أُقيمت صباح اليوم، الثلاثاء 21 من آذار، في مدينة أطمة بريف إدلب الشمالي، صلاة الجنازة على ثلاثة مدنيين من الكرد قُتلوا في مدينة جنديرس بريف حلب الشمالي، بعد مشادة كلامية خلال الاحتفال بعيد “نوروز” في المنطقة.
وتشهد مدينة جنديرس بريف حلب الشمالي توترات أمنية وحالة غضب عامة، وسط دعوات للتظاهر على خلفية الجريمة التي أدت إلى مقتل ثلاثة مدنيين وإصابة اثنين آخرين.
ولقيت الحادثة استنكارًا واسعًا وإدانة من جهات محلية، ترافقت مع وعود بمحاسبة الفاعلين وتحويلهم للقضاء، منذ وقوعها مساء الاثنين 20 من آذار.
ما القصة
بدأت الحادثة عندما اعترض شخصان على إشعال النيران بالقرب من المخيمات التي أُنشئت حديثًا لمتضرري الزلزال الذي ضرب المنطقة، وتطور الأمر لإطلاق النار على المدنيين، ما تسبب بقتل ثلاثة أشخاص وإصابة اثنين من عائلة واحدة.
شهود محليون ذكروا لعنب بلدي، أن إطلاق النار جاء بعد مشادة كلامية بين عناصر من “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، وأفراد العائلة على خلفية إيقادهم النار احتفالًا بعيد “نوروز” أمام منزلهم، فاعترضهم العناصر، وأطلقوا عليهم النار بعد رفضهم إطفاءها.
وشهدت مدينة جنديرس استنفارًا لعناصر “الشرطة العسكرية” و”المدنية”، وخرج عشرات الأشخاص في مظاهرة استنكارًا لقتل الأشخاص، وعدم احترام طقوس المكوّن الكردي الذي يعيش في المنطقة منذ مئات السنين.
ونعت صفحات محلية أربعة أشخاص من عائلة بشمرك، هم فرحان الدين ومحمد ومحمد فرحان ونظمي، وتبيّن لاحقًا أن أحد الأشخاص لا يزال على قيد الحياة.
ويحتفل الكرد في سوريا كما في كل أنحاء العالم بعيد “نوروز” الذي يوافق 20 من آذار من كل عام.
ويوقد الناس مشعل “نوروز” احتفالًا بقدوم العيد الذي يترافق مع خروج المحتفلين من العائلات والأصدقاء إلى الأماكن الطبيعية، يرافق الطقوس الرقص الفلكلوري الكردي، وقراءة الشعر والغناء.
“الجولاني” يتوعد
توجه عشرات الأشخاص من ذوي الضحايا بسياراتهم من جنديرس إلى أطمة، وطالبوا بانسحاب جميع الفصائل من المدينة وتسليم المسؤولين عن الجريمة.
وعبر تسجيل مصوّر، ظهر قائد “هيئة تحرير الشام” صاحبة النفوذ العسكري في إدلب، “أبو محمد الجولاني”، في مدينة أطمة مع أهالي الضحايا، قائلًا، “هذا آخر يوم تتعرضون فيه لاعتداء، أنتم بحمايتنا”.
واجتمع ذوو الضحايا مع “الجولاني” وقياديين من “تحرير الشام”، أمثال “أبو ماريا القحطاني” و”أبو أحمد زكور”، الذين وعدوا بالقبض على الفاعلين ومحاسبتهم.
اتهامات ونفي
وبحسب شهادات محلية، فإن أفرادًا من كتيبة تسمى “الأخشام” تابعة لـ”جيش الشرقية”، أطلقوا النار على أفراد العائلة، تبعه نفي من جهات عسكرية بتبعية الأفراد لـ”أحرار الشرقية”.
قائد “أحرار الشرقية”، أحمد إحسان فياض الهايس، المعروف باسم “أبو حاتم شقرا“، نفى عبر “تويتر” تبعية العناصر الذين أقدموا على قتل المدنيين في جنديرس لـ”أحرار الشرقية”، ونفى وجود أي مقر للفصيل في المدينة، مضيفًا أنه يدين هذا التصرف، مطالبًا بتقديم الفاعلين إلى القضاء لينالوا جزاءهم.
بدورها، نفت “حركة التحرير والبناء” التابعة لـ”الجيش الوطني” عبر بيان، أن يكون الشخص القاتل تابعًا للفصيل، وذكرت أن اللبس الذي حصل جاء بسبب كون المعتدين من أبناء المنطقة الشرقية.
وقالت “الحركة”، إنها ترفض عملية القتل، لافتة إلى أن الحادثة لا تمثّل أبناء المنطقة الشرقية الذين تربطهم علاقة “أخوة ومحبة” مع أهالي المنطقة.
وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة” المظلة السياسية لـ”الجيش الوطني”، أصدرت بيانًا قالت فيه، إن المشاجرة نشبت بين أفراد العائلة ورجل مدني وآخر عسكري، وتعهدت بأن “الشرطة العسكرية” ستلاحق الضالعين في إطلاق الرصاص على المدنيين الكرد.
وجاء في البيان أن الوزارة ستعمل على تقديم الجناة إلى القضاء في أسرع وقت، وستكشف تباعًا عن ملابسات الحادثة للرأي العام.
“الجولاني”.. “ضامن” في ريف حلب
اتهامات حملتها صفحات محلية، بأن قياديًا من “حركة التحرير والبناء” هو من يقف خلف عملية القتل.
نائب رئيس “الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة”، عبد الحكيم بشار، قال عبر “فيس بوك“، إن مجموعة مسلحة يقودها حسن الضبع، وهو قيادي في “حركة التحرير والبناء”، هاجمت واعتدت على المحتفلين.
وأوضح أن “الاستهتار” بحياة الناس وحقوقهم وحرياتهم وممتلكاتهم، على يد مجموعات مسلحة تعلن انتماءها للثورة السورية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، بات واسع الانتشار.
ولفت إلى أن الأمر الذي يؤسف له أن ذلك يدفع سكان المنطقة من الكرد بقبول حكم أي جهة تضمن لهم الأمن والاستقرار، بمن فيها حكم “أبو محمد الجولاني” المدرج على لوائح “الإرهاب”، والذي قدم نفسه “كضامن لحياة الناس وممتلكاتهم وأمنهم”.
وطلب بشار من الجهات التي تحكم عفرين الكف عن حديث المؤامرات الذي هو جزء من منطق النظام وأسلوبه ونمط تفكيره، داعيًا إلى ضمان أمن الناس وحمايتهم وحماية ممتلكاتهم، وضمان حرية الرأي والتعبير، وإخراج المسلحين والسلاح من المدن.
وطالب نائب رئيس “الائتلاف” بتوفير قضاء عادل، وحوكمة رشيدة وعادلة تسهر على أمن الناس وتوفير الخدمات لهم.
من جهته، القيادي حسن الضبع (أبو حمزة) ظهر في تسجيل مصوّر، نفى فيه صلته بمنفذي عملية قتل الأشخاص في جنديرس، ودعا إلى محاسبة الضالعين وتقديمهم إلى القضاء.
“تحرير الشام” في دائرة الاتهام أيضًا
تترافق أي حادثة بتراشق اتهامات بين معرفات تتبع لـ”هيئة تحرير الشام”، وأخرى مماثلة لـ”الجيش الوطني السوري”، تتمحور حول “حالة الفصائلية وغياب المحاسبة والاستقرار” في مناطق سيطرة “الوطني” بريفي حلب، و”الرغبة بالسيطرة على ريف حلب” من قبل “تحرير الشام”.
ونشرت هذه المعرفات صورة لمؤتمر أجراه “الجولاني”، صباح الاثنين 20 من آذار، كان القيادي حسن الضبع أحد الحاضرين فيه، لتتوجه أصابع الاتهام إلى “تحرير الشام” بتدبير العملية.
وسبقت الحادثة نيات سابقة لـ”تحرير الشام” بالدخول إلى المنطقة، سواء للاستجابة لمتضرري الزلزال أو إرسالها أرتالًا عسكرية بذريعة “حقن الدماء”.
وفي 11 من تشرين الأول 2022، حشدت “تحرير الشام” أرتالها العسكرية بالقرب من معبري “دير بلوط” و”الغزاوية”، الفاصلين بينها وبين “الجيش الوطني”، لتدخل بهذه القوات مساندة لـ”فرقة الحمزة” (الحمزات) التي تؤازرها “فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات) ضد “الفيلق الثالث”.
وتبع حادثة مقتل ثلاثة مدنيين إدانات واسعة، منها بيان “المجلس الإسلامي السوري” الذي طالب بمحاسبة القتلة وإنهاء حالة الظلم.
وكذلك “المجلس الوطني الكردي” الذي طالب بإخراج الفصائل المسلحة من المدن والبلدات والمناطق الآهلة في عفرين ومناطقها، وناشد المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بإدانة هذه المجزرة وتصنيف هذا الفصيل “إرهابيًا”، ومحاسبة الفاعلين.
–