تجار يشترون الكيلو بين 50 و100 ألف ليرة
الكمأة شرقي سوريا.. فرصة “بين الألغام”
يعتبر قطاف فطر الكمأة من الأنشطة الموسمية الزراعية المهمة في محافظة الحسكة، وفرصة ومصدرًا للرزق لعديد من العائلات، خصوصًا تلك التي تسكن في مناطق البادية الممتدة بين الجنوب والشمال السوري بمحاذاة الحدود العراقية.
نشاط جمع الكمأة رافقته خلال السنوات الماضية عديد من المخاطر، إذ تعرضت مجموعات كبيرة من المزارعين وهواة جمع الكمأة إلى الخطف، وقُتل عدد منهم خلال شباط الماضي، إلا أن هذا النشاط لا يزال مستمرًا حتى اليوم.
التنقيب بين الألغام
من أبرز المخاطر التي كان ولا يزال جامعو الكمأة يواجهونها انفجار الألغام، وتعتبر إلى جانب مخلّفات الحرب من مسببات الموت الرئيسة للعمال في هذا المجال.
في 27 من شباط الماضي، قُتل نحو عشرة مدنيين وأصيب تسعة آخرون بجروح متفاوتة، بعضها خطرة، جراء انفجار لغم أرضي بسيارة كانت تقلهم خلال عملهم بجمع الكمأة، في منطقة تل سلمة بريف سلمية الشرقي شرقي محافظة حماة.
تبع ذلك مقتل خمسة أشخاص وجرح أكثر من 40 آخرين بانفجار لغم أرضي بشاحنة كانت تقل مجموعة من العمال المتجهين لجمع الكمأة، بمنطقة كباجب في ريف دير الزور الجنوبي.
ويعتمد العاملون في هذا المجال على قطعة معدنية أو خشبية صغيرة ينبشون بها التراب بحثًا عن الكمأة ذات اللون القريب من لون التربة، ويتعثرون في بعض الأحيان بألغام مزروعة في مناطق بحثهم.
وتداول ناشطون عبر “فيس بوك” خلال الأيام الماضية، تسجيلًا مصوّرًا يعود لشاب من أبناء محافظة دير الزور، خرج لجمع الكمأة في منطقة البادية، إلا أنه عثر على كمية من الألغام، وشرع بجمعها بدلًا عن الفطر الذي يقصده.
يقيم محسن العليوي (41 عامًا) في ريف القامشلي الجنوبي، المعروف محليًا باسم “منطقة جنوب الرد”، وهي منطقة شبه صحراوية، تعتمد زراعتها على مياه الأمطار، ما يجعل من الربح والخسارة فيها مراهنة كبيرة.
وضع المنطقة الزراعي جعل من جمع الكمأة خلال موسمها الممتد بين كانون الأول وآذار من كل عام عملًا أساسيًا بالنسبة لهم، بحسب ما قاله محسن، الذي يخرج عدة مرات في الأسبوع للبحث عن الكمأة في ريف القامشلي الجنوبي والشرقي.
وقال محسن لعنب بلدي، إن ظروف الطقس الجيدة بالنسبة للمزارعين من أمطار وصواعق، تعتبر مواتية لظهور الكمأة، ما يجعل من جمعها هوسًا لأغلبية أبناء المنطقة من نساء وأطفال ورجال “رغم خطورة العمل فيها”.
وتعتبر صعوبة الوضع الاقتصادي بالنسبة للسكان أول أسباب تجاهل المزارعين للمخاطر، إذ يمكن لفطر الكمأة أن يحقق مدخولًا جيدًا لأبناء المناطق الصحراوية، أو القاطنين على مقربه منها.
الكيلو بين 50 ألفًا و100 ألف ليرة
قال محسن العليوي، إن “ما نجمعه سهل التصريف عبر تجار محليين يشترون الكيلوغرام الواحد بأسعار تتراوح بين 50 ألفًا و100 ألف ليرة سورية، حسب نوع وحجم حبة الكمأة.
وفي منطقة مركدة جنوبي محافظة الحسكة على الطريق الواصل إلى دير الزور، يعمل أيضًا فرج الجوير البالغ من العمر 35 عامًا في جمع الكمأة، ويصف عمله بأنه “شاق وخطر، لكنه مثمر”.
وعن إصراره على مزاولة العمل رغم المخاطر قال فرج لعنب بلدي، “أُدرك مدى خطورة هذا النوع من العمل، وأحاول قدر الإمكان أخذ الحيطة والحذر دائمًا، لكن لن أضيّع فرصة تضمن رزقًا جيدًا لي ولعائلتي”.
فرج أضاف أن جمع الكمأة وبيعها خفف عن كاهله مصاريف شهر رمضان، كما تمكن من ادخار بعض المال لسد حاجات العيد، دون أن يذكر الكمية التي استطاع جمعها وبيعها.
ومن أكثر المناطق التي تظهر فيها الكمأة بمحافظة الحسكة منطقة جبل عبد العزيز، وريف المحافظة الشرقي والجنوبي، والأراضي بمحاذاة الحدود العراقية بدءًا من جنوب اليعربية وحتى الحدود الإدارية لدير الزور، بحسب مزارعين من أبناء المحافظة قابلتهم عنب بلدي.
سلعة للتصدير
لا تُستهلك الكمأة بأغلبيتها في الأسواق المحلية بالحسكة، إذ يصدّر القسم الأكبر منها إلى الأسوق في مناطق سيطرة النظام السوري، ليعاد تصدير معظمها إلى دول الخليج العربي، ويُطرح بعضها في الأسواق المحلية، بحسب ما قاله عاملون في جمع الكمأة لعنب بلدي.
ونقلت صحيفة “الثورة” الرسمية، عن عضو لجنة سوق “الهال” بدمشق محمد العقاد قوله، في 23 من آذار الحالي، إن حركة التصدير خلال هذه الأيام، وباتجاه عدد من الدول العربية جيدة، وخاصة الكمأة.
وأضاف أن “هناك طلبًا كبيرًا” على الكمأة، وأن 15 سيارة منها صُدّرت إلى السعودية خلال آذار الحالي، إلى جانب 17 سيارة أُرسلت إلى الكويت.
خطف وقتل جماعي
في 11 من شباط الماضي، قُتل 53 مدنيًا بهجوم اتُهم تنظيم “الدولة الإسلامية” بتنفيذه، خلال عملهم في جمع الكمأة، إلى جانب العشرات من المفقودين بينهم عناصر من قوات الشرطة، جنوب شرق مدينة السخنة بريف حمص الشرقي.
سبق هذا الهجوم عمليات مشابهة طالت مدنيين خلال عملهم بجمع الكمأة شرقي حماه، وبريف دير الزور الجنوبي خلال السنوات الماضية، إلا أن هواة جمع هذا الفطر لا يزالون يرتادون المناطق النائية بحثًا عنه.
محسن العليوي ذكر لعنب بلدي أن هناك عديدًا من المخاطر التي تواجههم كالألغام و”التشليح” من قبل اللصوص، والتعرض لإطلاق الرصاص من قبل حرس الحدود العراقية الذين يعتبرون مناطق وجودهم أماكن لنشاط خلايا تنظيم “الدولة”، إذ يطلقون النار، أو ينادون بمكبرات الصوت ويطلبون منهم الابتعاد عن الحدود.
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في الحسكة مجد السالم
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :