انتبهوا إلى العلاقات الأسرية بعد الكوارث

  • 2023/03/12
  • 1:10 م
صفوان قسام

صفوان قسام

صفوان قسام

تتكون الأسرة من أب وأم وأطفال، وفي نموذج الأسرة السورية قد يكون للأب أكثر من زوجة، وربما يعيشون معًا، ويضاف إليهم الجد والجدة والإخوة وزوجاتهم وأطفالهم أيضًا. وقد دفعت الأوضاع الأمنية التي عاشها الشعب السوري، وعمليات التهجير والنزوح، الكثير من الأسر إلى ترك منازلها الخاصة والتجمع في منازل جماعية كحل مؤقت أو وحيد حينها.

الزلازل كالحروب، تعتبر من الأزمات التي تعصف بالمجتمعات وتفرقها، ولها أثر عميق جدًا في المجتمع ومؤسساته وبنيته وأسره وأفراده، ففي كثير من المواقف يجد الأب نفسه خائفًا بينما العيون شاخصة إليه، تراقبه كيف سيتصرف، وهو ربما يشعر بالعجز تجاه موقف أقوى منه، وربما كانت لديه الحكمة والجرأة والسرعة لينقذ الموقف، أو تجد الأم نفسها تحمل رضيعها أو طفلها وتجري من فورها خارج المنزل غير عابئة سوى بسلامته.

كلها ردود فعل تختلف من شخص لآخر، حسب الموقف والخبرة والشخصية والقدرة على التحكم بالظروف. وربما فقدت العائلة بعضًا من أفرادها أو المقربين، وربما منزلها ورزقها، ناهيك بالصدمة النفسية التي تصيب كل الأفراد، بنسب متفاوتة.

كلها سيناريوهات محتملة تصيب العلاقة داخل الأسرة بكثير من الخلل، وقد تؤدي إلى زعزعتها أو تفككها أيضًا، نتيجة لردود الفعل النفسية التي تصيبنا بعد الكارثة.

يشيع في مجتمعنا ألا يفصح الرجال عادة عن مشاعرهم، لاعتبارات اجتماعية، بغض النظر عن صوابية هذه الثقافة. يقولون إن الرجل يجب أن يكون صلبًا شجاعًا لا يخشى شيئًا، ولأنه بنظر أسرته يجب أن يكون كذلك، فإن أبدى شيئًا من خوفه وتوتره وقلة حيلته، انعكس ذلك على شعور الأسرة بالأمان، لأنه مصدر أمانهم. وذلك يرتب عليه عبئًا نفسيًا كبيرًا سيظهر على تصرفاته وردود فعله، ولا سيما إن ترافق بغياب المحيط الاجتماعي الداعم، أو تعرضه لموقف صادم خلال محاولته النجاة وإنقاذ من حوله، كفقده لشخص عزيز، أو تعرضه هو أو عائلته لخطر وشيك. سمعنا عبارات من نوع: عشنا ظروف الحرب في سوريا، والقصف والبراميل، لكننا حتى اليوم لا نعرف ما هو مرعب أكثر من الزلزال.

تحدثنا في مقالات سابقة نُشرت في جريدة عنب بلدي عن أعراض نفسية تصيب الإنسان عند تعرضه لحدث صادم يهدد سلامته أو سلامة من يحب، وإن لم تلقَ ردود الفعل هذه اهتمامًا وعناية مناسبة، فإنها قد تؤثر على المصاب وجميع من حوله، وربما تتطور لتحدث مشكلات في العمل والعلاقات الاجتماعية، لذا من المهم القيام ببعض الأنشطة اليومية التي تساعد على التشافي.

على أفراد الأسرة أن يكونوا واعين للحالة النفسية التي تصيب الإنسان عند الصدمة، وعدم البناء عليها واتخاذ أي قرارات مصيرية مبنية على انفعالات، كالطلاق والانفصال أو البيع والشراء، خصوصًا عند الغضب.

قد نجد ردود فعل تشيع بشكل أكبر عند جنس أكثر من غيره، كالغضب والعصبية عند الرجال، والحزن والانطواء عند النساء، وكثرة الحركة وزيادة العنف عند الأطفال، ونجد نقصًا في التركيز والنسيان عمومًا، واضطرابًا في النوم والأكل، وهذا كله يفاقم المشكلات ويخرب المزاج ويؤثر على السلوك، وهو ما ينعكس على العلاقة داخل الأسرة، فالأب يصب غضبه على العائلة، والأم تصرخ على الأطفال، خصوصًا إن كان لديهم زيادة في الحركة، والأطفال يضايقون بعضهم أو يقومون بإتلاف الأشياء مثلًا، فيصبح جو المنزل متوترًا، وقد يترافق برد فعل تجاه المنزل نفسه، لأنه ارتبط بالحادثة فيشعر الجميع بعدم ارتياح فيه، أو يشعر بعضهم أن سريره مثلًا غير مريح، رغم أنه لم يشتكِ منه سابقًا، وكله ينعكس على الارتياح والاكتفاء العاطفي الذي يجب على الأسرة أن تشبعه.

إن اختلال روتين الأسرة، وتعرضها لظروف تؤثر على استقرارها، يزيد من توتر أفرادها، وقد تصل الأمور إلى حد العنف بكل أشكاله، وهذا الأمر لا يوجد فيه مجتمع معصوم، فكل المجتمعات مهما بلغت ثقافتها اللاعنفية قد تبدي سلوكيات عنيفة في ظروف معيّنة، وقد شاهدنا مثلًا ارتفاع نسبة العنف الأسري وعنف الأزواج والشركاء في أوروبا خلال الحجر الصحي فترة “كورونا”، فالجميع متوتر وخائف وآخذ أقصى درجات حذره، مع زخم إعلامي يأخذ شكل التخويف وليس التوعية.

الناس يصبحون مجبرين على البقاء في المنزل، والامتناع عن التواصل جسديًا مع الآخرين والقيام بأنشطتهم المعتادة، وربما قضاء المزيد من الوقت في مكان واحد، ما يدفعهم للتدخل في أمور لم تكن ضمن اهتمامهم، كطريقة إعداد الطعام، أو ترتيب الأشياء، أو طريقة لعب الأطفال أو كثرة احتياجاتهم. كل ذلك مع الوقت يُشعر الأسرة بأنها تراقب بعضها، ما يضعف الإشباع العاطفي والارتياح، ويبالغ في ردود الفعل التي تحتقن لتنفجر على شكل عنف. ولأسباب قد تكون أقل من عادية، حصلت بالفعل العديد من حالات الانفصال الأسري، والاستقالات من العمل، والعنف والجرائم.

راقبوا تصرفاتكم بهدوء، قيّموها، تعرفوا إلى الأسباب التي تجعلكم تتصرفون كذلك، اكتشفوا مشاعركم التي ترافق أفعالكم، وفي النهاية تعرفوا إلى احتياجاتكم التي تكمن وراء مشاعركم وتصرفاتكم.

اسألوا بقية أفراد الأسرة: هل تغير شيء في أفعالنا؟ ناقشوهم بسلوككم، حاولوا أن تبقوا الموضوع في سلوككم بهدف التعرف إلى ردود الفعل غير المناسبة لتصحيحها وتوضيحها للآخر.

لا تقلبوا الحوار إلى معركة تبادل للاتهامات مع شركائكم وأطفالكم، تفهموا أن أطفالكم يحتاجون إلى الحركة فنظموا لهم وقتًا مناسبًا يتناسب مع الوقت الذي تحتاجون إليه لترتاحوا أو العكس.

اتفقوا على ألا تتناقشوا وأنتم غاضبون، إن خرج أحدكم عن طوره، تذكروا أنه على غير طبيعته، فلا تقابلوا أفعاله بسلوك مشابه أو ترفعوا من صوتكم، تقبلوه حتى يهدأ. وعندما يرفع أطفالكم صوتهم وهم يتكلمون معكم بغضب، اخفضوا صوتكم سترون أنهم يخفضونه تلقائيًا.

وراء كل تصرف احتياج معيّن، فكروا باحتياجاتكم وباحتياجات الآخر، وحاولوا تقبّلها والتفاهم على أسس تلبيتها.

إن خرجت الأمور عن السيطرة، استشيروا اختصاصيًا اجتماعيًا أو اختصاصيًا في العلاقات الاجتماعية، فهي اختصاص مستقل لا يستطيع الجميع الخوض فيه، قد ينهي علاقة قابلة للإصلاح، وقد يجبر علاقة مكسورة على خطأ، فيتسبب بوقوع حيف على أحد طرفيها، كونوا حذرين فيمن تستشيرون.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي