تكتظ مدينة اسطنبول بالمطاعم السورية التي تقدم وجباتها المتنوعة خلال شهر رمضان بتعدد ثقافاتها وخيارات الأكل المتاحة لديها، الأمر الذي يجعلها وجهة ملائمة لتناول وجبة الفطور ضمن صالتها أو عبر طلب الأكل منها إلى المنازل.
توفر المطاعم أجواء رمضانية من خلال قوائم الطعام (منيو) التي تمتلكها، تضاف إليها المأكولات المخصصة لشهر الصيام، والمشروبات المتعددة لتلائم جميع الأذواق.
أجواء محببة تخلقها المطاعم تشكل عنصر جذب لدى الكثير، لكنها تحمل خلف الكواليس مشكلات وصعوبات تؤرق وتثقل كاهل أصحاب المطاعم وكوادرها.
وترصد عنب بلدي في هذا التقرير أبرز المشكلات التي يعايشها أصحاب المطاعم والكوادر خلال شهر رمضان ولا تظهر للعلن، عبر لقاءات مع عدد من أصحاب وموظفي المطاعم السورية في مدينة اسطنبول.
مبيعات لا تسد التكلفة
تقدم المطاعم السورية في اسطنبول الوجبات في وقت الإفطار ضمن صالاتها، وبعضها تقدم وجبتي الإفطار والسحور، ومنها من تعمل بالبيع مباشرة للزبون (طلبات سفري)، وأخرى تقوم بخدمة التوصيل.
حسن حميدان، صاحب مطعم في اسطنبول، أوضح لعنب بلدي، أن معظم المطاعم لا تجني أرباحًا في شهر رمضان، بسبب قصر ساعات العمل، وتقديم وجبات بعدد محدود لا تسد حتى الكلفة التشغيلية للمطعم.
وذكر أن مبيع الوجبات انخفض في مطعمه الذي يقدم وجبات إفطار فقط، إلى 20% مقارنة بالأيام العادية، وأن هذا المردود لا يسد إيجار المحل وفواتيره ورواتب العمال، الأمر الذي يخلق بعض المشكلات في مطعمه خاصة وفي المطاعم ككل.
محمد نحاس يدير مطعمًا سوريًا في اسطنبول، قال لعنب بلدي إنه يقع في حيرة من أن يفتح المطعم أو يغلقه في شهر رمضان، مشيرًا إلى أن الخسارة ماليًا أمر لا بد منه، لكن في حال قرر فتح المطعم، تنشأ مشكلات مع الموظفين على العطل وساعات الدوام والراتب، وفي حال أغلق سيفتقده الزبائن الذين اعتادوا على زيارة المطعم.
وأوضح نحاس، أن شهر رمضان يمثل فرصة لتعديل بعض الأثاث والديكور، كون ساعات العمل قليلة والإقبال محدود، وهي تكلفة مالية مضاعفة على عاتق صاحب المحل (إيجار وليس مُلكًا) لا يتحمل المالك أيًا منها.
ولفت نحاس إلى أن بعض المطاعم يمكن أن تسد كلفتها التشغيلية، في حال كانت مطعمًا ومقهى تقدم أصنافًا أخرى بعد وجبة الإفطار كالحلويات والعصائر وغيرها.
عمال غير راضين
مع بداية رمضان من كل عام، تنشأ مشكلات بين الموظفين وصاحب المطعم على ساعات العمل والرواتب، ويرغب كل موظف بطرح وجهة نظره مقترحًا قبول طلباته.
وتعطي إدارات بعض المطاعم رواتب كاملة مع نصف دوام أو تخفيض ساعات العمل، ومنها تعطي نصف راتب مع نصف دوام، ومنها توقف العمال لفترة أيام وتصل إلى شهر رمضان كاملًا في بعضها، يتخللها مبالغ مالية “بسيطة” كتعويض حسب الاتفاق.
أوضح حميدان، أن أجور بعض موظفي مطعمه بقيت ثابتة وشملت “الشيف”، وهم أربعة يلتحقون بالمطعم بنصف دوام خمس ساعات ونصف، ويحضرون الوجبات ويشغلون المعدات، ويتقاضون 450 ليرة تركية يوميًا.
وبقيت الرواتب ثابتة لموظف الصالة (كرسون) 350 ليرة، وموظف النظافة 300 ليرة، والمحاسبة 400 ليرة يوميًا، بدوام جزئي خمس ساعات ونصف.
وخفض المطعم رواتب عمال التوصيل (الدليفري)، لأن العمل يقتصر على ساعة الإفطار فقط، وتختلف في حال امتلاكه دراجة نارية أم لا، وحسب الاتفاق والنسبة على كل طلب وهي مرتبطة بطول المسافة، وتتراوح الرواتب من 300 إلى 450 ليرة تركية، وفق حميدان.
من جهته، تحدث نحاس عن مشكلة اختلاف ساعات العمل وكثرة اشتراط العمال في هذا الشهر، وعدم مراعاتهم لظروف المطعم، لافتًا إلى أن من يحصل على راتب بشكل يومي (مياومة) هو عامل غير ثابت، لا يلتزم المطعم في راتبه في حال توقف المطعم عن العمل أو قرر الإغلاق لفترة، وهذا الأمر لا يرضي العمال رغم الاتفاق معهم مسبقًا.
محمد شاب حمصي يعمل “دليفري” في مطعم لمدة ساعتين خلال الإفطار فقط، ويتقاضى 375 ليرة تركية يوميًا، قال لعنب بلدي، إنه ملتزم مع المطعم في الأيام العادية وحتى في أيام الثلج والبرد، لافتًا إلى ضرورة حصوله على راتبه الكامل والذي يصل إلى 600 ليرة.
بدوره الشاب مالك يعمل “شيف” مطعم، يفضل الإفطار مع عائلته، لكنه لا يستطيع بسبب التزامه بالعمل خلال هذه الفترة، مؤكدًا حصوله على راتبه كاملًا بدوام جزئي.
وذكر نحاس وحميدان، أن بعض العمال يتذمرون خلال ساعة الإفطار بسبب تأخر فطورهم أو الازدحام قليلًا، رغم معرفتهم المسبقة بطبيعة عملهم وظروفه، لكنهم اعتادوا على “الشكوى” فقط.
وتنشط في اسطنبول العديد من المطاعم السورية التي يعمل فيها عشرات العمال بمختلف الوظائف.
وتشهد المطاعم تغيرًا شبه أسبوعي في العمال، ودائمًا ما تبحث عن موظفين ليسدوا الفراغ، وقلما يتم تحديد أو تخصيص العمل ضمن المطاعم، فمعظم تقديرات المطاعم لحجم اليد العاملة التي تحتاج إليها غائبة، بحسب تقرير سابق أعدته عنب بلدي.
وتعد اسطنبول أشهر المدن التركية وأكثرها اكتظاظًا، وتضم أكبر عدد من السوريين في تركيا، بـ531 ألفًا و816 لاجئًا سوريًا، من أصل ثلاثة ملايين و447 ألفًا و837 لاجئًا سوريًا يقيمون تحت قانون “الحماية المؤقتة”، وفق أحدث إحصائية للمديرية العامة لإدارة الهجرة التركية، حتى 16 من آذار الحالي.