عنب بلدي – خالد الجرعتلي
نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر لم تسمِّها، في 23 من آذار الحالي، أن سوريا والسعودية اتفقتا على إعادة فتح سفارتيهما بعد قطع للعلاقات الدبلوماسية استمر أكثر من عقد، مشيرة إلى أن الإجراءات في هذا الشأن ستبدأ بعد عيد الفطر المقبل.
المعلومات التي نقلتها الوكالة رفعت من احتمالية تأثير التقارب بين السعودية وإيران مؤخرًا على الملف السوري، إلى جانب ملفات أخرى لدول عربية كالعراق واليمن ولبنان.
ويعتبر هذا التقارب بين الرياض ودمشق أهم تطور فعلي شهدته العلاقات بين الجانبين على مدار السنوات الـ12 الماضية، خصوصًا مع موجة التطبيع العربية مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الذي نبذته عديد من الدول الغربية والعربية بعد اندلاع الحرب في سوريا عام 2011.
مفاوضات مقبلة
غابت المملكة العربية السعودية منذ سنوات عن الساحة السورية، إذ لم تعد تدعم فصيلًا أو جهة عسكرية معيّنة، وصارت مشاركتها في الملف السوري مقتصرة على التصريحات السياسية، وبعض التحركات الدبلوماسية.
أما عن إيران، فقد حافظت حتى اليوم على فاعليتها في الملف السوري، إذ لا تزال تملك أعدادًا كبيرة من المقاتلين المنتشرين على الأراضي السورية، ويمكن لها أن تكون ذات تأثير أكبر في هذا الصدد.
الباحث الزميل في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” نادر الخليل، أطلق على خطوة التقارب الأحدث بين دمشق والرياض اسم “مرحلة تقييد التابعين”.
وقال لعنب بلدي، إن هذه المرحلة ستشهد مفاوضات خلال الفترة المقبلة بناء على المعطيات الحالية، لكن لا يمكن أن تلقى نجاحًا كبيرًا بالنظر إلى نهج وعقلية النظام السوري “المتشدد” تجاه أي تغيير ومشاركة المعارضة، وكذلك الشروط السعودية لتحقيق مزيد من الانفراج والتطبيع الكامل.
وكمثال على هذه الفرضية، يرى الخليل أن حالة المد والجزر التي تشهدها المفاوضات التركية مع النظام السوري، ستكون مشابهة لما هو مقبل في سياق التقارب السعودي.
لكن دفتر الشروط الذي يظهره النظام السوري عرقل المفاوضات مع تركيا بطريقة أو بأخرى، ومن المحتمل أن ينسحب هذا الأمر على أطراف أخرى، إلى جانب ذلك، تحمل المملكة دفتر شروطها الخاص بها أيضًا، وبالتالي لا يمكن الجزم في هذا الصدد.
المحلل المختص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي، يرى من جانبه أن السعودية قد تطلب من إيران التدخل لإطلاق مفاوضات مع النظام السوري.
وبطبيعة الحال، ستوافق إيران على المقترح، لكن تنفيذه “شبه مستحيل” بالنظر إلى المعطيات الميدانية اليوم، خاصة أن الحديث يجري عن وقف التصعيد من قبل أذرع إيران في الدول العربية.
وقال النعيمي، إن إيران ماضية في استثمار عامل “عدم المواجهة المباشرة” عبر تعزيز قدرات ميليشياتها العسكرية في سوريا، وباليمن ربما بوتيرة منخفضة بعض الشيء، لكن نتحدث اليوم عن “سلوكيات عصابة تحكم دولة”، وهو ما لا يمكن أن يكون مطمئنًا بالنسبة للسعودية.
ملفات على الطاولة
الباحث نادر الخليل اعتبر أن ترقب تغيير على أرض الواقع يجب أن يكون ناتجًا عن تقارب جديد وجدي بين الطرفين، إذ إن خطوط التقارب بين الجانبين رُسمت خيوطها الأولى عام 2021.
وقال إن أبرز الدول التي تتأثر بالتقارب المعلَن هي ذاتها التي تشهد تحركًا واضحًا لجهات سياسية وعسكرية موالية لطهران، على رأسها اليمن متمثلة بجماعة “الحوثي”.
وتأتي سوريا ثانيًا، حيث النظام المدعوم من إيران، ثم لبنان المتأزم سياسيًا واقتصاديًا في ظل نفوذ “حزب الله” المدعوم إيرانيًا، وأيضًا العراق، الذي يعتبر الساحة الأقرب بالنسبة للتوغل الإيراني عبر “الحشد الشعبي” وأطراف سياسية شيعية.
ويرى الخليل أن إعادة التمثيل القنصلي ليست بالضرورة أن تكون إحدى نتائج هذا التقارب، وربما هي كذلك، ولكن لا تخفى الرغبة السعودية وقبلها بعض الدول العربية التي بدأت منذ سنوات بتواصل أمني يتحول لاحقًا إلى دبلوماسي علني مع النظام السوري.
وأضاف أن هذه الرغبة قد تأتي من بوابة أن المسألة السورية طال أمدها، ووصلت إلى مرحلة “انسداد أفق الحلول فيها”.
بموجب هذه الرغبة السعودية، صار من الواجب تحريك المياه الراكدة عبر إجراءات قد تتطلب تنازلات من النظام، ففي نهاية الأمر تسعى الدول لتحقيق مصالحها.
ماذا عن تنازلات سعودية؟
الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، يرى أن ملف سوريا لا يختلف كليًا من حيث التموضع الجغرافي وإمكانية التأثير والتأثر عن الملفات المتعلقة بدول عربية أخرى بالنسبة للرياض.
وتركّز المملكة العربية السعودية والحلف البحري الدولي المشكّل حديثًا على مراقبة خطوط الملاحة البحرية لعمليات تهريب الأسلحة من إيران إلى اليمن لنحو 1400 كيلومتر على الحدود مع العراق، بحسب النعيمي.
وتابع أن هذه الحدود لطالما كانت مستباحة إيرانيًا، إذ يستطيع “فيلق القدس الإيراني” التحرك من طهران إلى بيروت عبر سوريا، دون أن تعترضه أي قوة عربية، بل ويُمنح الغطاء الشرعي من حكومات تلك الدول التابعة لإيران، وبالتالي لا يمكن للمملكة أن تقايض أوراقها التفاوضية بين هذه الملفات.
النعيمي اعتبر أن إيران لن تلتزم بأدنى المعايير في المسارات التفاوضية مع السعودية، وبالتالي فإن أي مسار تفاوضي سعودي مع إيران لن يغفل مسألة معالجة “بؤر الإرهاب الإيرانية في المنطقة العربية مجتمعة، ومنها سوريا”.
وعقب سيطرة النظام السوري على مساحات واسعة من الجغرافيا السورية بدعم من روسيا وإيران عام 2018، بدأت عمليات التطبيع معه من قبل دول عربية، كانت أولاها الإمارات، إلى جانب لقاءات لوزير خارجية النظام مع نظراء له خارج الحدود السورية.
وسبق أن تحدثت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام عما أسمته “خطوات إيجابية حضرت بين دمشق والرياض” خلال الأشهر الماضية، ذكرت منها زيارة مدير إدارة المخابرات السورية العامة، حسام لوقا، إلى العاصمة السعودية، ورفع العلم السوري في شوارع الرياض خلال القمة العربية- الصينية.
خطاب تدريجي
منذ مطلع العام الحالي، شهد الخطاب السعودي تجاه النظام السوري تغيرًا واضحًا، برزت ملامحه بشكل أكبر منذ حدوث الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا.
أحدث التصريحات السعودية التي حملت ملامح التبدل كانت في 18 من شباط الماضي، عندما قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، خلال جلسة حوارية، إن “هناك إجماعًا عربيًا على أن الوضع الراهن في سوريا لا يجب أن يستمر”.
ومنذ كانون الثاني الماضي، عاد الحديث عن تقارب سعودي- سوري، بالاعتماد على عدة مؤشرات منها رسمية وأخرى مصادرها “غير مصرح عنها”.
هذا التحول سبقه، في كانون الأول 2021، حديث المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، عن أن الحرب لم تنتهِ في سوريا التي شهدت سقوط 2000 قتيل خلال العام نفسه، محذرًا، “لا تصدقوا إذا قالوا إن الحرب انتهت في سوريا”.
وأضاف أن تقارير الأمم المتحدة أظهرت أن النظام مسؤول عن انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، منتقدًا “أولئك الذين أذنوا لموجات المتطرفين، وعرّضوا التاريخين الإسلامي والعربي للخطر”، حسب تعبيره.
ومنذ بداية الثورة السورية عام 2011، اتخذت السعودية موقفًا واضحًا من النظام السوري يتوافق مع موقف دولي وعربي حينها، إذ قطعت العلاقات وأغلقت السفارة السورية، كما دعمت وما زالت تدعم تيارات من المعارضة السورية حتى اليوم.