صفوان قسام
عند التعرض للصدمة أو لحالات الفقد والخسارة، يشيع أن تترافق بأعراض نفسية تعتبر رد فعل طبيعيًا على حدث غير طبيعي، ويظهر هنا السؤال: إلى متى تبقى ردود الفعل هذه طبيعية؟
الجواب بالعموم، شهر، بعدها لا بد لنا من استشارة اختصاصي أو طبيب نفسي.
ميّزنا في مقالات سابقة الحالات التي تحتاج إلى مراجعة الطبيب والاختصاصي فورًا، لكن بعد مرور أكثر من شهر ونصف على كارثة الزلزال، إن كانت لا تزال هناك أعراض متعلقة بالصدمة التي تعرضتم لها، أو لحالات الفقد والخسارة، فمن الأفضل مراجعة اختصاصيين نفسيين فيها.
من هذه الأعراض: الخوف أو الانزعاج المفاجئ الشديد، مع خفقان في القلب أو قوة وسرعة في النبض، التعرق، ضيق في النفس، الألم أو الانزعاج في الصدر، الغثيان أو التلبك أو الألم في البطن، الدوار، الإغماء، الشعور بالحرارة في الجسم، الإحساس بالوخز في الأطراف، التشوش في الحواس، الإحساس بالابتعاد عن الواقع أو الانفصال عن الجسد والمحيط، الخوف من الجنون أو الموت.
إن شعرتم سابقًا أو مؤخرًا بأربعة أو أكثر من هذه الأعراض، ولا تزال تنتابكم، فعليكم مراجعة اختصاصي نفسي. إن هذه الحالة ليست خطيرة وهي قابلة للشفاء تمامًا، ولا تعتبر مرضًا نفسيًا.
بعض الأشخاص الذين تعرضوا أو شاهدوا أحداثًا صادمة، بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال الاستماع أو المشاهدة، أو بصورة تدريجية كالعاملين في جمع الأشلاء أو الإنقاذ مثلًا، يعانون بعد انقضاء شهر على الصدمة بعض هذه الأعراض أو معظمها وربما كلها.
وتكون المعاناة لدى البالغين عادة مثل: عودة الذكريات المؤلمة المتعلقة بالحدث أو الأحداث الصادمة، بشكل خارج عن الإرادة ومتكرر، أحيانًا مشاهدة الحدث وكأنه يحدث الآن، أحلام مؤلمة ومزعجة متعلقة بالصدمة، الانزعاج عند التعرض لأي شيء يرتبط بالحدث، تجنب أو محاولة تجنب كل ما يذكّر بالصدمة سواء بالأفكار والمشاعر أو بالعوامل الخارجية، كالمنزل أو الشارع أو الغرفة أو الملابس، عدم القدرة على الشعور بشكل إيجابي، تشوه الإحساس بالواقع، كأن يشعر الشخص بأن الزمن يمر بشكل بطيء أو أنه يشاهد المكان من خارج جسده، عدم القدرة على تذكر أحداث مهمة متعلقة بالصدمة أو الاقتناع بأن الحدث سار بطريقة غير التي سار عليها، نوبات الغضب والتوتر، السلوك المتهور، اليقظة المبالغ بها، رد فعل مبالغ به عند التعرض لمنبه مفاجئ، ومشكلات في التركيز والنوم، مع التأثير بشكل سلبي على الحياة الاجتماعية والمهنية. وعند وجود بعض هذه الأعراض أو كلها، يتحتم مراجعة الاختصاصيين النفسيين، علمًا أن هذه الأعراض قد تظهر بصورة مفاجئة بعد أشهر من التعرض للصدمة أو سنوات أحيانًا.
ويمكن أن نشاهد عند الأطفال ردود فعل مشابهة فيما يتعلق بالغضب وكثرة الحركة والعدوانية، وتجنب أو محاولة تجنب الأماكن والأفكار والأشياء التي تذكرهم بالحدث، مع ملاحظة أعراض جسدية عند التعرض لما يذكرهم به، أيضًا قد نجد أن لديهم أحلامًا مزعجة وتكرارًا للعب الذي يتمحور حول الحدث الصادم. يمكن أن نجد عندهم اضطرابًا بالنوم وبالتركيز وبعلاقاتهم الاجتماعية ومع زملائهم في المدرسة، وقد نجد أيضًا أن هناك أعراضًا أخرى، كسلس البول أو العودة إلى تصرفاتهم عندما كانوا في سن صغيرة، كالحبو أو مص الإصبع، وهذه الأعراض أيضًا تحتاج إلى مراجعة الاختصاصيين النفسيين.
أيضًا يجب استشارة الاختصاصي إذا استمر المزاج المنخفض معظم اليوم، أكثر أيام الأسبوع، مع وجود بعض من الأعراض التالية: ضعف أو زيادة في الشهية، ضعف أو زيادة في النوم، انخفاض في الطاقة أو التعب دون وجود مجهود، تدني شعور المرء بقيمته الشخصية، ضعف في التركيز والتذكر أو صعوبة في اتخاذ القرارات، مشاعر اليأس أو فقد الأمل أو الذنب وانعدام قيمة الأشياء حتى تلك التي كان يهتم بها، والانسحاب والعزلة الاجتماعية، التأثر السلبي على الصعيد المهني، زيادة في تناول السجائر، أو اللجوء إلى المواد المسكرة والمهلوسة، الرغبة في إيذاء الذات أو الآخرين، وهذه الأعراض وخصوصًا الأخيرة منها تستوجب حتمًا مراجعة الطبيب النفسي، وعدم ترك من يعانيها وحده.
يمكن للحداد الممتد لدى من فقد عزيزًا عليه أن يأخذ أعراضًا مشابهة لهذه الأعراض، وهنا يجب أن نلاحظ موضوع الأفكار لدى الفاقد، هل تتمحور حول الفقيد؟ إن كانت كذلك فهي حداد ممتد، وإن كانت لا، فيجب استشارة اختصاصي، وينبغي مراجعة المادة السابقة في جريدة عنب بلدي التي تناولت موضوع الفقد والخسارة والتعامل معهما.
ونذكر أن بقاء الفرد في ظل التوتر والتخوف الدائمين من الخطر، والتوجس المستمر، سيصيبه بعد فترة بحالة من التأهب المزمن، التي سيكون لها انعكاساتها ومضاعفاتها النفسية التي تبقى حتى بعد زوال عوامل التوتر المعلومة، فالخوف الدائم من تكرار الهزات، والتخوف من وجود زلزال عظيم كالسابق، سيبقي الأعصاب مشدودة لفترة طويلة، إذ تعتاد البقاء على هذه الحالة حتى بعد زوال عوامل الخطر، وهنا ندخل في اضطرابات نفسية أخرى.
لذا من الواجب علينا تخفيف التوتر النفسي، من خلال بعض النصائح التي وردت في المقالات السابقة، كممارسة نشاط حركي لمدة نصف ساعة لخمسة أيام في الأسبوع، وتمارين الاسترخاء والتنفس، وممارسة أنشطة نحبها، وزيارة الأصدقاء والأقارب، والتحدث لأشخاص يجيدون الاستماع إلينا ونرتاح في التعبير لهم عن مشاعرنا ومخاوفنا، وغيرها من الأنشطة.
علينا دائمًا التفكير بأن هناك أمورًا تقع خارج قدرتنا على التحكم بها، وبالتالي فالقلق حيالها لن يقدم ولن يؤخر، وكذلك توجد أمور سيئة نتوقع حدوثها في المستقبل ولكنها قد لا تحدث، وليس من الحكمة أن نكون قلقين حيالها، لأننا لا نعلم بالضرورة هل ستحدث أم لا.