المحاور الصحفي والضيف.. المهنية والانفعال
علي عيد
يتسلح مقدم البرامج التلفزيونية، أو المحاور الصحفي في المرئي والمسموع والمكتوب، بأدوات مهنية لتأدية مهمته، باعتباره ليس جزءًا من المحتوى، وغير مطلوب منه حتى الانفعال مع المحتوى.
وإذا كان المحاور أو مقدم الأخبار أو البرامج جزءًا من العملية، فهو جزء لإنجاحها، لا للتأثير فيها، وعندما يستخدم كل طاقاته لاستنطاق الضيف فهو يسير على خط واضح اسمه الرسالة المطلوبة من الحوار أو اللقاء، أو حتى الدور المطلوب تأديته في هذا المكان، ويكفي إن كان يشارك في إعداد مادة الحوار أن يقرأ كثيرًا في شخصية الضيف واختصاصه وتاريخه ودوره، ومدى ملاءمته للإجابة عما هو مطلوب.
للوصول إلى كل ما سبق، تجري عملية تأهيل ذاتي، أو حتى من قبل المؤسسة، للمحاور الصحفي، فهو يشتغل على جوانب متعددة، تبدأ بالهندام وطريقة الجلوس، ونبرة الصوت ومخارج الحروف، ثم الانفعال والاستجابة، مرورًا بالقدرة على إدارة الدفة، وعدم الانسياق للضيف.
تتصاعد مسؤولية المحاور عندما يتعلق الأمر بالمحتوى، إذ عليه أن يحضّر جيدًا، بدءًا من وضع الفكرة وأهميتها للجمهور أو للرأي العام، مرورًا بتطورات القضية وتشعباتها، إلى هوية الناطقين أو المتحدثين أو الضيوف وأهليتهم وصلتهم بالموضوع.
يمرّن الصحفي أعصابه وردود فعله مع أنواع الضيوف، فهو يحاور أشخاصًا متعددي الطباع والأمزجة، بعضهم شديد الذكاء ويتمتع بحضور يطغى على الصحفي نفسه، وبعضهم الآخر حسّاس وعصبي ومتصلّب لا يقبل أن يقاطعه الصحفي، وبعضهم مشتت ويحاول تمرير أفكار بعينها، وبعضهم سليط وقد يتّهم الصحفي المحاور بعدم الفهم، أو عدم المعرفة والإلمام.
في جميع النماذج المذكورة سابقًا، لا يخرج المحاور الصحفي عن وقاره، ولا عن مهمته ودوره، ولا ينبغي أن ينفعل مهما كلّفه الأمر.
حصلت حوادث كثيرة تمكّن فيها ضيوف من استفزاز صحفيين كبار، وتسبب الانفعال بطرد الضيف كما حصل قبل سنوات على قناة “FOX” الأمريكية، عندما طرد المقدم ثروز تانتروم ناشطًا بيئيًا وصفه بأنه كاذب، بعد إبداء تانتروم رأيه بقضية تلوث المياه في أمريكا جراء “التكسير الهيدروليكي” للنفط بناء على تجربته الشخصية، وتسبب الطرد بموجة غضب تجاه الصحفي والقناة، وربما اعتقد كثيرون أن الصحفي مرتبط بتضارب مصالح مع شركات النفط، وأنه سيخرج من الاستوديو وبيده حقيبة دولارات.
وقد تقف سياسات الوسيلة الإعلامية أحيانًا خلف قرار إبعاد أحد الضيوف، كما حصل عام 2022 في قناة “ABC” الأسترالية، حيث طرد المذيع ستان غرانت ضيفًا روسيًا مؤيدًا للحرب، بحجة أنه “يروّج للعنف” الذي ترتكبه روسيا في أوكرانيا، لكن الاستبعاد رافقه اعتذار وتبرير واضح من قبل الصحفي.
على الرغم من وجود حالات طرد، فإنها يجب أن تبقى خارج حسابات المحاور الصحفي، فالوسيلة الإعلامية ليست ملكًا للصحفي، ومقابل كل وجهة نظر يطرحها الضيف هناك جمهور يعارضها أو يؤيدها، وليس مهمًا ما سيقوله الصحفي من رأي، بل الأهم أن يترك قناعاته وآراءه ومواقفه خارج الاستوديو.
حصل مؤخرًا أن طرد مقدم أحد البرامج في قناة “أورينت” السورية أحمد الريحاوي محللًا سياسيًا تركيًا، لأنه استنكر صيغة السؤال الذي وجهه الصحفي حيال قضية قتل “الجندرمة” التركية سوريين حاولوا عبور الحدود، وهو سؤال عادل وصحيح من قبل الصحفي.
الحادثة تسببت بإيقاف مؤقت للصحفي مع مدير القناة علاء فرحات، وهو إجراء لاقى استنكارًا وعالجه القضاء بإطلاق سراح الصحفيين، بعد شكوى قدمها الضيف الذي أبدى انفعالًا في منبر للحوار، وهو يعلم أن قبول أو رفض السؤال أمر ممكن بطريقة هادئة، لكن الضيف تعمد استفزاز الصحفي، واستطاع جرّه إلى موقف مماثل.
قياس أحقية قيام الصحفي بطرد ضيفه ليس متعلقًا باستجابة الجمهور أو رفضه، أو حجم المناصرة لعواقب الحادثة، بل على الصحفي دائمًا أن يضع بعين الاعتبار أن القصة التي يطرحها ليست قصته، وأن سؤاله مقتبس من جهات توثّق أو جمهور يرفض أو غيرها من الأسباب التي لا ترتبط بالقناة أو الصحفي شخصيًا.
كما أن على الصحفي ألا يفكر بالخروج منتصرًا من الحوار الصحفي أو المقابلة، إذ لا يتعلق الأمر بشخصيته، أو بما يعتقد، أو حتى بما يتعرض له من تنمّر أو استفزاز، وليس مطلوبًا منه مبادلة الضيف بعبارات قاسية أو جدل، فالجمهور ليس مضطرًا لهذا، ولا أحد يعرف الأثر الذي سينشأ عن هذا الجدل المتبادل بعد انتهاء المقابلة.
هناك اتفاق على أهمية احترام الضيف لمضيفه، واعتبار الصحفي ناقلًا ورسولًا غير معني إلا بتقديم محتوى يجيب عن أسئلة الجمهور، وهو الزبون الأهم في الإعلام، بل وينبغي أن يكون الزبون الوحيد في الإعلام المحايد.
مسألة أخرى قانونية أخلاقية تنشأ في الحالات التي تكون فيها البرامج مسجلة، إذ هل يحق للقناة أن تعيد عرض مشاهد قد تؤدي إلى اضطراب الجمهور أو التأثير العاطفي فيه، وهل يملك الضيف بعد المشاركة حق الاعتراض على البث أو النشر.
وهل يحق للصحفي عند الاحتكاك مع الضيف في برنامج مسجل، أن يهدده بنشر إساءاته.
قصة “أورينت” قد تصلح مثالًا لمناقشة فكرة الضيف المتنمّر والصحفي المحاور الذي يهدد بنشر التنمّر والإساءة.
ليس مبررًا نشر المعركة المسجلة لتحقيق مناصرة الجمهور، حتى لو خرج الضيف من استوديو التصوير نحو مركز الشرطة التي قامت بتوقيف الصحفي ومدير القناة.
نستطيع تفسير النشر بأن القناة تعمل على غير أرضها، وعدم ضمان إطلاق الصحفيين دون مناصرة، وهو أمر غير محسوم، لأن أحدًا لا يمكنه الطعن في نزاهة القضاء مسبقًا.
كما يعزز هذا التفسير القلق من أن البلاد تشهد سجالًا سياسيًا واجتماعيًا تشتد وتيرته، على مسافة زمنية قريبة من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ويعتبر السوريون على الأراضي التركية نقطة الصدام السياسي الأكثر حساسية فيها.
أما أن يكون هدف نشر المقابلة هو التشهير بالضيف أو إثارة انفعال الجمهور، فهذا خطأ قد يعرض الرسالة الإعلامية لخلط عاطفي، وقد يتسبب مثل هذا التصرف بتحفظ كبير لدى الضيوف، وإثارة مخاوفهم من عدم وجود ضمانات بشأن استجابة القناة لطلب أحدهم عدم بث مشاهد حسّاسة خارج إطار القضية التي يتم نقاشها، وقد يتسبب هذا بإثارة نزاع قانوني طالما أن الضيف رفض البث أو النشر مسبقًا.. وللحديث بقية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :