عنب بلدي – جنى العيسى
عبر استقبال رسمي حسب البروتوكول الروسي المعمول به باستقبال الرؤساء، وصل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 14 من آذار الحالي، إلى موسكو في زيارة استمرت ليومين.
لم يتضح خلال الساعات الأولى للزيارة، إثر الاستقبال الذي لم يحظَ به الأسد منذ أكثر من عقد، أن الزيارة كانت بناء على طلب موسكو، بل أوحت أنها زيارة عمل عبر وفد ضخم يقوم بها “رئيس شرعي” لدولة لم تُملَ عليه تحركاته يومًا.
قبل الانتخابات التركية
جاءت زيارة الأسد إلى موسكو عشية الذكرى الـ12 للثورة السورية، وعقب أكثر من شهر على الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا.
توقيت الزيارة جاء أيضًا في ظل مساعٍ تقودها موسكو لعقد لقاء رباعي بين نواب وزراء خارجية تركيا وإيران وسوريا وروسيا، أمام حالة “تمنع” من قبل النظام، الذي يرهن مشاركته باللقاء الرباعي بالحصول على ضمانات تركية بالانسحاب من شمال غربي سوريا.
ربط الخبير في الشأن الروسي الدكتور نصر اليوسف، توقيت زيارة الأسد إلى موسكو بالانتخابات التركية بالدرجة الأولى، مضيفًا أن الروس مهتمون جدًا بدعم موقف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ويحرصون على نجاحه في هذه الانتخابات.
ويرى اليوسف، في حديث إلى عنب بلدي، أن روسيا تحرص على انتزاع حزب “العدالة والتنمية” الورقة السورية عمومًا من أيدي المعارضة التركية، قبل الانتخابات، لذا استدعت الأسد لتنتزع منه تنازلات بخصوص الشروط التي يضعها أمام اتفاق تصوغه روسيا.
تصدّر ملف التقارب بين النظام السوري وتركيا أجندة المباحثات بين بوتين والأسد، كما جرى الحديث عنه عبر لقاءات إعلامية عدة أجراها الأسد مع وسائل إعلام روسية، غداة لقائه بوتين.
وقال الأسد من موسكو، عبر لقاء أجراه مع وكالة “سبوتينك” الروسية، إن لقاءه مع أردوغان يرتبط بالوصول إلى مرحلة تكون فيها تركيا جاهزة بشكل واضح ودون أي التباس للخروج الكامل من الأراضي السورية، والتوقف عن “دعم الإرهاب”، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل بدء الحرب في سوريا.
وحول اللقاء المرتقب بين الأسد والرئيس التركي، قال عضو مجلس الأمن والسياسة الخارجية في الرئاسة التركية، تشاجري إرهان، مطلع آذار الحالي، إن حدوث اللقاء قبل الانتخابات الرئاسية في تركيا، المقررة في 14 من أيار المقبل، أمر “غير مرجح”، مضيفًا أن أردوغان لا يعارض مثل هذا الاجتماع من حيث المبدأ، لكن ظروف “الزلزال المدمر غيرت كل شيء”.
“الانتصار” رسالة
يعتقد الباحث السياسي ومدير الأبحاث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، معن طلاع، أن توقيت زيارة الأسد إلى موسكو يحمل عدة رسائل، الأولى ترتبط وفق المؤشرات الأخيرة بتطورات ملف التقارب بين النظام وتركيا، وبعد أيام من حديث عن اجتماع رباعي لنواب وزراء خارجية تركيا وإيران وسوريا وروسيا، وذلك بهدف دفع الملف قدمًا.
كما اعتبر طلاع، في حديث إلى عنب بلدي، أن للزيارة دلالة واضحة من قبل روسيا، تفيد بأنها رغم انشغالها بالمشهد الأوكراني، فإنها لا تزال متمسكة بخياراتها في المنطقة، وبمواقفها السياسية، وسط ما يشهده الملف السوري من تطورات أعقبت الزلزال.
وبما أن النظام السوري يهتم أيضًا بالإيحاءات والرسائل المرتبطة بالصورة، فقد يبدو تحديد موعد لقاء بوتين بالأسد في يوم ذكرى الثورة السورية ليس من قبيل المصادفة، بحسب ما يرى طلاع، مشيرًا إلى أن النظام يستغل الزيارة في هذا اليوم لـ”إعلان انتصاره بانفتاحه على مظلة أوسع، كأن يتم استقباله كأحد الرؤساء بجميع المراسم والأعراف الدبلوماسية السائدة”.
بروتوكولات ومراسم
على خلاف زياراته السابقة إلى روسيا، حظي الأسد باستقبال رسمي في مطار “فنوكولفا” الدولي، حسب البروتوكول الروسي المعمول به باستقبال الرؤساء، وأجرى قبل اللقاء مع بوتين زيارة إلى ضريح “الجندي المجهول” في موسكو، وفق المراسم المعمول بها في روسيا.
ويعد استقباله ضمن مراسم استقبال الرؤساء هي الثانية من نوعها منذ عام 2011، سبقها استقبال رسمي في أثناء زيارته إلى سلطنة عمان، في 20 من شباط الماضي، أي بعد 14 يومًا على الزلزال المدمر.
الخبير في الشأن الروسي نصر اليوسف، اعتبر أن الاستقبال الرسمي الذي حرص الروس على إجرائه للأسد، ينطلق من مصلحة روسية صرفة، تهدف إلى إظهار أنهم ينظرون إليه كـ”رئيس روسي شرعي”، ولـ”فرض الاحترام والتقدير الدولي” على القرارات التي ستنتج عن هذه الزيارة، بحسب رأيه.
لعل الرابط الوحيد الأكثر وضوحًا في تحركات الأسد سواء في مسقط أو موسكو، الاهتمام المتزايد في الحصول على “الشرعية السياسية”، بحسب ما يرى الباحث معن طلاع.
وتأتي هذه التحركات ضمن جهود دبلوماسية مكثفة في قضية جعل العلاقات السياسية مع النظام أمرًا واقعًا، وليس مسارًا أمامه العديد من التحديات والعقبات.
لعل تحركات الدول تجاه الأسد في هذا السياق حاليًا تأتي نتيجة ثلاثة عوامل تتمثل بما يلي:
● عدم وضوح الاستراتيجية الأمريكية حيال ملفات المنطقة، والفراغ السياسي أو حتى العسكري المتوقع، إذ بات من الواضح مؤخرًا وجود حديث داخلي حول انسحاب عسكري أمريكي، سيعزز بدوره مسارات ملء الفراغ في الحركة السياسية، ويشجع الدول على التعاطي مع الأسد من منظور أنه “أمر واقع”. ● ترتيبات المنطقة الإقليمية، إذ شهدت المنطقة مؤخرًا مجموعة من التفاهمات والتواصلات الجديدة، كالتقارب السعودي- الإيراني، أو الإيراني- التركي، أو المصري- التركي، وغيرها. ● أخيرًا، الإعلان شبه الرسمي عن موت العملية السياسية، خاصة مع وضوح موقف روسيا بأنها لن تدعم العملية السياسية الوحيدة التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف. الباحث السياسي معن طلاع |
وضم الوفد المرافق لرئيس النظام، بشار الأسد، إلى موسكو، وزير الخارجية، فيصل المقداد، ووزير شؤون رئاسة الجمهورية، منصور عزام، ووزير الدفاع، علي محمود عباس، ووزير الاقتصاد، سامر الخليل، ووزير المالية، كنان ياغي، ورئيس “هيئة تخطيط الدولة”، فادي الخليل، وأمين عام مجلس الوزراء، قيس خضر أمين، ومستشارة الأسد، لونا الشبل، وسفير النظام لدى موسكو، بشار الجعفري.
الشؤون الاقتصادية أخذت مساحة من المباحثات الرئاسية والثنائية بين الوزراء من الجانبين السوري والروسي، تلخصت نتائجها بإعلان الأسد أن الجانبين سيوقعان خلال الأسابيع المقبلة اتفاقًا في مجال التعاون الاقتصادي، وذلك بعد التخطيط لإتمام 40 مشروعًا استثماريًا في مجالات الطاقة والصناعة والنقل وبناء المساكن.