عنب بلدي – أحمد ديب
أعاد الحديث عن زيارة الأسد المرتقبة إلى موسكو الحديث مجددًا عن ملفات عديدة، أبرزها التقارب التركي- السوري، الذي توقف بسبب الزلزال الذي ضرب تركيا في 6 من شباط الماضي.
عقب الإعلان عن زيارة الأسد إلى موسكو، كشف وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن عقد اجتماع رباعي على مستوى نواب وزراء الخارجية في موسكو الأسبوع المقبل، بمشاركة النظام السوري وتركيا وروسيا وإيران.
عدم تعليق النظام السوري و”الكرملين” على أسباب زيارة بشار الأسد إلى روسيا، فتح الباب أمام تساؤلات بشأن أهمية الزيارة، والمواضيع التي ستناقَش خلال وجود الأسد في موسكو.
وتعد الزيارة المرتقبة إلى موسكو الخامسة من نوعها بعد اندلاع الاحتجاجات في سوريا، وهي الزيارة الأولى التي يُعلَن عنها قبل حدوثها.
ثلاثة ملفات.. التقارب أبرزها
قال المتحدث باسم “الكرملين”، ديمتري بيسكوف، إن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، يخطط لزيارة روسيا، مشيرًا إلى أن موعد الزيارة سيعلَن عنه في وقت محدد، لأسباب “أمنية”، بحسب ما نقلته وكالة “نوفوستي” الروسية، في 6 من آذار الحالي.
تصريحات بيسكوف جاءت بعد ساعات من تعليق نقلته صحيفة “فيدوموستي” الروسية من مصدر مقرب من إدارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، جاء فيه أن الأسد سيصل في زيارة رسمية إلى موسكو منتصف آذار الحالي، وقد يكون في استقباله بوتين.
ولم يعلّق “الكرملين” على أسباب زيارة الأسد إلى موسكو، بينما نقلت الصحيفة عن خبراء روس قولهم، إن القضايا الإنسانية والعلاقات الدولية ستكون على أجندة هذه الزيارة.
الباحث الأول في مركز دراسات الشرق الأوسط نيكولاي سوركوف قال، إن القضايا الرئيسة التي ستكون على جدول أعمال المفاوضات بين دمشق وموسكو، المساعدات الإنسانية بعد الزلزال، وإمدادات الوقود، وجذب الاستثمارات إلى سوريا، وقضايا التجارة الثنائية، بالإضافة إلى العلاقات السورية- التركية التي تجري مفاوضاتها بوساطة روسية.
من جهته، يرى الخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسي كيريل سيميونوف، أن النظام سيحاول الحصول على مساعدات من روسيا لحل أزمة الوقود، بعد تعرضه لضغوط إيرانية تتعلق برفع سعر المنتجات النفطية وعدم بيعها بالدَّين، بالإضافة إلى طلب مساعدات للتعامل مع الأضرار التي خلّفها الزلزال، وقد يتضمن اللقاء الحديث عن تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة.
المحلل السياسي السوري المختص بالشأن الروسي محمود الحمزة، قال لعنب بلدي، إن زيارة بشار الأسد هي جزء من الجهود التي تبذلها روسيا من أجل التقارب السوري- التركي، موضحًا أن النظام السوري غير متحمس للتقارب مع أردوغان.
كما اعتبر الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” نادر الخليل، في حديث إلى عنب بلدي، أن ملفات عدة ستكون على طاولة النقاش، سيكون أبرزها الملف الأساسي بالنسبة لروسيا والمتعلق بمسار التطبيع بين تركيا والنظام بشكل خاص قبل الانتخابات التركية القريبة.
بوتين يدفع إلى التقارب
تعد زيارة بشار الأسد إلى روسيا الأولى من نوعها، بعد الحديث عن تقارب تركي- سوري بوساطة روسية، بدأ بلقاء وزراء الدفاع التركي والروسي والسوري بالعاصمة موسكو، في 28 من كانون الأول 2022.
وحول اللقاء المرتقب بين الأسد والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قال عضو مجلس الأمن و السياسة الخارجية في الرئاسة التركية تشاجري إرهان، في 6 من آذار الحالي، إن حدوث اللقاء قبل الانتخابات الرئاسية في تركيا، المقررة في 14 من أيار المقبل، أمر غير مرجح، مضيفًا أن أردوغان لا يعارض مثل هذا الاجتماع من حيث المبدأ، لكن “الزلازل المدمرة غيرت كل شيء”، بحسب قوله.
ويعتقد المحلل محمود الحمزة، أن روسيا استدعت بشار الأسد، وفرضت عليه بعض المواقف التي ستُطرح في اجتماع نواب وزراء الخارجية، معتبرًا أن اجتماع نواب وزراء الخارجية في روسيا الأسبوع المقبل لن يتقدم إلى الأمام دون موافقات من القيادات السياسية.
وقال الحمزة، إن الرئيس الروسي هو من استدعى بشار الأسد، ويريد أن يأخذ منه تعهدات في مواضيع، ويفرض عليه حلولًا معيّنة.
“من المحتمل أن بوتين يُحضّر لاجتماع قمة بين أردوغان وبشار الأسد والرئيس الإيراني”، أضاف المحلل السياسي، لافتًا إلى أن النظام السوري لا يرغب بأن يفوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لأن المعارضة التركية أقرب له من أردوغان.
ويعتبر الباحث نادر خليل أن روسيا أكثر ميلًا وتقبًلا لفوز الرئيس التركي بالانتخابات المقبلة، وترغب بتحقيق تقدم في مسار التقارب السوري- التركي “حتى لو كان شكليًا”، ليستطيع أردوغان استغلال التقارب في الانتخابات التركية، على حد قوله.
وأضاف أن الأسد يحاول التمنع عن أي لقاء أو تقدم في مسار التقارب مع تركيا، حتى لا يكون التقارب ورقة رابحة يستفيد منها أردوغان في الانتخابات التركية.
وبالتزامن مع زيارة بشار الأسد إلى سوريا، يُعقد اجتماع رباعي على مستوى نواب وزراء الخارجية في موسكو الأسبوع المقبل، بمشاركة النظام السوري وتركيا وروسيا وإيران.
وخلال مؤتمر صحفي مع نظيره السوري، فيصل المقداد، قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، “إن المحادثات الثنائية والحوارات في المنطقة هي الحل الوحيد للأزمات، ونرحب بالاجتماعات الرباعية المرتقبة في موسكو بهدف الوصول إلى تعاون متزايد والخروج من هذه الأزمات”.
ورحب الأسد خلال لقائه عبد اللهيان، في 9 من آذار الحالي، بانضمام إيران إلى الاجتماعات المخصصة لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، مؤكدًا وجوب وجود “تحضير جيد للاجتماعات يستند إلى أجندة وعناوين ومخرجات محددة وواضحة”، وفق ما نقلته الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا).
وفي مؤتمر صحفي لوزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، ونظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، خلال زيارة الأخير، في 8 من آذار الحالي، إلى تركيا، قال جاويش أوغلو، في رده على سؤال صحفي حول موعد الاجتماع الرباعي، “إن الطرف الروسي عرض عقد اجتماع على المستوى الفني للتحضير لاجتماع وزراء الخارجية المحتمل”.
وأضاف أن الأسبوع المقبل سيرسل نائبه لحضور الاجتماع، مشيرًا إلى حضور إيراني أيضًا، ومؤكدًا على إمكانية عقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية في المرحلة المقبلة، عندما “يراه الجميع مناسبًا”.
لا مساعدات دون تنازلات
تشهد مناطق سيطرة النظام أزمة محروقات في الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار بشكل مستمر، وتعلن وزارة التجارة الداخلية باستمرار عن ارتفاع أسعار المحروقات.
وفي منتصف كانون الثاني الماضي، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن إيران ضاعفت السعر الذي يدفعه النظام السوري مقابل الحصول على النفط الخام.
ووفق ما نقلته الصحيفة، فإن خط الائتمان الذي سمح لسوريا في السابق بالدفع لاحقًا سرعان ما استنفد بعد أن رفعت إيران السعر من معدل 30 دولارًا للبرميل، ما دفع طهران إلى فرض رسوم مسبقة مقابل تزويد النظام بالنفط.
الباحث نادر خليل يرى أن أحد أسباب زيارة الأسد إلى روسيا، هو الحصول على دعم مالي ووقود بشكل أساسي، إذ امتنعت روسيا عن تقديم مساعدات النفط في وقت سابق، مستخدمة احتياج سوريا للنفط الخام ورقة ضغط على النظام لدفعة نحو التقارب التركي.
وتوقع الباحث أن يقدم النظام السوري تنازلات مقابل دعم روسيا، التي كانت تراهن على لقاء يجمع بين الأسد وأردوغان قبل الانتخابات التركية.
“وباختصار، الأسد يذهب إلى موسكو ليساوم على التنازلات التي سيقدمها بمسار التطبيع مع تركيا”، بحسب ما قاله الباحث خليل، مضيفًا أنه مقابل المال والوقود من روسيا، سيقدم الأسد تنازلات.
ولا تزال الولايات المتحدة تعارض التقارب مع النظام السوري، وتتوعد بفرض عقوبات على الدول المطبعة.
وذكر مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، في مراسلة إلكترونية مع عنب بلدي، حول القرار، أنه دون المساءلة لا يمكن أن يكون هناك حل دائم “للصراع”، إذ تدعم واشنطن الدور المهم للجنة التحقيق والآلية الدولية المحايدة والمستقلة لتوثيق انتهاكات القانون الإنساني الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان، والمساعدة في التحقيقات والمحاكمات الجنائية لأخطر الجرائم الدولية.
وقال المسؤول، إنه “في غياب التقدم المستمر نحو حل سياسي للصراع السوري، لن نقوم بتطبيع العلاقات مع النظام، ولن ندعم تطبيع العلاقات مع الدول الأخرى”.