المرات في ليلة واحدة، وتقبض ألف دولار، والشاعر يقبض على قصيدته 50 دولارًا، فبرأيك المكافأة التي قبضتَها أنت، كم هزة خصر تساوي؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :