شهدت مناطق في محافظة درعا على مدار السنوات الماضية نزاعات داخلية بين فصائل ومجموعات محلية متعددة الانتماءات، كان مسرحها داخل مناطق السكن وبين منازل المدنيين، وأسفرت عن خسائر في أرواحهم وممتلكاتهم.
أحدث هذه الخلافات ما شهدته مدينة إنخل شمالي محافظة درعا، في 26 من آذار الماضي، وأدى إلى مواجهات بين مجموعة تنتمي لـ”اللواء الثامن” وعشائر من أبناء المدينة نفسها، أسفرت عن مقتل مدني وجرح آخر.
سبقتها مواجهات مشابهة شرقي المحافظة أيضًا، في 6 من آذار نفسه، أسفرت عن إصابات بين سكان بلدة أم المياذن، وإحراق بعض منازل تعود ملكيتها لمدنيين.
الهرب حل
نزح أنس مع عائلته من مدينة إنخل، إثر الاشتباكات التي شهدتها المدينة، في 27 من آذار الماضي، بعد الأنباء التي انتشرت عن مقتل مدني داخل منزله بالرصاص العشوائي المتطاير بين منازل المدنيين.
قال أنس لعنب بلدي، إن عددًا من السكان نزحوا مع اليوم الأول للمواجهات، كما أُغلقت المدارس في المدينة، وتوقفت الحياة فيها بشكل تام لثلاثة أيام على التوالي، بينما بقي بعض السكان عالقين في المنطقة مع اشتداد المواجهات.
حالات أخرى نقلها لعنب بلدي مدنيون من سكان بلدات صيدا وأم المياذن شرقي محافظة درعا تشابه قصة أنس، إذ عاشوا التفاصيل نفسها مع اندلاع المواجهات فيها بين مجموعة تتبع لـ”الأمن العسكري” و”اللواء الثامن”، صاحب النفوذ في المنطقة.
وأسفرت المواجهات، التي استمرت ثلاثة أيام، عن مقتل مدني وجرح آخرين، بالإضافة إلى إحراق منزل مدني وأضرار مادية بمنازل أخرى.
الفوضى الناجمة عن المواجهات دفعت بوجهاء أم المياذن لإصدار بيان طالبوا فيه الفصائل بتصفية حسابتها خارج البلدة، مهددين برد فعل “عسكري” في حال تحويل المنطقة إلى ساحة قتال مجددًا، وترويع السكان فيها.
دليل على الفشل
الكاتب والباحث أحمد الأبازيد، قال لعنب بلدي، إن الجنوب السوري هو “أكبر دليل” على فشل نظرية تحقيق الاستقرار، التي روّج لها النظام عن سيطرته على المنطقة.
ومع مرور أكثر من أربعة أعوام على “التسوية”، لم يحقق النظام الاستقرار في الجنوب، ولم يتمكن فعليًا من عقد مصالحة مع المجتمع المحلي، وبدلًا من ذلك، أسس ميليشيات تابعة لأجهزته الأمنية تمارس الانتقام من السكان، وشكّل عصابات تدير عمليات المخدرات واقتصاد حرب.
وأضاف الأبازيد، وهو ينحدر من محافظة درعا، أن فشل خطوات تحقيق الاستقرار صار واضحًا بعد العقوبات الأمريكية والبريطانية مؤخرًا على بعض قادة هذه الميليشيات، منهم من ينتمي إلى أفرع النظام الأمنية في درعا.
ويرى الباحث أن نموذج الجنوب يؤكد أن النظام لا يمكنه التصرف كدولة في البيئات المجتمعية التي صارت ضده، ولا يمكنه تحقيق مصالحة حقيقية مع المجتمعات الرافضة له، وربما لا يرغب بتحقيق استقرار وتقديم ضمانات للاجئين من هذه المناطق حتى يعودوا إليها.
أطراف عززت الفوضى
أحد وجهاء محافظة درعا، تحفظ على اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إن عدم الاستقرار في عموم منطقة حوران لا يزال يؤثر على الحياة العامة بشكل مباشر، سواء من الناحية الاجتماعية والاقتصادية.
وأضاف، أن أطرافًا متعددة تعمل على زعزعة الاستقرار في المنطقة، منها النظام الذي لا ينفك عن التهديد باقتحام بعض المناطق، وتنفيذه عمليات الدهم فيها كما حصل في مناطق درعا البلد عام 2021، أو مدن طفس وجاسم منتصف 2022.
ويلعب كذلك تنظيم “الدولة الإسلامية” دورًا في حالة عدم الاستقرار بحسب المصدر، إذ تتحصن خلاياه في بعض المناطق الخارجة عن السيطرة الفعلية للنظام، ما يجعلها (المناطق) عرضة لأن تتحول إلى ساحة قتال في أي لحظة، كما حدث في حي طريق السد بدرعا البلد نهاية 2022، عندما نشبت معارك بين مجموعات تُتهم بالتبعية للتنظيم وأخرى محلية مدعومة من “اللواء الثامن”.
وحدثت معارك أثرت على الممتلكات العامة والخاصة بعد مواجهات في تشرين الأول 2022، استمرت 15 يومًا في مدينة جاسم ضد خلايا تنظيم “الدولة”، تبعتها مواجهات، في تشرين الثاني من العام نفسه، بدرعا البلد، إذ شهد حي طريق السد معارك بين فصائل محلية ومجموعات متهمة بالانتماء لتنظيم “الدولة”.
يضاف إلى ذلك النزاعات التي سببتها الفصائل التي انخرطت بصفوف النظام، مثل “اللواء الثامن” الذي أصبح يتبع لـ”الأمن العسكري” بشكل مباشر، ومجموعة “الكسم”، ومجموعة “أبو علي اللحام”.
“حالة رعب” مستمرة
ياسر مسالمة، وهو ناشط في الشأن السياسي مقيم في فرنسا وينحدر من محافظة درعا، قال لعنب بلدي، إن هذه المعارك أثرت على المجتمع من خلال تكريسها “حالة الرعب” المستمرة بين السكان، لأن الجميع أصبح مستهدفًا بشكل أو بآخر.
وأضاف، أن حالة الاستهدافات المتكررة المتبادلة بين مجموعات معارضة والنظام السوري، إلى جانب عمليات الاستهداف والخطف بغرض السرقة، جعلت من المجتمع غير آمن بالمجمل، وهو ما انعكس على النشاط الاقتصادي في المحافظة.
ورغم مرور خمس سنوات على سيطرة النظام على المنطقة، لم نشهد حركة إعمار فعلية بسبب هذه التوترات، يضاف إلى ذلك التضييق الأمني من قبل النظام على السكان، وفرض الإتاوات والاعتقالات وغيرها.
ودفعت هذه الحوادث المتكررة بعض السكان لتقييد حركتهم، والامتناع عن العمل، إذ أصبحت الحوالات الخارجية تمثل “طوق نجاة” والمعيل الوحيد للمدنيين على الاستمرار بالحياة بحسب مسالمة.
اقرأ أيضًا: سكان درعا لا يبحثون عن المستفيد من عمليات الاغتيال.. يرحلون
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في درعا حليم محمد
–