عنب بلدي – جنى العيسى
ضاعف الزلزال المدمر الذي ضرب أربع محافظات سورية في 6 من شباط الماضي، أزمة الإيواء والسكن التي نشأت خلال السنوات الماضية في معظم المحافظات السورية، الأمر الذي سيترك أثره على سوق العقارات على المدى الحالي والمستقبلي.
وخلال السنوات الماضية، أدى ارتفاع أسعار مواد البناء ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة، بالإضافة إلى انعدام القوة الشرائية لدى المقيمين في مناطق سيطرة النظام، إلى جمود في حركة سوق العقارات، رافقه ارتفاع كبير في العرض لا يتوازى مع الطلب، لأسباب عديدة أبرزها الرغبة بالهجرة.
تعد مؤشرات تأثر السوق العقارية في سوريا سلبًا بالزلزال عديدة، دون حلول تلوح في الأفق للأزمة الحالية، ويفتح جمود وركود السوق لسنوات سابقة الباب أمام تساؤلات حول المقومات التي تجعلها قادرة على تلبية احتياجات السكن والإيواء التي نتجت عن الزلزال.
عوامل نفسية وهندسية
في مقال للرأي نشره موقع “المدن” نهاية شباط الماضي، للباحث السوري إياد الجعفري، اعتبر أنه بناء على تجارب سابقة في الأسواق العقارية بمناطق متضررة بكوارث طبيعية، خاصة الزلزال، عادة ما ينخفض الطلب على العقارات.
ويرتبط انخفاض الطلب بأسباب نفسية تتعلق باهتزاز الثقة بمتانة العمران، وقدرته على حماية أرواح قاطنيه في حالة حدوث الزلزال، بحسب الباحث.
الأستاذ المُنتسِب في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا، والمشارك في مشروع “زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا”، الدكتور جوزيف ضاهر، قال لعنب بلدي، إن ركود السوق العقارية لعوامل نفسية يمكن أن يكون لفترة مؤقتة فقط، وبعد مرور هذه الفترة، ستعود سوق العقارات للتأثر بالعوامل المتأثرة بها لسنوات سابقًا.
وأوضح ضاهر أن وضع السوق العقارية في سوريا لم يتغير أو يختلف كثيرًا عما هو عليه قبل كارثة الزلزال، في حركة شراء العقارات، لكن ما سيتغير يتعلق بحركة الإيجارات، التي سترتفع قيمها خاصة في المناطق المتضررة بشكل مباشر من الزلزال.
الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، قال لعنب بلدي، إنه على المدى المستقبلي، وفي حال اتباع منهجية في بناء الأبنية وفق معايير الزلزال، فإن سوق العقارات ستشهد ركودًا وجمودًا أكبر، نتيجة ارتفاع تكاليف العقارات وبالتالي ارتفاع أسعارها متأثرة بمعايير البناء النموذجية.
سوريا حالة خاصة
بحسب موقع “Aceable Agent” المختص بالتعليم العقاري، لا توجد دائمًا علاقة واضحة بين الكوارث الطبيعية واستجابة سوق العقارات، إذ قد تؤدي أي كارثة طبيعية إلى انخفاض أسعار المساكن بسبب المباني المتضررة والخوف من تكرارها، لكن هذه الحال ليست دائمة.
ووفق الموقع، تعتبر أبرز العوامل التي تحدد رد فعل سوق العقارات على الكوارث الطبيعية، مدى الضرر الذي أحدثته في الأبنية، وحجم الضرر في المكان نفسه، وحجم الطلب على الموقع الجغرافي المتضرر، بالإضافة إلى سياسات وممارسات التأمين ضد الكوارث.
من جهته، اعتبر الدكتور جوزيف ضاهر أن تأثر سوق العقارات في سوريا بسبب الزلزال يعد حالة خاصة، نتيجة الحرب التي تعانيها منذ 12 عامًا.
وتعد المناطق المنكوبة في سوريا (حلب، إدلب، اللاذقية) مناطق متضررة قبل الزلزال المدمر، وتعاني بشكل دائم ارتفاعًا في قيم الإيجارات نتيجة وصول أعداد كبيرة من النازحين إليها، كما تعتبر معظم مناطقها متضررة أو مدمرة بشكل شبه كامل نتيجة العمليات الحربية التي تعرضت لها في وقت سابق.
مستقبل “قاتم”
تعد حركة شراء العقارات بالنسبة للمقيمين في سوريا محدودة لسبب رئيس، يتمثل بأسعارها المطروحة التي لا تتناسب مع القدرة الشرائية للناس، بينما يبقى الطلب على إيجارات العقارات خاصة السكنية منها مرتفعًا، نتيجة الأعداد الكبيرة للنازحين داخليًا، ومؤخرًا الحاجة إلى الإيجار لمن دُمرت منازلهم بسبب الزلزال.
ووسط غياب الخطة الحكومية الواضحة لدى النظام السوري، لجهة تأمين المساكن لمتضرري الزلزال، مع الحاجة الكبيرة لذلك، يرى الباحث إياد الجعفري أن المشهد المستقبلي يبدو “غاية في القتامة”.
ويبدو مستقبل السوق العقارية في سوريا نحو المزيد من الركود، وانهيار الأسعار، والعمران العشوائي المنافي للمواصفات الفنية المطلوبة لمقاومة حتى أبسط الهزات الزلزالية، في ظل تلاشي أي ثقة بقطاع التشييد السوري تسمح بالرهان على عودة استثمار المغتربين في هذا القطاع بوقت قريب، وفق الباحث.
في ظل هذه المعطيات، يرى الدكتور جوزيف ضاهر أن السوق العقارية في سوريا تحتاج حاليًا إلى العديد من المحددات، لضمان عدم تدهورها أكثر، وأن تكون قادرة على تلبية الاحتياجات التي نشأت عن الزلزال.
وتتمثل تلك المحددات، بما يلي:
1. تقنين وتطوير وتنظيم العشوائيات التي تمثّل ما بين 30 و40٪ من إجمالي عدد المساكن وتحسين بنيتها التحتية.
2. تحسين الإجراءات الأمنية لبناء المساكن.
3. الأهم من ذلك هو سياسة إسكان لمصلحة الطبقات العاملة التي تعاني نقص السكن، والإسكان الباهظ الثمن، وهذا يعني الاستثمار في الإسكان الرخيص، وتقديم تسهيلات ائتمانية تتيح لعائلات الطبقة العاملة تحمل تكاليف إيجار منازل قليلة التكلفة، وتنفيذ سياسة ضبط أسعار إيجار المساكن للطبقات الشعبية.
وبحسب أحدث إحصائية صادرة عن حكومة النظام، وصل عدد المباني التي انهارت بشكل مباشر في المحافظات المنكوبة لحظة وقوع الزلزال إلى 199 مبنى سكنيًا، دون أن يُعرف حتى الآن حجم الدمار الذي لحق بالمنشآت الصناعية والمعامل وغيرها من الورشات.
ومنذ اليوم الأول، بدأت حكومة النظام بتشكيل لجان فنية للكشف الهندسي في المحافظات التي ضربها الزلزال، لتقييم حالة المباني التي تضررت بشكل جزئي، تقرر إثر ذلك هدم 292 مبنى كان آيلًا للسقوط.
وتوصلت الحصيلة الأحدث حول نتائج الكشف إلى وجود أربعة آلاف و444 مبنى غير آمن وغير قابل للتدعيم، بينما بلغت أعداد المباني التي تحتاج إلى تدعيم لتصبح آمنة للعودة 29 ألفًا و751 مبنى، وعدد المباني الآمنة التي تحتاج إلى صيانة 30 ألفًا و113 مبنى، بحسب تقرير صادر عن “اللجنة العليا الإغاثية” التي يترأسها وزير الإدارة المحلية والبيئة، حسين مخلوف، في 2 من آذار الحالي.