التقارب الإيطالي مع الأسد.. يدعمه “اليمين” ويقيّده الغرب

  • 2023/03/20
  • 12:46 م

بخطوات سريعة ومتتالية، وتحت غطاء إنساني، بادرت إيطاليا بالاستجابة لكارثة الزلزال في مناطق سيطرة النظام السوري، لتكون أول دولة أوروبية ترسل قافلتي مساعدات عن طريق لبنان سابع أيام الزلزال، تضمنتا أربع سيارات إسعاف وست حزم من الإمدادات الطبية.

ومنذ وقوع كارثة الزلزال، ظهر القائم بأعمال السفارة الإيطالية، ماسيميليانو د أنطونو، والوفد المرافق له عدة مرات إلى جانب رئيس “الهلال الأحمر السوري”، خالد حبوباتي، أبرزها خلال توقيع اتفاقية بين “الهلال الأحمر” والوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي (AICS)، تتضمن تقديم الأخيرة مساعدات عاجلة بقيمة مليون يورو لمتضرري الزلزال، في 23 من شباط الماضي.

سلّطت تلك الخطوات الضوء على تحركات ومؤشرات سابقة تظهر نمو العلاقات الإيطالية- السورية، خصوصًا بعد تولي جيورجيا ميلوني قيادة الحكومة الإيطالية عام 2022.

بغطاء إنساني

رغم العقوبات المفروضة عليه لضلوع منظمته بدعم النظام السوري، استقبل بابا الفاتيكان، البابا فرنسيس، رئيس “الهلال الأحمر”، خالد حبوباتي، بالعاصمة الإيطالية روما للحديث عن تطورات الاستجابة الإنسانية في سوريا.

كما التقى حبوباتي حينها رئيس “الاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر”، فرانشيسكو روكا، وعددًا من المعنيين بالسياق الإنساني، بحسب ما نقله “الهلال الأحمر السوري” في كانون الثاني الماضي.

الكاتبة والناشطة الإيطالية المهتمة بالشأن السوري فرانشيسكا سكالينجي، قالت إن “الهلال الأحمر” يعد منظمة “محايدة نظريًا”، وهو ما يمكن استغلاله من قبل الأطراف التي ترغب بدعم النظام السوري.

وأوضحت سكالينجي لعنب بلدي، أن إيطاليا تستفيد من الصورة الخارجية للمنظمات الإنسانية المقربة من النظام السوري، لاتخاذ خطوات دبلوماسية بـ”غطاء إنساني”.

ولا يقتصر التعاون بين المنظمات الإيطالية و”الهلال الأحمر” على “AICS”، إذ تعمل منظمة “Intersos” الإيطالية بالشراكة مع “الهلال الأحمر”.

ورغم أن “Intersos” منظمة غير حكومية وتدعي الحيادية، ترى سكالينجي أن المنظمة تعمل بشكل وطيد مع الحكومة المركزية في دمشق عن طريق “الهلال الأحمر”، وفق قولها.

من جهته، قال الرئيس التنفيذي لشركة (GSA) “Gulf State Analytics” الاستشارية للمخاطر الجيوسياسية، جورجيو كافيرو، لعنب بلدي، إن إيطاليا تسعى للعب دور إنساني في سوريا، وهو بطريقة أو بأخرى سوف يتطلب درجة معيّنة من المشاركة مع حكومة الأسد.

“الوضع المأساوي السوري الناجم عن الزلزال الكارثي خلق موجة عارمة من التعاطف الإنساني مع الضحايا، سواء على مستوى المنطقة العربية وجوارها أو على المستوى العالمي، وبالتأكيد ثمة محاولات لاستثمار هذا الوضع سياسيًا من أطراف كثيرة ومنها إيطاليا”

فيصل عباس محمد

الدكتور في الدراسات الشرق أوسطية

خطوات يقودها اليمين

أظهرت رئيسة الحكومة الإيطالية، جيورجيا ميلوني، قبل توليها الرئاسة تأييدها بقاء رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في السلطة ودعمها له، إلى جانب تأييدها بقاء حليفه الروسي وميليشيات إيران و”حزب الله” ضمن الخارطة السورية.

وتقود ميلوني حزب “إخوة إيطاليا”، المنتمي إلى اليمين المتطرف، ما يجعل دعمها للنظام السوري مرتبطًا بمزاعم أن “المجتمع المسيحي في سوريا ما زال قائمًا، بفضل حكومة النظام السوري، وروسيا، وإيران، و(حزب الله)”، وفق ما ذكرته خلال لقاء صحفي في عام 2018.

ويظهر ذلك في تصريح ميلوني حول الوجود الروسي في سوريا، إذ قالت إن روسيا جزء أساسي من الحل في سوريا، ويجب أن تلعب دورًا مهمًا في ذلك.

الأكاديمي السوري- الكندي د. فيصل عباس محمد، قال لعنب بلدي، إن الخطوات الإيطالية تجاه النظام السوري مرتبطة بطبيعة الائتلاف الحاكم، إذ إن ميلوني تقود تحالفًا يضم أقصى أحزاب اليمين الإيطالي.

وتؤيد ميلوني وحزبها النظام السوري من منطلق أيديولوجي يناصب العداء للمسلمين عمومًا، وللحركات الإسلامية الجهادية بشكل خاص، ويرى أن النظام السوري وحلفاءه يخوضون حربًا ضد “الإرهاب والتطرف الإسلامي”.

وتتفق سكالينجي مع ما ذكره د. فيصل عباس محمد، إذ ترى ميلوني وحزبها أن نظام الأسد هو المدافع عن الحقوق المسيحية في الشرق الأوسط.

وأضافت أنه لطالما دعت هذه القوى السياسية والدينية إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية الإيطالية- السورية، لافتة إلى أن معظم المنظمات التي تتعامل مع النظام السوري جزء من الكنيسة الكاثوليكية والأحزاب والحركات السياسية الإيطالية اليمينية.

كما يرجح المدير التنفيذي لـ”GSA”، جورجيو كافيرو، أن تسعى الحكومة الإيطالية الحالية إلى التقارب مع سوريا أكثر من الحكومة السابقة، بسبب انتمائها إلى اليمين المتظرف، لافتًا إلى أن ذلك لن يكون بوقت قريب.

في المقابل، ذكر تقرير لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، في 2019، بعنوان “استهداف أماكن العبادة المسيحية في سوريا تهديد للتراث العالمي”، أن قوات النظام السوري مسؤولة عن 61% من عمليات استهداف أماكن العبادة المسيحية.

مقيّدة بخطوط حمراء

يواصل الاتحاد الأوروبي إظهار موقفه الثابت الرافض للتطبيع مع النظام السوري دون تنفيذ كامل لقرار مجلس الأمن رقم “2254”، ما يثير تساؤلات حول قدرة إيطاليا على اتخاذ خطوات تقارب جدية وواضحة مع النظام السوري.

استبعد د. فيصل عباس محمد أن تقود الإشارات المختلطة من قبل الحكومة الإيطالية تجاه النظام السوري والاتصالات المتبادلة إلى تطبيع مع النظام السوري.

وأرجع ذلك إلى أن التطبيع سيغضب حلفاء إيطاليا في الاتحاد الأوروبي الذي تشكّل ركنًا أساسيًا فيه، وفي حلف “الناتو” الذي تقوده الولايات المتحدة، وهؤلاء الحلفاء يرفضون التطبيع السياسي مع نظام ما زالوا يؤكدون أن “سجله حافل بالأعمال الإجرامية”.

ورغم موقف ميلوني السابق من النظام السوري، تحاول أن تسلك سياسات خارجية لا تتعارض كثيرًا مع الاتحاد الأوروبي، وفق ما قاله فيصل عباس محمد، في إشارة إلى تراجع تأييد ميلوني العلني للنظام السوري، وموقفها الداعم لأوكرانيا بعد الغزو الروسي.

“خطوات حكومة ميلوني باتجاه النظام، لن تتجاوز، على الأرجح، الخطوط الحمراء الأوروبية والأمريكية، ولكنها سترضي، بدرجة أو بأخرى، اليمين المتحالف معها والناخب الإيطالي المسيحي الذي توحي إليه قوى اليمين الإيطالي أن النظام السوري يحمي الأقليات في سوريا”

فيصل عباس محمد

الدكتور في الدراسات الشرق أوسطية

في المقابل، ترى الناشطة الإيطالية المهتمة بالشأن السوري فرانشيسكا سكالينجي، أن عضوية إيطاليا بالاتحاد الأوروبي لا تلغي كونها دولة ذات سيادة.

واعتبرت سكالينجي أن خطوات إيطاليا بالتقارب مع النظام يمكن أن تصل إلى حد إعادة فتح السفارة السورية في روما والسفارة الإيطالية في دمشق، مشيرة إلى أن ذلك لن يكون في وقت قريب.

وتعد علاقة إيطاليا بالولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية عاملًا رئيسًا يفسر سبب عدم إعطاء الشرعية الكاملة للنظام السوري من قبل إيطاليا، وتجنب إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات الدبلوماسية مع نظام دمشق، وفق ما قاله المدير التنفيذي لـ”GSA”، جورجيو كافيرو.

وأظهرت إيطاليا خلال السنوات الماضية العديد من المواقف الإيجابية تجاه النظام السوري، إذ عارضت  ميلوني عام 2018، بعد مجزرة “الكيماوي” التي ارتكبها النظام السوري في منطقة دوما بريف دمشق، الاتهامات الموجهة ضد النظام من قبل المجتمع الدولي قائلة، “مرة أخرى لا يوجد دليل ملموس، نحن نتخوف من أن طرفًا ما يبحث عن ذريعة لبدء حرب جديدة”.

تلا ذلك زيارة وفد من النواب والسياسيين الإيطاليين برئاسة السيناتور باولو روماني، في عام 2019، ولقاؤه رئيس النظام السوري، بشار الأسد، للحديث عن واقع سوريا والمسار السياسي وإعادة الإعمار.

جاء ذلك بعد أن أعلنت وزارة الخارجية الإيطالية أنها تعمل على تقييم الوضع في سوريا، لمعرفة ما إذا كان بالإمكان إعادة فتح سفارتها في دمشق، في كانون الثاني 2019، مشيرة إلى أن استقرار الوضع هناك “لا يزال شرطًا أساسيًا لفتح السفارة”، بينما ظلّت سفارتها مغلقة حتى العام الحالي.

وكانت السفارات الإيطالية والفرنسية والبريطانية أُغلقت في دمشق، مطلع عام 2012، احتجاجًا على ممارسات النظام القمعية بحق الشعب السوري، في أثناء الثورة السورية عام 2011.

مقالات متعلقة

  1. مساعدات الزلزال مستمرة إلى دمشق.. الاتحاد الأوروبي على الخط
  2. عشر دول أوروبية تعلن استعدادها لإرسال مساعدات إلى سوريا
  3. تحمل 120 طنًا.. أول طائرة مساعدات أوروبية تهبط في دمشق
  4. زلزال يضرب اسطنبول.. الهلال الأحمر يحذر من ارتدادات لأسبوعين

سوريا

المزيد من سوريا