لم ينعقد اجتماع نواب وزراء خارجية سوريا وتركيا وروسيا وإيران بموسكو، في 15 و16 من آذار الحالي، كما كان مفترضًا، عقب سلسلة مواعيد حُددت سابقًا، ثم أُجلت لأسباب مجهولة.
وقالت صحيفة “صباح” التركية، الخميس 16 من آذار، إن الوفد التركي وصل، الأربعاء، إلى موسكو برئاسة نائب وزير الخارجية، بوراك أكجابار، للمشاركة في الاجتماع، الذي يعد بمنزلة “اجتماع تمهيدي” للقاء لاحق على مستوى وزراء الخارجية.
عقب وقت قصير من تحديد الصحف التركية نقلًا عن مسؤولين أتراك موعد اللقاء، نقلت وكالة “رويترز” عن مصدر تركي (لم تسمِّه) أن اجتماع نواب وزراء خارجية أُجّل إلى موعد غير محدد، “لأسباب فنية”، دون تقديم تفاصيل أخرى.
ورغم تجاوز النطاق الزمني الذي تحدث عنه الجانب التركي لعقد الاجتماع، لم يُعلَن عن أي لقاء بين الجانبين، دون أي توضيحات رسمية حتى لحظة تحرير هذا الخبر.
إلغاء موعد لقاء في إطار التقارب بين تركيا والنظام السوري لا يعتبر الأول من نوعه، إذ كان من المفترض أن يُرفع مستوى اللقاء بين الطرفين في كانون الثاني الماضي، لكن الموعد أُجّل أيضًا لأسباب غير معروفة.
كيف تنظر الأطراف إلى التقارب
من خلال تصريحاته التي أطلقها من موسكو، طرح رئيس النظام السوري، بشار الأسد، شروطه لرفع مستوى التواصل الدبلوماسي مع تركيا، وفي الوقت نفسه، أشار إلى أن هذا الملف بالنسبة لتركيا متصل بالانتخابات الرئاسية المقبلة في البلاد.
وفي تصريحات نقلتها وكالة “سبوتنيك” الروسية، تحدث الأسد عن شروط “استعادة كامل الحقوق السورية، واستعادة الأراضي المحتلة، واستعادة سيادة الدولة السورية كاملة”، وهو الهدف من تقاربه مع تركيا.
وبالنسبة للأسد، فإن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يضع الانتخابات الرئاسية في أولوياته فيما يتعلق بملف تقارب الطرفين، بحسب ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية المقربة من النظام.
وسبق أن قالت وكالة “رويترز” للأنباء، في كانون الأول 2022، إن النظام السوري “يقاوم الجهود الروسية للتوسط في قمة مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان”، بعد أكثر من عقد من العداء بين الطرفين.
وأضافت نقلًا عن عن ثلاثة مصادر دبلوماسية سورية، لم تسمِّها، أن مثل هذا الاجتماع “قد يعزز موقف أردوغان قبل الانتخابات التركية المقبلة”، خاصة إذا تناول هدف أنقرة بإعادة اللاجئين السوريين من تركيا.
بينما ورد في الإعلان الأحدث لجريدة “صباح” التركية، حول موعد لقاء نواب وزراء خارجية الدول الأربع في موسكو، أن الملفات التي ستناقشها تركيا في الاجتماع، هي زيادة التعاون في “مكافحة الإرهاب”، ومحاولة مواصلة محادثات اللجنة الدستورية السورية.
وستفتح أنقرة أيضًا موضوع تسهيل “العودة الطوعية” للاجئين السوريين، بحسب التقرير الذي أشار إلى أن المعارضة السورية على علم بتحركات تركيا بشأن تواصلها مع النظام، بصفتها “الضامن”، وأن هذه التحركات لن تتعارض مع حقوق المعارضين السوريين.
مقامرة في الانتخابات التركية
الباحث والصحفي التركي ليفينت كمال، قال لعنب بلدي، إن الأسد يحاول تأجيل المحادثات التي توسطت فيها روسيا مع تركيا إلى ما بعد الانتخابات، على أمل أن يخسرها أردوغان، وهو ما سيمكنه من صنع سلام “غير مشروط” مع الإدارة الجديدة.
هذا التصور بالنسبة للنظام السوري سببته رسائل المعارضة التركية بشأن سوريا على مدار السنوات الماضية، بحسب كمال.
ومع النظر إلى أن المعارضة التركية المتمثلة بأحزاب “الطاولة السداسية” تعتبر مقربة من الغرب أكثر من الحكومة الحالية، لكن تصريحاتها، التي صدرت منذ سنوات، تحت عنوان “سنصنع السلام مع الأسد”، حملت هذا البعد.
وحول اللقاء المرتقب بين الأسد والرئيس التركي، قال عضو مجلس الأمن والسياسة الخارجية في الرئاسة التركية، تشاجري إرهان، مطلع آذار الحالي، إن حدوث اللقاء قبل الانتخابات الرئاسية في تركيا، المقررة في 14 من أيار المقبل، أمر “غير مرجح”، مضيفًا أن أردوغان لا يعارض مثل هذا الاجتماع من حيث المبدأ، لكن ظروف “الزلزال المدمر غيّرت كل شيء”.
تبع ذلك بأيام حديث وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن اجتماع رباعي على مستوى نواب وزراء الخارجية في موسكو الأسبوع المقبل، بمشاركة النظام السوري، وتركيا، وروسيا، وإيران.
مواقف مُعلَنة
صرح الأمين العام لحزب “وطن” (Vatan Partisi)، أوزغور بورسالي، في 17 من آب 2022، عن نية حزبه إرسال وفد إلى سوريا، ولقاء رئيس النظام، بشار الأسد، وشخصيات “رفيعة المستوى”، وهو ما رفضه النظام لاحقًا.
من جانبه، أعلن رئيس حزب “الديمقراطية والتقدم”، علي باباجان، في ذات اليوم، أن الحزب مستعد للقاء جميع الأطراف، وخصوصًا النظام السوري، وروسيا، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، لضمان الأمن في سوريا، وتهيئة الظروف لعودة السوريين إلى بلادهم.
رئيس حزب “المستقبل” التركي، أحمد داوود أوغلو، قال، في 13 من الشهر نفسه، إن اللقاءات التركية- السورية “ممكنة وفق ثلاثة أهداف سياسية”، أولها إظهار النظام إرادة الصلح مع شعبه، وسيطرته على الحدود مع تركيا، ووجود “رسالة إيجابية” من النظام بالنسبة لتركيا.
في حين يعارض حزب “الشعب الجمهوري” (أكبر حزب معارض) موقف حكومة “العدالة والتنمية” المناهض للنظام السوري، ويرى أن التطبيع مع النظام ضرورة لضمان عودة اللاجئين، وأنه جاهز لتحقيق هذا التطبيع في حال فوزه بالسلطة، وسبق أن قال رئيسه كليجدار أوغلو، “سأقوم بتأسيس مبادرة السلام في الشرق الأوسط، بالتعاون بين تركيا وإيران والعراق وسوريا”.
بينما لا يختلف موقف حزب “الحركة القومية” التركي عن موقف “العدالة والتنمية”، كونه حليفًا له في مشواره الانتخابي منذ سنوات، إذ أصدر بيانًا منتصف آب 2022، واصفًا خطوات تقارب تركيا مع النظام بـ”القيمة والدقيقة”.
أما الحزب “الجيد” التركي فيعتبر من أكبر الداعين إلى إجراء محادثات مباشرة مع النظام السوري، لكونه يعتقد أن هذه المحادثات تفتح الباب أمام السوريين للعودة إلى بلدهم، وسبق أن خاطبت رئيسته، ميرال أكشنار، أردوغان بالقول، “إذا لم تكن راغبًا في الحديث مع الأسد، فأرسلني إليه لأتحدث معه، كي يأخذ شعبه”.
–