تباين بعشرة أضعاف في تقديرات الأضرار بين الأسد والبنك الدولي..
عين النظام على أموال المانحين في كارثة الزلزال
عنب بلدي – محمد فنصة
عكس الفارق بين تقديرات البنك الدولي للخسائر المادية الخاصة بكارثة الزلزال، ونظيرتها الصادرة من رئيس النظام السوري، بشار الأسد، والمقدّرة بعشرة أضعاف الأولى، مطامع النظام في الأموال التي قد تقدم عبر الأمم المتحدة لإغاثة منكوبي الزلزال وإعادة تأهيل أبنيتهم المتهدمة.
وقدّر البنك الدولي الخسائر المادية للزلزال الذي ضرب أربع محافظات سورية، في 6 من شباط الماضي، بنحو 5.1 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 4% من الناتج المحلي الإجمالي في سوريا.
وأوضح البنك في تقرير أولي، صدر في 3 من آذار الحالي، أن الزلزال ضرب أربع محافظات سورية، حيث يعيش نحو عشرة ملايين شخص من سكان سوريا، وبلغ إجمالي تقديرات الأضرار المباشرة باستخدام تكاليف استبدال ما أضر به الزلزال بين 2.7 و 7.9 مليار دولار أمريكي.
وجاء تقرير البنك لتقدير “الأضرار اللاحقة للكوارث”، كتقييم واسع للأضرار المادية المباشرة في سوريا وتوزيعها المكاني، وفق منهجية مكتبية عن بعد، تجمع بين نموذج أضرار الزلزال، ونموذج المخاطر الثانوية والفيضانات، وتقييم المخزون الرأسمالي للأصول والقطاعات المختلفة.
من جهته، قال الأسد في تصريحات أدلى بها لقناة “روسيا اليوم”، في 16 من آذار الحالي، إن الخسائر المادية التي تسبب بها الزلزال تفوق الـ50 مليار دولار، مشيرًا إلى أن إجراءات التقييم “لم تنتهِ بعد”.
وأعطى الأسد أيضًا تقديرات للخسائر المادية لـ”الحرب في سوريا”، حسب وصفه، بما يفوق 400 مليار دولار، معتبرًا أنه رقم تقريبي، وقد يكون “أكبر”، نظرًا إلى أن مناطق شمال غربي وشرقي سوريا خارجة عن نفوذ النظام، وغير مشمولة بالإحصائية.
“مظلة لجذب الدعم”
في 17 من آذار الحالي، قدّر البنك الدولي في تقرير مفصل له الأضرار المادية الناجمة عن الزلزال في سوريا بنحو 3.7 مليار دولار، بينما تقدّر الخسائر بنحو 1.5 مليار دولار، ليصل إجمالي الأثر المقدّر إلى 5.2 مليار دولار.
وأوضح التقرير أن الخسائر التي تسبب بها الزلزال تشمل انخفاض الإنتاج في القطاعات الإنتاجية، وخسارة الإيرادات، وارتفاع تكاليف التشغيل في تقديم الخدمات.
واعتبر التقرير أن الإسكان هو القطاع الأكثر تضررًا (24% من إجمالي الأضرار)، يليه النقل وقطاع البيئة المتعلق بالتكلفة المصاحبة لإزالة الأنقاض، ثم قطاع الزراعة.
ووفق التقرير، تقدّر احتياجات التعافي وإعادة الإعمار في المحافظات المتضررة بمبلغ 7.9 مليار دولار أمريكي، إذ تبلغ احتياجات السنة الأولى بعد الزلزال نحو 3.7 مليار دولار أمريكي، و4.2 مليار دولار أمريكي في العامين التاليين.
الباحث الاقتصادي زكي محشي قال لعنب بلدي، إن تقديرات البنك الدولي مبنية على منهجية تركز على الخسائر المادية (الفيزيائية) فقط، وإن هامش الخطأ “واسع”، ويرى استنادًا إلى ذلك، أن قيمة الأضرار المباشرة وغير المباشرة تفوق هذه التقديرات.
ومن الأضرار غير المباشرة، التأثير السلبي على الناتج المحلي الإجمالي، وفرص العمل وخسارة رأس المال لأصحاب المشاريع، وأضرار البنية التحتية.
على الصعيد الآخر، يعتقد الباحث الاقتصادي أن تقديرات الأسد (50 مليار دولار) “مبالغ” بها، وناتجة عن عدم وجود تقييم علمي كامل للمناطق المتضررة، بسبب وقوع بعضها خارج مناطق نفوذه.
ويتبع النظام سياسة “الخلط المقصود” بين أضرار الزلزال، وبين ما دمرته الأعمال الحربية، خصوصًا في مدينة حلب، بحسب الباحث زكي محشي، الذي عزا هذه السياسة لتكون “مظلة جذب أموال” من المحيط العربي، في ظل حركة التطبيع التي تشهدها المنطقة مع النظام.
مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية” والدكتور في الاقتصاد، كرم شعّار، قال لعنب بلدي، إن الادعاء أن تكلفة أضرار الزلزال في سوريا تصل إلى 50 مليار دولار، هو رقم لا يمكن تصديقه.
واستند شعّار إلى أن تقرير البنك الدولي الأولي، بما يخص أضرار الزلزال في تركيا، يقدّر حجم الأضرار فيها بـ34 مليار دولار، وفي سوريا بـ5.1 مليار، بينما تقديرات الأسد (50 مليار دولار) أكبر من الرقمين مجتمعين، على الرغم من أن الأضرار في منطقة نفوذ النظام أقل بثلاثة أضعاف من شمال غربي سوريا، وبشكل أقل بكثير من أضرار تركيا.
ووصف شعّار ادعاء الأسد بأنه “محاولة استجداء” للدعم الاقتصادي عن طريق المبالغة بحجم الضرر.
وأشار إلى عدم إمكانية إجراء تقييم شامل فعلي في سوريا من قبل أي مؤسسة، لعدم إحصاء عدد الأبنية المتضررة وتكلفة إعادة إعمارها، والأضرار غير المباشرة عن الفرص الضائعة للمؤسسات الربحية حتى الآن.
واتبع البنك الدولي في تقييمه للأضرار والخسائر والاحتياجات منهجية صممها بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وهي خاصة في سياق ما بعد الكوارث والصراعات لبلورة خطط التعافي وإعادة الإعمار.
واعتمد التقييم على رصد مصادر البيانات عن بعد، وصور الأقمار الصناعية، وتحليلات مواقع التواصل الاجتماعي، واستخدامات الهواتف المحمولة، وبيانات الأضواء الليلية، والمعلومات المتوفرة للعموم، وبيانات المنظمات الشريكة، بحسب موقع البنك الدولي.
لا رؤية للتعويض
بعد مرور 24 يومًا على الزلزال، طرحت “اللجنة العليا للإغاثة” في حكومة النظام السوري الأضرار التي لحقت بالمحافظات السورية، وذكرت أن عدد الأسر المتضررة بلغ 91 ألفًا و794 أسرة، بعدد أفراد بلغ 414 ألفًا و304 أشخاص.
وبحسب اللجنة، فإن عدد الأبنية غير الصالحة للاستخدام 4444 مبنى، وبلغ عدد الأبنية التي تحتاج إلى تدعيم 29 ألفًا، وعدد المباني الآمنة التي تحتاج إلى صيانة 30 ألفًا، بينما هُدم 292 مبنى كان معرضًا للسقوط.
أمّنت حكومة النظام نحو 250 مركز إيواء في المحافظات المتضررة، خلال الأيام الأولى بعد الزلزال، ثم أُفرغت بعض المراكز للحاجة التشغيلية إليها، ليتبقى 139 مركزًا حتى منتصف الشهر الحالي.
وفي 20 من شباط الماضي، أعلن وزير الإسكان، سهيل عبد اللطيف، عن تكليف الشركات الإنشائية بتأمين 300 وحدة سكنية مسبقة الصنع للمتضررين كخطوة أولية، دون توضيح ما يمكن لهذه الوحدات استيعابه من المتضررين.
وفي 15 من آذار الحالي، رفع عبد اللطيف من عدد هذه الوحدات السكنية قائلًا، إن الوزارة تعمل على تنفيذ 440 وحدة سكنية في حلب، و300 وحدة سكنية في اللاذقية، و60 وحدة سكنية في جبلة، دون ذكر ما أنجز إلى حينه.
ولم تذكر حكومة النظام، حتى تاريخ كتابة التقرير، أي خطط لإعادة إعمار المباني المتضررة أو المدمرة جرّاء الزلزال، كتعويض لأصحابها على غرار الدولة المجاورة التي تعرضت أيضًا للزلزال، لكن صدر مرسوم رئاسي، في 12 من آذار الحالي، بمنح قرض للمتضررين من أجل ترميم بيوتهم وإعادة إعمارها.
ونص المرسوم الرئاسي على منح المتضررين من الزلزال “فرصة” الاقتراض من المصارف العامة ما يصل إلى 200 مليون ليرة، تسدد على مدى عشر سنوات، ويبدأ استحقاق التسديد بعد ثلاث سنوات من تاريخ منح القرض.
الباحث الاقتصادي زكي محشي، أوضح أنه ليس لدى حكومة النظام أي رؤية أو نية لإعادة إعمار منازل المتضررين، لعدم وجود أي “ملاءة مالية” لهذه العملية.
وتتطلب إعادة الإعمار، وفق الباحث، وجود رؤية تنموية واضحة للمناطق المتضررة، ورأس مال بشري، وخطة متكاملة تتضمن الأبعاد السياسية والاجتماعية، وهو ما ليس موجودًا لدى النظام.
ويرى أن هذه الحزم الداعمة للمتضررين من وحدات سكنية أو مراسيم، يتخذها النظام لتهدئة الشارع فقط.
وتعهد المانحون الدوليون ضمن مؤتمر “المانحين” المخصص لدعم المتضررين من الزلزال المدمر في سوريا وتركيا، في 20 من آذار الحالي، بتقديم 950 مليون يورو لسوريا على شكل منح غير مخصصة لإعادة الإعمار، ولكن للمساعدة في تلبية الاحتياجات الإنسانية ودعم التعافي المبكر.
وتقتضي سياسة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عدم تقديم تمويل أو دعم لإعادة إعمار المناطق الخاضعة لنفوذ النظام، حتى البدء بإجراءات فعلية لا رجعة فيها نحو الانتقال السياسي للحكم وفق القرار الأممي “2254”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :