عيّنت الأمم المتحدة الاقتصادي السوري عبد الله الدردري في منصب الأمين العام المساعد للأمين العام للأمم المتحدة، ومديرًا للمكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وهو المتنقل بين المراكز الأممية منذ عام 1994، تخللها تعيينه في مناصب حكومية خلال حكم رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
وفي 14 من آذار الحالي، جاء قرار التعيين من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي كشف عن اختيار عبد الله الدردري الأمين العام المساعد التالي، ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
ويخلف الدردري الجزائرية خالدة بوزار، التي تقاعدت عن العمل مع الأمم المتحدة بعد مسيرة حافلة امتدت لأكثر من ثلاثة عقود في مختلف وكالاتها.
ويعد المكتب الإقليمي للدول العربية في مدينة نيويورك الأمريكية المقر الرئيس للبرامج الإقليمية والمكاتب القطرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الموزعة على 16 بلدًا عربيًا، بينما يوجد المكتب الـ17 في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويهدف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى تعزيز التنمية المستدامة، والحكم الديمقراطي وبناء السلام، وبناء القدرة على مواجهة المناخ والكوارث، وتمكين المرأة، ومجتمعات المعرفة، وحماية الطاقة والبيئة، وتنمية مواهب الشباب والابتكار.
متعهد التغيير الاقتصادي
يعد الاقتصاد السوري تحت حكم الرئيس السابق للنظام السوري، حافظ الأسد، من الاقتصادات الاشتراكية، الذي تديره السلطة بشكل أساسي.
ويصنف البنك الدولي الاقتصاد السوري على أنه ذو أدنى مستوى دخل متوسط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
بدأت في عهد رئيس النظام الحالي، بشار الأسد، خصخصة بعض القطاعات الاقتصادية لنقل الاقتصاد إلى “اقتصاد السوق الاجتماعي” الذي يراد به اقتصاد السوق الحر، وكان للدردري الدور البارز بقيادة هذه المرحلة.
لم يكن اختيار الدردري لهذه المرحلة وليد المصادفة، بل رُسمت خطواته الدراسية ومركزه العائلي والسياسي ضمن أروقة النظام، ما جعله مؤهلًا علميًا وعلى مستوى العلاقات لنيل منصب أول نائب اقتصادي لرئيس الوزراء السوري من خارج “الجبهة الوطنية التقدمية” التي يشكّل أعضاء حزب “البعث” أغلبيتها، وصاحب ملف تعديل الاقتصاد السوري.
ينتمي عبد الله الدردري إلى أسرة دمشقية متدينة معتدلة، من مواليد عام 1964، والده اللواء عبد الرزاق الدردري، الذي شارك بحرب “تشرين”، وأحد مستشاري حافظ الأسد، وكان زميل باسل الأسد في مدرسة “اللاييك”، وفق موقع “اقتصاد“.
أُرسل والده عبد الرزاق لاحقًا للعمل في جامعة الدول العربية، بين تونس ومصر، وهو ما أتاح لعبد الله الابن الاحتكاك في فترة مبكرة من عمره بقادة الدول العربية والأجنبية.
بالنسبة لمؤهلاته العلمية، حصل الدردري على شهادة في العلوم الاقتصادية من جامعة “ريتشموند” الأمريكية في لندن، وعلى ماجستير بالعلاقات الدولية من البرنامج البريطاني لجامعة “جنوب كاليفورنيا” في أمريكا، ويحمل دكتوراه متعددة التخصصات في “إعادة الإعمار بعد الصراع” من جامعة “إيواف دي فينيسيا” في إيطاليا.
كما درس العلاقات الدولية في كلية “لندن للاقتصاد” بالمملكة المتحدة، وحاصل على دبلوم جامعي باللغة الفرنسية المتخصصة بالاقتصاد من جامعة “غرونوبل” الفرنسية، وفق موقع الأمم المتحدة.
بدأ حياته المهنية كباحث اقتصادي في مكتب جامعة الدول العربية بلندن بين عامي 1986 و1988، وعمل محررًا للشؤون الدولية في صحيفة “الحياة” بلندن عامي 1988 و1989، ثم عاد إلى دمشق حيث عمل مديرًا لمكتب صحيفة “الحياة” بين 1989 و1993.
وعيّن في أول منصب أممي له كمسؤول البرامج في المكتب القطري لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سوريا بين عامي 1994 و1997، ثم مستشار لدى مركز الأعمال السوري الأوروبي عامي 1996 و1997، ثم عمل رئيسًا لقسم ترويج التجارة العربية في صندوق النقد العربي من عام 1997 حتى 2001.
وبين عامي 2001 و2003، عمل معاونًا للممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سوريا، ثم عُيّن رئيسًا لهيئة تخطيط الدولة في سوريا بين عامي 2003 و2005، حين صدر مرسوم رئاسي بتعيينه نائبًا لرئيس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية.
وخلال فترة شغله المنصب الحكومي، أجرى الدردري عدة تغييرات هيكلية في اقتصاد النظام السوري، كان للعديد منها أثر سلبي على حياة محدودي الدخل، إذ فتح الاستيراد لكل التجار ولمختلف أنواع البضائع، وهو ما انعكس سلبًا على المصانع المحلية، وأدى إلى إفلاسها وخروجها من السوق لعدم قدرتها على منافسة المنتجات الخارجية مثل الصينية.
ورفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية، ليرتفع سعر ليتر المازوت من تسع إلى 16 ليرة سورية عام 2006، وإلى 25 ليرة عام 2008، ليشهد السوق ارتفاعًا في أسعار معظم المواد.
وفي عهده، رُفعت أسعار فواتير الكهرباء والماء، وعُدلت العديد من القوانين حتى تتواءم مع قوانين منظمة التجارة العالمية، مثل خفض الضرائب على المستوردات، وتعديل قوانين الاستثمار الأجنبي، وإنشاء بورصة للأوراق المالية، وفتح العديد من البنوك الأجنبية وشركات التأمين الخاصة.
روايات متضاربة
بعد شهر على بداية الثورة السورية عام 2011، عُزل الدردري من منصبه، لكنه سرعان ما عاد للعمل مع الأمم المتحدة في ذات العام، في منصب رئيس الخبراء الاقتصاديين في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا)، وفي عام 2014، رُقي ليصبح نائب الأمين التنفيذي في ذات اللجنة.
وفي عام 2017، عمل الدردري مع البنك الدولي لمدة ست سنوات في منصب كبير مستشاري إعادة الإعمار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ليعود للعمل مع الأمم المتحدة عام 2019، بصفته الممثل المقيم في أفغانستان لمكتب الأمم المتحدة الإنمائي.
خلال سنوات الثورة السورية والأحداث التي مرت بها، ظهرت عدة روايات حول علاقة الدردري بالمرحلة السياسية التي تمر بها البلاد، في حين أن تصريحاته النادرة حول سوريا كانت في اتجاه طريقة معالجة الجانب الاقتصادي بعد التوصل إلى حل في الملف السوري، دون تطرقه إلى الجهة الحاكمة.
في عام 2013، وخلال مقابلته مع وكالة “أسوشيتد برس”، تحدث الدردري عن خطته المعروفة باسم “الأجندة الوطنية لمستقبل سوريا”، التي تخص إعادة إعمار البلاد، على افتراض أن الحل في سوريا سيتم بحلول عام 2015، وأنها ستبقى موحدة إقليميًا مع حكومة مركزية مقرها دمشق، بغض النظر عمن ينتهي به الأمر إلى الحكم.
وبسبب غموض موقف الدردري من الحالة السياسية في سوريا، ظهرت عبر المواقع الإعلامية المتعددة روايات تشير تارة إلى ميول رجل الاقتصاد المحنك إلى النظام السوري، وتارة باتجاه المعارضة.
وتوقع المحلل الاقتصادي يونس الكريم لموقع راديو “روزنة” قرب احتمالية منح البنك الدولي “قرضًا ضخمًا” للنظام السوري، بحجة إعادة الإعمار في سوريا، عن طريق استغلال الدردري منصبه حينها في البنك الدولي كأحد مستشاريه لإعادة الإعمار في الشرق الأوسط.
على الطرف النقيض، أثار موقع “أساس ميديا” اللبناني، عام 2020، التكهنات بعد طرحه تقريرًا حول “تسوية دولية” محتملة في سوريا يكون فيها الدردري أو معاذ الخطيب، الرئيس السابق لـ”الائتلاف الوطني”، رئيسًا لسوريا، والآخر نائبه ضمن هذه “التسوية”.
وحتى بعد تعيينه في المنصب الأحدث كنائب للأمين العام للأمم المتحدة ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، قال موقع “أورينت نيوز” نقلًا عن ربا حجازي، العاملة السابقة مع “الأمانة السورية للتنمية” التي تديرها أسماء الأسد، بحسب توصيف الموقع، إن تنصيب الدردري جاء بطلب من الأسد خلال لقائه مع وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث.
–