المساعدات مرهونة بموافقة النظام
ما مخاطر افتتاح مكاتب أممية شمالي سوريا
عنب بلدي – لجين مراد
تتجدد المطالب بفتح مكاتب للأمم المتحدة شمال غربي سوريا مع كل أزمة أو كارثة تطال المنطقة، فبعد أيام من وقوع الزلزال، وانعقاد لقاء بين وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، ورئيس النظام السوري، بشار الأسد، أخطرت الأمم المنظمات السورية العاملة في الشمال بوجود قرار لافتتاح مكاتب أممية دون إعلان رسمي.
وأثار القرار عديدًا من التساؤلات والمخاوف حول أسبابه، وتوقيته، وعلاقته بتأخر الاستجابة لكارثة الزلزال، إذ اعتمدت الأمم المتحدة خلال السنوات الماضية على مكاتبها في ولاية غازي عينتاب جنوبي تركيا لتنسيق عملها في الشمال السوري، خصوصًا بشأن المساعدات عبر الحدود، بحسب ما قاله عاملون في المنظمات لعنب بلدي.
تزامن ذلك مع استمرار الحديث حول تأخر الأمم المتحدة في الاستجابة لكارثة الزلزال، ما أرجعه عديد من العاملين في الشأن الإنساني إلى عدم وجود مكاتب وتمثيل أممي رسمي في الشمال السوري.
الأمم تتكتم
المدير التنفيذي لمنظمة “بوصلة” للتنمية والإبداع، حسان جنيدي، قال لعنب بلدي، إن الإخطار الأول للمنظمات السورية، جاء على لسان نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية، ديفيد كاردن.
تلا ذلك انعقاد اجتماع خاص حضره جنيدي، حول المبادئ العملياتية لوجود المكاتب، وطرحت خلاله منظمات عديدًا من الأسئلة حول الخطوات التي سبقت التوجه لافتتاح المكاتب، لكنّها لم تلقَ ردًا، وفق ما قاله جنيدي لعنب بلدي.
من جهته، انتقد الطبيب السوري والناشط في المجال الإنساني والعامل السابق في مجال المساعدات والمناصرة محمد كتوب، خلال حديث إلى عنب بلدي، سلوك الأمم المتحدة وتحفظها على الإجابة عن أسئلة المنظمات، لافتًا إلى أنها اكتفت بالإبلاغ، ولم تظهر نية للتشاور معهم والإجابة عن تساؤلاتهم.
عنب بلدي وجهت أسئلة لنائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان عزيز حق، عبر مراسلة إلكترونية حول تفاصيل خطة افتتاح مكاتب في الشمال السوري، وعلاقتها بمكتب الأمم المتحدة في دمشق، بالإضافة إلى توقيت القرار، لكنه لم يقدّم إجابات واضحة حول الأمر.
واقتصرت إجابة عزيز حق على القول، إن “الأمم المتحدة موجودة في مختلف مناطق سوريا، لكنها تحتاج إلى تعاون من قبل الحكومة المركزية في دمشق، وسلطات الأمر الواقع، لتحقيق مساعيها بتلبية الاحتياجات الإنسانية”.
تواصلت عنب بلدي مع أحد موظفي مكاتب الأمم المتحدة في غازي عينتاب (تحفظ على ذكر اسمه لأنه غير مصرّح له بالحديث إلى وسائل الإعلام)، وقال إنه حتى الآن لا يوجد نص قرار رسمي بفتح مكاتب، لكن موظفي الأمم المتحدة بدؤوا العمل على اقتراح مواقع للمكاتب وتقييمها.
وأضاف أن الأمر يستغرق وقتًا طويلًا وعديدًا من الموافقات، مشيرًا إلى أن الإشاعات حول بدء المكاتب عملها بشكل رسمي بوقت قريب غير صحيحة.
ولم تكتفِ الأمم المتحدة بإخطار المنظمات، إذ أبلغت “الحكومة المؤقتة” بخطتها، وفق ما قاله وزير الاقتصاد في “المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، الذي ظهر مرارًا إلى جانب الوفود الأممية في الشمال السوري بعد كارثة الزلزال، مؤكدًا عدم وجود تبليغ رسمي بذلك.
تساؤلات معلّقة
تتركز أسئلة المنظمات المحلية على دور المكاتب في حال افتتاحها، وفرصة وجود تنسيق بين تلك المكاتب ومكاتب الأمم المتحدة في دمشق، بالإضافة إلى ما وراء توقيت القرار، بحسب ما قاله الطبيب محمد كتوب.
ورغم أن وجود المكاتب الأممية كان مطلبًا للمنظمات منذ سنوات، أثار القرار عديدًا من المخاوف التي عززها غياب الإجابات عن تساؤلات المنظمات، أضاف كتوب.
ورحب كتوب بالتوجه لافتتاح المكاتب في حال كان مرتبطًا بالحاجة المتفاقمة بعد الزلزال، أما في حال كان لتغطية تقصير الأمم المتحدة خلال الكارثة، ومرهونًا بموافقة الأسد، فإنه يعتبر “توجهًا سلبيًا”، وفق تعبيره.
ويتفق المدير التنفيذي لمنظمة “بوصلة” للتنمية والإبداع في “المنتدى السوري”، حسان جنيدي، مع ما ذكره كتوب، إذ قال إن وجود المكاتب يوفر آلية أفضل لعملية توثيق الانتهاكات وتنسيق المساعدات، لكن طريقة تنسيق الأمم المتحدة مع كوادر المنظمات وأسلوب إخطارها، كان كفيلًا بخلق مخاوف كبيرة لدى المنظمات من تبعات وجود المكاتب.
“نحن لا نقول إننا نؤيد الفكرة أو نرفضها، ما نقوله بكل بساطة كمؤسسات سورية، أننا بحاجة إلى المزيد من الوضوح والفهم لعملية وجود المكاتب الأممية في الشمال السوري”
حسان جنيدي المدير التنفيذي لمنظمة “بوصلة” |
وأضاف جنيدي أن وجود تنسيق محتمل بين مكاتب الأمم المتحدة في دمشق ومكاتب الشمال مستقبلًا، يعني تبادل بيانات المستفيدين، ما يثير مخاوف كبيرة لدى المنظمات المحلية.
أستاذ القانون وعضو مجلس الإدارة في “المنتدى السوري” الدكتور ياسر تبارة، قال لعنب بلدي، إن الإشكال الأبرز بهذا الملف مرتبط بقانونية وجود تلك المكاتب في الشمال السوري.
وتعمل الأمم المتحدة عادة في مناطق سيطرة الحكومات المركزية، ما يجعل وجودها في مناطق خارج سيطرة حكومة النظام السوري مرتبطًا بتفويض من مجلس الأمن أو بموافقة تلك الحكومة.
وباعتبار قرار الفتح ارتبط بلقاء الأسد مع منسق الأمم المتحدة للمساعدات، مارتن غريفيث، تتخوف المنظمات من علاقة القرار بموافقة النظام السوري، وفق ما قاله تبارة.
مخاوف بشأن “عبر الحدود”
يجري التنسيق بشأن وصول المساعدات عبر الحدود عن طريق مكتب الأمم المتحدة في غازي عينتاب، بعيدًا عن احتمالية تلاعب النظام السوري بها، وهو ما جعل تجديد قرار المساعدات عبر الحدود مطلبًا دائمًا للسوريين والمنظمات المحلية والدولية.
عضو مجلس الإدارة في “المنتدى السوري” ياسر تبارة، يرى أنه إذا كان الأساس القانوني لوجود مكاتب في الشمال رهن موافقة الحكومة المركزية في دمشق، فهذا يعني بالضرورة أن تنسيق عمل تلك المكاتب سيجري بالتعاون مع مكاتب دمشق.
ويترتب على التنسيق بين مكاتب الشمال ودمشق زيادة التركيز على المساعدات عبر الخطوط (من مناطق سيطرة النظام السوري إلى شمال غربي سوريا)، على حساب المساعدات عبر الحدود، وفق ما ذكره تبارة، لافتًا إلى تخوّفه من أن يؤدي ذلك إلى إيقاف المساعدات عبر الحدود بشكل تام.
“هذا الوجود يمكن أن يكون خطوة لإنهاء المساعدات عبر الحدود من خلال زيادة التنسيق بين الأمم المتحدة ودمشق لتصبح جميع المساعدات الإنسانية تحت رحمة الأسد”
حسان جنيدي المدير التنفيذي لمنظمة “بوصلة” |
وبعد أيام من كارثة الزلزال، زارت عديد من الوفود الأممية الشمال السوري، تزامنًا مع وجود عديد من اللقاءات والزيارات إلى دمشق.
وترتب على اللقاءات في دمشق موافقة النظام السوري على إيصال المساعدات إلى شمال غربي سوريا عبر معبرين حدوديين إضافيين مع تركيا لثلاثة أشهر، وفق ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 13 من شباط الماضي.
وتعقيبًا على ذلك، قال مندوب النظام السوري لدى الأمم المتحدة، بسام الصباغ، إن طرح قرار فتح المعبرين الإضافيين ضمن مجلس الأمن ليس مطلوبًا، لافتًا إلى وجود “اتفاق بين سوريا والأمم المتحدة”.
تزامن ذلك مع ظهور مؤشرات على “صفقة سياسية غير معلَنة وبمشاركة أممية”، ظهرت ملامحها عبر “تنازلات” قُّدمت بعد تعنّت أبداه النظام والولايات المتحدة على حد سواء لسنوات، وفق ما قاله خبراء في حديث سابق إلى عنب بلدي..
ومن المقرر أن ينتهي تفويض قرار مجلس الأمن بإيصال المواد الغذائية والأدوية وغيرها من المساعدات الأساسية عبر معبر “باب الهوى” من تركيا إلى شمال غربي سوريا لمدة ستة أشهر في تموز المقبل، وسط استمرار الضغوط الروسية لتجميد القرار، مقابل الاعتماد على المساعدات عبر الخطوط.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :