الاختراق الصيني في الشرق الأوسط

  • 2023/03/19
  • 2:29 م
الكاتب السوري إبراهيم العلوش

الكاتب السوري إبراهيم العلوش

إبراهيم العلوش

فاجأت الدبلوماسية الصينية العالم بإعلان وزير الخارجية الصيني مع مسؤولَين سعودي وإيراني نية البلدين إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما خلال شهرين، ما أثار استغراب الدبلوماسيات الغربية وحتى الروسية، فالصين تعلن دخولها الشرق الأوسط بحدث سياسي يدشن عهدًا جديدًا فيه.

الخارجية الأمريكية أعلنت أنها على دراية بتلك التحركات الصينية، وكانت على اطلاع عليها في إشارة إلى عدم تقصيرها، رغم أن الدبلوماسية الأمريكية لم تقم بمثل هذه الخطوة في الشرق الأوسط ربما منذ اتفاقية “كامب ديفيد”، التي وقعها الرئيس المصري الأسبق، أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، مناحيم بيغن، برعاية الرئيس الأمريكي حينها، جيمي كارتر، عام 1977، فالقيادات الأمريكية المتعاقبة ظلت تعلن انحيازها إلى جانب إسرائيل وضد حقوق الشعب الفلسطيني، ما حال بينها وبين إيجاد حل سياسي ودبلوماسي عادل يجمّد الصراع المشتعل طوال العقود الماضية.

حتى في الصراع الخليجي- القطري الأخير، الذي وصل إلى حدود إعلان الحرب على قطر، لم تقم الدبلوماسية الأمريكية بمثل هذه الخطوة التصالحية التي أعلنتها الصين، بل كانت القيادات الأمريكية مستفيدة من حروب العرب البينيّة، وقد استفادت من تلك الحروب في غزو العراق وليبيا ودخول سوريا، حيث لا تزال قواتها موجودة فيها مستغلة مأساة الشعب السوري، وتطيل أمدها خارج فرص الحسم أو التسويات الدبلوماسية الموعودة.

النجاح الصيني في جمع أكبر دولتين نفطيتين في الشرق الأوسط، وإعلانهما نية وقف التنافس العنيف الدائر بينهما في اليمن وسوريا ولبنان والعراق، قد يعيد ترتيب الأوراق في المنطقة، فالصين منذ هذا الاجتياح الدبلوماسي لم تعد مجرد قوة اقتصادية تمدّ الشرق الأوسط بالمنتجات المختلفة، بل أصبحت قوة دبلوماسية جديدة في المنطقة، بعد أن أتمت اجتياح القارة الإفريقية، وتمكنت من ربط العديد من دولها بعجلة السياسة الصينية، بالإضافة إلى ربطها بمشاريع التنمية والقروض التي تضمن ولاء تلك الدول للصين خلال العقود المقبلة على الأقل.

ما يلفت النظر في هذه الخطوة الدبلوماسية الصينية هي المقارنة التي تفرض نفسها مع الدبلوماسية الروسية في الشأن السوري، فالخلاف الإيراني- التركي الذي مزّق سوريا واستدعى التدخل الروسي القائم على مبدأ النكاية بالغرب، لم تعالجه الدبلوماسية الروسية بما يليق بدولة عظمى، بل إن عميد الدبلوماسية الروسية، سيرغي لافروف، صرح بأقوال طائفية أججت الصراع واستجلبت دخول القوات الروسية، التي ارتكبت جرائم نازية ضد المدنيين باستهدافها المستشفيات والأسواق والمدارس، وتشجيعها النظام على استعمال الأسلحة الكيماوية، وتحويل سوريا إلى ميدان لتدريب الجيش الروسي على الأسلحة الحديثة كما صرح بوتين نفسه.

نجاح الدبلوماسية الصينية يعيد تقييم الدور الروسي بالمنطقة وفي سوريا خاصة، إذ لا يزال يعاني الفشل المتتابع، سواء بالتدخل العشوائي في سوريا ومعاداة أغلبية الشعب السوري التي ترفض الاستمرار بحكم الدكتاتورية الأسدية، أو التسبب في مواجهة مع الجانب التركي لم تصحُ منها دبلوماسية موسكو إلا بعد إسقاط الطائرة الروسية التي اخترقت الأجواء التركية عام 2015، بالإضافة إلى اغتيال السفير الروسي في تركيا عام 2016، من قبل أحد ضباط الشرطة الأتراك الذي صرخ محتجًا على تدمير مدينة حلب التي كانت مشمولة بحماية تركية، ما شكّل هزّة عنيفة للغطرسة الروسية واستخفافها بالدور التركي حينذاك.

الفشل الدبلوماسي الروسي المكلل بالغرور هو نفسه الذي قاد الجيش الروسي للدخول إلى أوكرانيا، وورطه في مذابح تذكّر العالم بجيش هتلر في أربعينيات القرن الماضي. وبنظر السوريين، فإن السياسة الروسية تعتمد على دبلوماسية فاشلة في فض النزاعات وتنحاز إلى الدكتاتور ضد إرادة السوريين بزعم المحافظة على الدولة السورية حتى لو تحولت هذه الدولة إلى سجن كبير أو إلى فرن لحرق جثث المعارضين.

لم تستفد الدبلوماسية الروسية من المكانة الدولية لروسيا كدولة كبيرة، ولم تحترم حق الشعوب بتقرير مصيرها ولا بحقوق الجوار الذي ذاق منها تدخلات غير حكيمة، في جورجيا وفي عموم الفضاء الروسي السابق، حتى دولة بيلاروسيا التي تدعم بوتين في حربه العدوانية ضد أوكرانيا صارت تخشى على وجودها من سيل النظريات القومية الروسية، التي تعامل الدول المحيطة بها كدول قاصرة يجب أن تعود إلى بيت الطاعة السوفييتي، رغم دفن الاتحاد السوفييتي منذ عقود عديدة.

استقبلت روسيا بشار الأسد بذكرى انطلاق الثورة السورية، في 15 من آذار الحالي، في خطوة رمزية لمتابعة التعنّت الروسي ومعاداة إرادة السوريين، ومع ذلك، فإن الجهود الروسية المتلاحقة هذه الأيام في الملف السوري فشلت حتى في عقد اجتماع رباعي لنواب خارجية الدول الأربع، روسيا وتركيا وإيران ونظام الاسد، وسيكون الفشل مصير هذه الجهود، لأن غاية الدبلوماسية الروسية هي تثبيت نظام الأسد رغم إرادة السوريين، ورغم الجرائم التي ارتكبها هذا النظام بحقهم، وضمان عدم معاقبته.

إذا كانت روسيا قد فشلت في منع تدمير سوريا، فهل ستكون الصين هي القادرة على وقف استنزاف الشعب السوري وتهجيره لغايات سياسية روسية غير إنسانية؟

وهل من الممكن أن تكون الدبلوماسية الصينية بالتوافق مع الدول الغربية قادرة على جمع العرب والإيرانيين والأتراك والروس من أجل تطبيق قرارات الأمم المتحدة في سوريا، وخاصة القرار “2254”، والإعلان عن وقف حرب مدمرة خاضتها روسيا مع الأطراف الإيرانية والتركية والأمريكية في سوريا؟

مقالات متعلقة

  1. زيارة بومبيو إلى إسرائيل.. عدة عصافير بحجر أمريكي واحد
  2. بايدن يدافع عن زيارته للسعودية وسط حساسيات حقوق الإنسان
  3. أدوار الصين الجديدة بالشرق الأوسط ترسم متغيرات في سوريا
  4. روسيا الغاضبة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي