تجاوزت الآلية الدولية للكشف عن مصير المفقودين في سوريا إحدى أبرز الصعوبات التي كانت تعرقل تقدمها، بعد أن أعلن ممثل لوكسمبورغ لدى الأمم المتحدة، أوليفييه مايس، استعداد بلاده لكتابة مشروع قرار حول الآلية الدولية.
وقال مايس خلال اجتماع غير رسمي للأمم المتحدة بعنوان “حالة حقوق الإنسان في سوريا”، الثلاثاء 28 من آذار الحالي، إن بلاده سترفع مشروع قرار من شأنه أن يوضح مصير الأفراد المغيبين والمخفيين قسرًا، بالتعاون مع مجموعة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، معتبرًا تحركات روابط المعتقلين وذويهم “المحرك الأساسي” لهذه القضية.
بدوره، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لإنشاء الآلية، مطالبًا جميع الدول الأعضاء والنظام السوري ومختلف أطراف النزاع، بالتعاون للكشف عن مصير المفقودين.
كما دعا المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، خلال إحاطته، لإنشاء الآلية المستقلة، مؤكدًا ضرورة اتخاذ خطوات مشتركة من قبل جميع المعنيين بهذا الشأن لمساعدة مئات المفقودين وذويهم في سوريا.
وفي حين رحبت معظم الدول الأعضاء بإنشاء الآلية، أكدت دول أخرى وعلى رأسها روسيا والصين وكوبا وفنزويلا، رفضها إنشاء الآلية، مطالبة باحترام “سيادة سوريا” و”عدم تسييس الملفات الإنسانية”.
مؤشرات “إيجابية”
شكّل عدم استعداد أي دولة لاستلام قيادة الملف، وكتابة نص القرار، عائقًا أمام الآلية منذ التصويت على مشروع القرار في 16 من تشرين الثاني 2022، ما دفع روابط المفقودين وذويهم والمنظمات المعنية بشؤون المعتقلين للعمل على حملات مناصرة لحث الدول على إدارة الملف وكتابة نص القرار.
مدير مبادرة “تعافي”، أحمد حلمي، قال لعنب بلدي، إن الاجتماع تضمن العديد من المؤشرات الإيجابية، وأظهر الدعم الدولي لإنشاء الآلية.
وأظهر موقف لوكسمبورغ إحراز تقدم إيجابي في ملف المفقدين، وفق ما قاله حلمي مشيرًا إلى أن عدم وجود تبني واضح للآلية من قبل الدول الأعضاء، كان أحد أبرز مخاوف العائلات خلال الأشهر الماضية.
وأضاف حلمي، أن وجود الأمين العام للأمم المتحدة والمفوض السامي لحقوق الإنسان خلال الاجتماع، بالإضافة إلى تأكيد العديد من الدول على أهمية دور روابط المعتقلين وذويهم، تعتبر مؤشرات إيجابية.
الطريق “ما زال طويلًا”
مؤسس ومنسق الرابطة، دياب سرية، قال لعنب بلدي، إن الطريق أمام إنشاء الآلية بشكل رسمي وبدء عمله ما زال طويلًا، إذ إن كتابة القرار قد تستغرق أشهرًا قبل أن يتم التصويت عليه.
وبعد كتابة القرار والتصويت عليه، يجب تخصيص ميزانية محددة لدعم الآلية، ليبدأ مجلس حقوق الإنسان بالعمل على تشكيلها وفق القرار، بحسب ما قاله سرية، لافتًا إلى أن الوقت الذي تتطلبه تلك الخطوات يعتمد على بيروقراطية الأمم المتحدة.
ويرى سرية، أن النقطة الأهم في الوقت الراهن، هي تحديد مهام الآلية بشكل واضح ضمن نص القرار، وهو ما لا يتوقع حدوثه.
وأوضح، أن كتابة قرار لا يتوافق مع تطلعات ذوي المفقودين بوجود خطوات حاسمة تتبعها الدول لتلزم النظام السوري بالتعاون مع الآلية، كفيل بجعل الآلية غير مجدية.
من جهته، يرى مدير مبادرة “تعافي”، أحمد حلمي، أن روابط المفقودين وذويهم تتخوف من أن يغيب دورها عن نص القرار المتوقع كتابته من قبل لوكسمبورغ، إلى جانب تخوفها من أن تكون نتائج التصويت على القرار سلبية.
ما “الآلية الدولية”؟
برز الحديث عن آلية إنسانية دولية مستقلة، تُعنى بالكشف عن مصير المختفين قسرًا والمعتقلين لدى مختلف أطراف النزاع في سوريا، منذ ترحيب المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، في 8 من نيسان 2022، بطلب الأمم المتحدة في القرار “76/228″، للحصول على تقرير لدراسة آلية لتعزيز الجهود، لتوضيح مصير الأشخاص المفقودين في سوريا وأماكن وجودهم، وتحديد هوية الجثث، وتقديم الدعم لعائلاتهم.
جاء ذلك بعد أن تمكنت روابط المفقودين والمعتقلين وذويهم في أواخر 2021، من التأثير على قرار “اللجنة الثالثة” في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بإضافة فقرة إلى نص قرارها الدوري، تطلب من الأمين العام للأمم المتحدة إجراء دراسة عن “كيفية توحيد الجهود للعمل على ملف المخفيين قسرًا في سوريا، من ضمنها الآليات المتوفرة والبحث عن حلول جديدة”.
وبعد سنوات من المطالب بتحرك دولي حيال هذا الملف، وانتظار التوصل إلى آلية تحت مظلة دولية، اعتمدت الأمم المتحدة تقريرها في آب الماضي، ليكون ركيزة تُبنى عليها خطوات حقيقية تسهم بالكشف عن مصير المفقودين.