“حميماتي” سوري يحمل شغفه إلى ألمانيا

  • 2023/03/19
  • 12:13 م

طيور حمام في مزرعة بمقاطعة هيسن وسط ألمانيا- 9 من آذار 2023 (عنب بلدي)

عنب بلدي – حسن إبراهيم

“من وقت خلقت كان في عنا طيور حمام بالبيت”، عبارة تلخص قصة تعلّق وشغف الشاب عبد العزيز قرين (أبو محمد) بطيور الحمام، منذ أن كان طفلًا في مدينته حمص وسط سوريا، حتى استقراره لاجئًا في ألمانيا.

وسط ألمانيا في مزرعة بمقاطعة هيسن (Hessen)، من غرفة خشبية مقسمة إلى عدة أقسام، تظهر إلى العالم، بتسجيلاته المصوّرة عبر “تيك توك”، تشكيلة طيور الحمام التي يمتلكها “أبو محمد”، ناقلًا حبه للحمام حيث يقيم.

كان الحمام مرافقًا للشاب في جميع مراحل حياته ومتغيراتها، وحين كان في الخدمة العسكرية الإلزامية، وعند سفره للعمل في السعودية والجزائر وليبيا، كان الحمام موجودًا ورفيقًا لدربه بشكل دائم، وفق ما أوضحه لعنب بلدي.

رغم وجود انتقادات عديدة تلاحق “الحميماتي”، سواء في الواقع أو في وسائل التواصل الاجتماعي، يعتبر “أبو محمد” أن “كل سوسة أو هواية بالدم إلا الحمام، فهي محفورة بالعظم باقية لن تزول”.

“ثقافة، هواية، سوسة، عشق، تعلق”، مسميات لا تكفي لوصف علاقة “أبو محمد” مع طيور الحمام منذ ولادته قبل 42 عامًا، وحملها في تنقله رغم الظروف والأعراف والقوانين التي تحكم تربيتها في بلدان مختلفة.

لا “سوق جمعة”.. المعارض بديل

واجه “أبو محمد” صعوبة بإيجاد طيور الحمام في بداية لجوئه إلى ألمانيا قبل ثماني سنوات، مشيرًا إلى أنها لا تشهد أسواقًا للبيع والشراء كما اعتاد مربو الحمام في سوريا.

وتنشط أسواق بيع وشراء الحمام في المدن والبلدات السورية بشكل كبير، وأغلبها يقام في يوم الجمعة، ويُتعارف على تسميتها بـ”سوق الجمعة”، وبعضها لا يقتصر على الحمام فقط.

وتقتصر حركة بيع وشراء الحمام بين السوريين في ألمانيا على العرض عبر صفحات التواصل، وفق “أبو محمد”، الذي أوضح أن تربية الطيور تحتاج إلى التسجيل في الأندية، وتحديد الغرض من تربيتها، سواء للمسابقات أو للبيع والشراء، ولا تحتاج إلى ذلك في حال كانت “هواية”.

وتشهد المدن الألمانية إقامة معارض داخلية متنقلة بشكل متقطع، يجري فيها عرض طيور الحمام، وتعلن عنها “الرابطة الألمانية للحمام الزاجل”، أحدثها الإعلان عن المعرض الداخلي الذي يُعقد في 25 من آذار الحالي.

ويقام المعرض في المركز “الألماني للحمام الزاجل” بمقاطعة إيسن داخل خيمة عرض كبيرة ومزوّدة بالتدفئة، ويعرض العديد من الزائرين منتجاتهم بأسعار خاصة، مع وجود عيادة لتقديم الاستشارة.

ولفتت الرابطة إلى أنه يمكن لجميع مربي الطيور باختلاف أنواعها الحضور في حال رغبوا بطلب الاستشارة الطبية من الأطباء البيطريين في العيادة، وفي حال المشاركة في المعرض بصفة “بائع”، يمكن تقديم طلب عبر ملء نموذج، ويمكن استئجار منصة للبيع وأقفاص داخل المعرض.

في كانون الأول 2022، وقبل معرض “دورتموند”، فرضت “رابطة الحمام” بعض الشروط لحضور المعرض، بسبب تفشي إنفلونزا الطيور بشكل متكرر في ألمانيا، متمثلة بضرورة وجود شهادة بأن الحمام جُلب من منطقة لا تخضع لأي قيود تتعلق بالمرض، ويجب أن تكون الشهادة صادرة عن المكتب البيطري المسؤول عن مكان إقامة الحمام أو المالك.

ويجب على كل مربي حمام مشارك في المعرض أن يقدم شهادة مقابلة لم يمر عليها أكثر من خمسة أيام في يوم التسليم، وتصدر الشهادات من قبل المكتب البيطري المسؤول.

طيور حمام في مزرعة بمقاطعة هيسن وسط ألمانيا- 9 من آذار 2023 (عنب بلدي)

ظروف وقوانين تحكم

يربي “أبو محمد” طيور الحمام في مزرعة بمنطقة ريفية في اختلاف جذري عما كان عليه في سوريا، فأسطح الأبنية في ألمانيا مائلة وغير مسطحة لا تصلح لبناء أكواخ أو بيوت للحمام.

ويربي البعض عددًا محددًا من الحمام في شرفة المنزل (البلكون)، إذ لا يمكن تربية الحمام على اعتباره حيوانًا أليفًا كالقطط والكلاب داخل المنزل، إلا في حال توفرت له ظروف صحية، من مكان مخصص له مزوّد بتهوية ومعرّض لأشعة الشمس، مع إمكانية إخراجه من المنزل لساعتين يوميًا، وفق “أبو محمد”.

ولا يواجه “أبو محمد” أي مشكلات في تربية الحمام مع جيرانه، لافتًا إلى أنه لمس لدى الشعب الألماني رغبة ومحبة لتربية الحيوانات في المزارع، عدا عن تربية بعض الحيوانات الأليفة في المنازل.

وأشار إلى أن هذه الرغبة من الألمان لا تنفي أن يكون مربي الحمام “مؤدبًا” في تعامله، محترمًا لجيرانه وراغبًا في عدم إزعاجهم أو مضايقتهم.

وتسود بعض القوانين والأعراف بين “الحميماتية”، وتختلف بين “حميماتي” وآخر، وفق “أبو محمد”، الذي قال إن هناك قانونًا اسمه الصيد، في حال اصطاد أو أمسك مربي الحمام طائرًا فهو ملكه.

ويوجد اتفاق آخر، وهو دفع مبلغ متفق عليه في حال اصطياد الحمام من مربٍّ آخر، ويوجد اتفاق تبادل وإعادة دون أي مقابل، كما يوجد اتفاق يقضي أنه في حال اصطياد الطير يمكن أن يتصرف “الحميماتي” فيه بعد ثلاثة أيام من عدم السؤال عنه من قبل أي شخص.

مصدر كسب واستثمار

لا تعتبر تربية الحمام مهنة “أبو محمد” الذي يعمل في ورشة تقطيع أخشاب بالمقاطعة نفسها، وسبق أن عمل في سوريا بمهنته وهي التمديدات الصحية، لكنها صعبة عليه في بلاد اللجوء لوجود عائق اللغة، إذا تتطلب المهنة الحديث بطلاقة.

عمل “أبو محمد” لا يمنعه من بيع وشراء طيور الحمام، إذ تدر تجارتها مردودًا ماليًا جيدًا لصاحبها، لكنها تسبب خسائر كبيرة في حال افتقار الشخص إلى الخبرة بالأنواع والأصناف، وتتطلّب التجارة مكانًا واسعًا ومعارف وعلاقات للترويج للحمام.

وتعتبر تربية طيور الحمام مصدر رزق جيد للمربين الذين يبيعون فراخ الأنواع الجيدة كل موسم بأسعار مرتفعة، كما يقوم البعض بتهجين الأنواع عبر تزويج ذكر وأنثى من نوعين مختلفين.

وأصبح من الشائع في جميع أنحاء العالم رؤية الحمام الزاجل كاستثمار لرجال الأعمال، خاصة النادر منه الذي يتجاوز سعره مئات الآلاف، وفي آذار 2019، تم بيع الحمام البلجيكي “أرماندو” في المزاد مقابل 1.25 مليون يورو.

وتعيش طيور الحمام من 15 إلى 22 عامًا، بحسب الأنواع البرية أو المنزلية واختلاف الإجهاد والتزاوج، ويوجد حوالي 30 ألف مربي حمام زاجل في ألمانيا.

ويرجح رئيس جمعية مربي الحمام الألماني، ريتشارد جروس، أن يرتفع عدد المربين، لافتًا إلى أن الهواية آخذة في الارتفاع من ناحية، وأن العديد من المهاجرين يحبون هواية وطنهم في تربية الحمام بشعبية كبيرة من ناحية أخرى.

الأسعار مرتبطة بالأصالة

“الحمام متل الفرس الأصيلة، كلما كان دمها صافيًا ومن سلالة أصيلة كان سعرها أغلى وكذلك الحمام”، قال “أبو محمد” في حديثه عن أسعار الحمام.

وتابع أن الجمال وندرة المواصفات من اللون وطول الأرجل وشكل المنقار معايير تلعب دورًا في ارتفاع سعر الحمام، مستذكرًا أيامه في سوريا حين كان يتراوح سعر الطير من الأنواع الجيدة بين ألفين وأكثر من عشرة آلاف دولار.

وأوضح أن هناك أنواعًا “محروفة” (مبندقة) من سلالة مختلفة غير أصيلة، لكن كلما كانت تركيبة الطير “محروفة” أكثر أو يصعب تركيبها، ارتفع سعر الطير، لكنه لا يصل إلى سعر الأصيل (المأصّل).

وتتراوح أعداد الحمام لديه من 50 إلى 300 طير برقم غير ثابت، لكونه يبيع ويشتري عبر الإنترنت، وتضج قائمة الطيور التي يمتلكها بأسماء متداولة في سوريا وأسماء غريبة عنها، منها “الخشن” (كبير الحجم)، كـ”المساود” و”الشرابي” و”الريحاني” و”الكاظمندي” و”البايملي” و”الماوردي”، وبالنسبة للحمام “الناعم” فلديه “البيلندي” و”الإنجليزي” و”الاسطنبولي” و”النّوري” و”الأرفلي” وغيرها بأسماء وأنواع لا تنتهي.

ويصل سعر الطير البلدي (الشرقي) في ألمانيا من 50 إلى 700 يورو، وهو أغلى من بعض أصناف الطيور في ألمانيا، في حين يبدأ سعر الحمام الألماني من خمسة يوروهات ويمكن أن يصل إلى مئات الآلاف بحسب الصنف، إذ يدخل بعضها في المعارض والسباقات، وهي مؤهلة لربح الجوائز ودخول التحديات والمراهنات.

طيور حمام في مزرعة بمقاطعة هيسن وسط ألمانيا- 9 من آذار 2023 (عنب بلدي)

الانتقادات تلاحقهم

تطال مربي الحمام انتقادات واسعة، وتلاحقهم سمعة سيئة بسبب ممارسات لـ”كشاشي” الحمام من إزعاج يومي للجيران بصوت الصفير العالي، وقذف الطيور بالحجارة وقطع الخشب وبعض المواد الغذائية، لجعلها تحلّق عاليًا في السماء لفترة أطول.

وتنشب خلافات ومشكلات بين مربي الحمام بسبب الطيور، قد ينتهي بعضها بالسجن أو المحاكم.

ويوجد اعتقاد سائد عند الناس بأن “الحميماتي” لا تقبل شهادته في القضايا المرفوعة أمام القضاة، بالإضافة إلى صفات تلاحقهم من “الكذب والزعرنة”.

لا ينكر “أبو محمد” أن تصرفات بعض “الحميماتية” وعاداتهم السيئة دفعت لمثل هذه الاعتقادات، لافتًا إلى أن هذه العادات السلبية لا تقتصر على مربي الحمام، فـ”الكاذب كاذب بغض النظر عن عمله ومهنته”.

وأوضح الشاب أن بعض مربي الحمام لديهم إيجابيات أيضًا، فعلاقتهم مع الحمام تخلق نوعًا من “الرفقة” تجعل المربين متفرغين لأعمالهم ورعاية الحمام والتجارة به، وتبعدهم عن جو المشكلات والمشاحنات.

ويرد “أبو محمد” عبر تسجيلاته المصوّرة على العديد من الانتقادات، قائلًا، “نحنا أصحاب مزاج خاص بنعشق الحمام، مثلما بقية البشر عندهم اهتمامات أخرى”.

مقالات متعلقة

  1. عالم "الحميماتية" الغامض.. قوانين "صارمة" تضبط المهنة خلال الحرب
  2. مربو طيور الزينة بدرعا يتخلون عنها
  3. سوق الطيور في معرة مصرين قِبلة التجّار و"الحميماتية"
  4. سوق الحمام مصدر رزق للكثير من الناس في معرة مصرين

مجتمع

المزيد من مجتمع