السيارات في الشمال السوري.. عرض فائض وسوق “فوضوية”
عنب بلدي – جنى العيسى
مطلع شباط الماضي، قررت إدارة “التخليص الجمركي” في معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، منع استيراد السيارات الأوروبية المستعملة بشكل كامل إلى الشمال السوري عبر المعبر، دون وقت محدد لإنهاء العمل بالقرار.
ووفق القرار، يُستثنى من ذلك السيارات المشتراة التي سُجلت لدى مكتب التنسيق مسبقًا، حيث سيتم إدخالها أصولًا.
واستثنى القرار أيضًا عددًا من البضائع المتمثلة بـ”رأس القاطع”، وقطع تبديل السيارات، والحافلات، والإطارات.
تواصلت عنب بلدي مع “إدارة التخليص الجمركي” في المعبر، للاستفسار عن أسباب القرار، وتأثر سوق السيارات المحلية به، لكنها رفضت التصريح دون تقديم أي مبررات.
مدير المؤسسة العامة للنقل التابعة لحكومة “الإنقاذ” التي تسيطر على إدلب، أحمد الصالح، قال لعنب بلدي، إن أسباب اتخاذ القرار تتمثل بازدحام أسواق المنطقة بالسيارات، مقابل ضعف الطلب عليها من قبل التجار المحليين، مشيرًا إلى أن القرار مؤقت، إذ سيتم استئناف استيراد السيارات في حال كانت السوق قادرة على استيعاب كميات جديدة.
وأكد الصالح أن سوق السيارات تأثرت سلبًا بالقرار من ناحية الأسعار، والأنواع الموجودة، ولكن في حال عدم اتخاذه فإن السوق كانت مؤهلة لانهيار كبير في الأسعار نتيجة كثرة العرض وقلة الطلب.
ووسط منع استيراد السيارات عبر “باب الهوى”، لا تزال المعابر الحدودية بين ريف حلب وتركيا، حيث تسيطر “الحكومة السورية المؤقتة”، تسمح باستيراد السيارات.
“حرّك السوق”
يرى تاجر السيارات في إدلب مصطفى العمر، أن القرار صبّ في مصلحة التجار بالشمال السوري، إذ حرّك منع استيراد كميات إضافية من السيارات السوق أكثر، بسبب محدودية السيارات المتوفرة، وزيادة الطلب عليها.
لا يعتبر تطبيق القرار لشهر واحد فقط كفيلًا بإحداث فرق كبير في حركة سوق السيارات، بحسب ما قاله التاجر مصطفى العمر لعنب بلدي، وهو فعلًا ما حدث، لافتًا إلى أنه رغم ذلك فإن وضع المبيع أفضل بكثير من السابق.
وأكد العمر أن القرار أثّر في أسعار السيارات بالمنطقة، خاصة السياحية، وزاد من قيمتها بشكل وسطي نحو 400 إلى 500 دولار أمريكي على سعرها قبل القرار.
ارتفاع أسعار السيارات بمعدل 500 دولار، بعد شهر واحد فقط من القرار، قد يشير إلى ارتفاع أكبر خلال الفترة المقبلة، ما لم يتم النظر بالقرار مجددًا، ما جعل عددًا من الراغبين بشراء السيارات في المنطقة يؤجلون قرارهم لحين انخفاض أسعارها.
إبراهيم الطالب (35 عامًا)، يقيم في مدينة إدلب، قال لعنب بلدي، إن ارتفاع أسعار السيارات تأثرًا بالقرار، جعله يتراجع عن قراره بشراء سيارة “بيك آب” كان يحتاج إليها للعمل في تحميل المنتجات الزراعية من سوق “الهال” إلى التجار، أو نقل البضائع المختلفة ضمن المدينة.
ويصل سعر السيارات من نوع “بيك آب” حاليًا في المنطقة إلى نحو خمسة آلاف دولار أمريكي، رغم تاريخ صنعها القديم، إذ لا يتجاوز أحدثها بأحسن أحواله سنة 2007.
السوق “فوضوية”
حول صحة اتخاذ قرار منع استيراد السيارات، في منطقة لا تعد مصنّعة للسيارات، قال الباحث الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” محمد العبد الله لعنب بلدي، إنه من مؤيدي القرار بالمرحلة الحالية، مبررًا ذلك بأن سوق السيارات في الشمال السوري أصبحت “فوضوية”، خالية من الضوابط الناظمة لعملية الاستيراد من حيث كفاية الكم المطلوب للمنطقة، أو مدى وجود فائض في الطلب لتوجيه الاستيراد.
وأضاف العبد الله أن السوق تحتاج إلى قدرات تنظيمية من حيث الإجراءات المتخذة لتسجيل السيارات ومراقبتها ومتابعتها، الأمر الذي قد يكون أكبر من قدرة السلطات المحلية على إدارة هذا الكمّ الكبير من حجم السيارات المستوردة في هذه المناطق.
كما تعد تجارة السيارات في هذه المناطق أقرب للاحتكار من قبل بعض التجار، وفق سلسلة تبدأ من الاستيراد من الخارج وتنتهي في المنطقة، ما أتاح تحكّم بعضهم بالتجارة بالتنسيق مع شبكات استيراد خارجية من جهة، وأسعار السيارات من جهة أخرى.
من جهته، قال الباحث في الاقتصاد السياسي الدكتور يحيى السيد عمر، إن الدول في الأزمات الاقتصادية الحادة تعلّق عادة استيراد السلع الكمالية أو غير الأساسية، وذلك لترشيد إنفاق العملات الأجنبية، خاصة عند وجود شح في الإيرادات بالقطع الأجنبي، ويتم توجيه القطع الموجود لاستيراد السلع الأساسية، إضافة إلى استيراد مدخلات الإنتاج.
وفيما يتعلق بقرار تعليق استيراد السيارات في الشمال السوري، يرى السيد عمر في حديث إلى عنب بلدي، أنه قرار صائب من حيث المبدأ، ولكن صحة القرار ترتبط بعدة معطيات، منها مدى وجود سيارات في السوق تكفي الحاجة الحقيقية، بمعنى أن يكون العرض الحالي يساوي الطلب في السوق، إضافة إلى ضرورة إنفاق المبالغ التي تم توفيرها من قرار تعليق الاستيراد في استيراد مواد أخرى ضرورية، لذلك تبقى صحة القرار مرتبطة بهذه المتغيرات.
دور الاحتكار
يوجد سببان للقرار، بحسب الباحث العبد الله، أولهما الحد من تفرد بعض التجار بهذه التجارة المفتوحة على مصراعيها سابقًا، وثانيهما أن القرار ربما يخدم جهات متنفذة في هذه المناطق من حيث احتكار ما هو موجود حاليًا من كمّ معروض، ما سيؤدي إلى رفع أسعار السيارات ومحاولة تصريف بعضها في السوق.
ريف حلب.. الاستيراد متاح
على خلاف القرار الصادر عن معبر “باب الهوى” الواقع ضمن المناطق التي تسيطر عليها حكومة “الإنقاذ”، لا تزال المعابر الحدودية التي تربط مناطق من ريف حلب حيث تسيطر “الحكومة السورية المؤقتة”، تسمح باستيراد السيارات الأوروبية إلى الشمال، منذ أن أتاحت ذلك في عام 2020.
وحول احتمالات وقف الاستيراد عبر هذه المعابر، قال وزير الاقتصاد في “الحكومة المؤقتة”، الدكتور عبد الحكيم المصري، لعنب بلدي، إن المنطقة سابقًا كانت تحتاج إلى تخفيف حركة الاستيراد، إلا أن التجار قاموا بذلك دون إلزامهم بقرار، نتيجة عدم بيع المعروض لديهم أساسًا.
وأشار المصري إلى أنه رغم السماح، فإن حركة الاستيراد إلى الشمال ضعيفة جدًا، فمثلًا بلغ عدد السيارات المستوردة عبر المعابر الحدودية إلى الشمال في شباط الماضي 100 سيارة فقط، بالمقابل، تعد حركة البيع ضعيفة جدًا وسط وجود عدد كبير جدًا من السيارات في المنطقة، ما يفسر قرار منع الاستيراد.
ويرى المصري أن قرار منع الاستيراد وإن كان مبررًا، إلا أن الأفضل ترك الخيار للتجار، الذين يقدّرون بدورهم حاجتهم للاستيراد بناء على حجم مبيعاتهم من السيارات، الأمر الذي يدل على حاجة المنطقة.
ويُتخذ قرار منع الاستيراد، بحسب المصري، في حال وجود حركة صناعة محلية يجب حمايتها، بينما في ظل هذه الظروف، يمكن توجيه حركة الاستيراد فقط لا منعها.
ما حاجة السوق
يرى الباحث محمد العبد الله، أن ما تحتاج إليه سوق السيارات في الشمال السوري بشكل أساسي، وجود قدرة تنظيمية على إدارة ملف المواصلات بشكل متميز، من حيث الإجراءات الإدارية والتنظيمية والضوابط والمخالفات المرورية، بالإضافة إلى القدرة على تهيئة البنية التحتية اللازمة للمركبات في المنطقة، تجنبًا للحوادث المتكررة.
ومن الضروري العمل على الموازنة بين العرض والطلب على السيارات بمختلف أنواعها الشخصية أو سيارات الحمولة، أو المركبات ذات الأغراض المتعددة، وذلك بما يتفق مع قدرة المستهلك المحلي الاقتصادية على الشراء، إذ سيؤثر وجود فائض في العرض سلبًا على السوق، وهو الأمر الحاصل حاليًا، بما لا يخدم الاقتصاد المحلي ضمن هذه المناطق.
بدوره، يرى الدكتور يحيى السيد عمر أن تنشيط سوق السيارات في الشمال السوري يرتبط بتحفيز الطلب على السيارات الذي يرتبط بعدة عوامل، على رأسها مستوى الدخل السائد، إذ يعد منخفضًا، لذا في ظل الواقع الحالي، لا يمكن تحفيز سوق السيارات، بحسب رأيه.
وقبل 2020، كانت السيارات تصل إلى مناطق الشمال السوري بطريقتين، إما من خلال التجار السوريين الذي يحضرونها من تركيا عن طريق المعابر الحدودية معها، وإما من خلال جلب “قصات” (هياكل سيارات مقصوصة) يشتريها التجار من أوروبا، ويرسلونها إلى ميناء “طرطوس” ومنها إلى الشمال، عبر المعابر الواصلة بين مناطق سيطرة فصائل المعارضة السورية ومناطق سيطرة النظام السوري.
شارك في إعداد التقرير مراسل عنب بلدي في إدلب إياد عبد الجواد
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :