المرأة السورية في عيدها العالمي
إبراهيم العلوش
في الثامن من آذار عام 1908، خرجت 15000 امرأة في نيويورك مطالبات بحقوق النساء في الحياة السياسية والاقتصادية، وفي عام 1911، طالب مؤتمر للنساء في الدنمارك باعتبار هذا اليوم يومًا عالميًا للمرأة، وتتالت المطالبات حتى اعتبرت الأمم المتحدة هذا اليوم يوم المرأة العالمي، اعتبارًا من العام 1975، ومرّ أكثر من 100 عام على تلك المطالبات، ولا تزال المرأة العربية ومعها المرأة السورية في وضع صعب، يصل أحيانًا إلى حدود العبودية.
شاركت النساء في الحياة العامة منذ أيام الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي، وأسهمن بإصدار الصحف، ودخلن قطاع التعليم الجامعي بشكل مبكر مع تأسيس الجامعة السورية في بداية القرن الماضي. ونالت المرأة السورية حق الانتخاب منذ العام 1949 أيام حسني الزعيم، وتزايدت نسب تعليم النساء، وعلى الرغم من أن المرأة في الطبقات الفقيرة والريفية ظلت تعاني الاضطهاد والعمل الشاق والتمييز ضدها، فإنها سرعان ما بدأت الالتحاق بالتعليم والعمل اللذين يحفظان استقلالها أسوة بكثير من نساء المدن.
لا يعرف السوريون يوم الثامن من آذار كعيد عالمي للمرأة، بل كيوم مشؤوم على الحياة السورية بسيطرة “ثورة البعث” التي جرّت المجازر على السوريين وعلى نساء سوريا، ولم تبرز امرأة واحدة في المناصب الرسمية بكل أسف لا في الحكومات المتلاحقة، ولا في أحزاب المعارضة بمختلف مسمياتها، بما فيها الحزب “الشيوعي السوري”، حيث ورثت وصال فرحة بكداش زوجها خالد بكداش الرئيس المزمن للحزب، لتُسلم القيادة لاحقًا لابنها عمار بكداش أسوة بتوريث بشار الأسد حليف بكداش في “الجبهة الوطنية التقدمية”.
وكانت نجاح العطار، أول نائبة لرئيس الجمهورية، مجرد قلادة سياسية زائفة يتباهى بها حافظ الأسد وابنه من بعده، بأنها أخت رئيس سابق لحزب “الإخوان المسلمين” (عصام العطار) الذي لاحقته فرق الاغتيال إلى ألمانيا وقتلت زوجته. ولا ننسى بثينة شعبان كوجه أنثوي بارز من إنتاج نظام “البعث”، وكان لها دور واضح في التحريض الطائفي. ولعل أشهر امرأة سورية تداول الجمهور اسمها واخترقت ذكورية السلطة السياسية والدينية المحيطة بالنظام، هي منيرة القبيسي التي توفيت مؤخرًا عن تجمع ديني يخدم السلطة وهي في ذروة اعتدائها على السوريين منذ العام 2011.
تدهور وضع المرأة السورية بعد المكتسبات التي حققتها منذ الاستقلال، وتحوّلت مع اندلاع الثورة إلى أكبر الضحايا، حيث جعلتها ميليشيات الأسد فريسة للاغتصاب والتحرش والابتزاز على الحواجز وفي المعتقلات التي ابتلعت النساء مع أطفالهن دون رحمة.
رغم كل ذلك، انتزعت المرأة مشاركتها في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبرزت ناشطات وفنانات وطبيبات وصحفيات، في الداخل وفي المهاجر، ملأن العالم احتجاجًا على دكتاتورية الأسد مثل الدكتورة فداء حوراني وسهير الأتاسي وفدوى سليمان وبسمة قضماني ومي سكاف والدكتورة أماني بلور ووعد الخطيب وسمر يزبك… ولعل مستشفيات غوطة دمشق وحلب وحمص، والأفلام والكتب التي صدرت في مختلف أنحاء العالم من قبل نساء سوريات خير دليل على دورهن الرائد.
لا شك بأن معظم العائلات السورية توصلت إلى تفاهمات بين رجالها ونسائها، وصارت مساحة الاختيار للنساء أكبر، وصارت الابنة في كثير من العائلات لا تقل أهمية عن الابن، ولكن ثمة من لا يزال يتاجر بالقيم القبليّة والتطرف الديني، وبالخوف من المجهول، من أجل استغلال المرأة وإجبارها على وقف تعليمها والزواج المبكر (وزواج القاصرات). وأحيانًا، نجد أن العائلة الصغيرة موافقة على منح الحرية لابنتها في الاختيار، ولكن الوسط العائلي والجوار يضغط على العائلة للحفاظ على الجو المحيط من عادات استغلال النساء، خاصة في المجتمعات الصغيرة والمنغلقة.
النساء السوريات في المهاجر، ورغم العثرات في اللغة وفي فهم الحياة الجديدة، قدّمن الكثير من الاستقلالية لأنفسهن، وقدّمن لعائلاتهن المساعدات والإنجازات في التعليم، والعمل، وحرية الاختيار التي تضمنها القوانين في البلدان الأوروبية المتحررة بالنواحي الاجتماعية والإنسانية، وقد أصبح الكثير منهن قدوة للنساء اللواتي لا يزلن في سوريا أو في المهاجر الأقل تقدمًا، التي تعج بأخبار قتل النساء بذريعة الحفاظ على الشرف!
لا يزال العبء الأكبر في العائلة يقع على النساء، ولا تزال المرأة هي سفينة النجاة لكثير من عائلاتنا، وهي تعبر المآسي التي ألحقها نظام الأسد بالسوريين، بالإضافة إلى وباء “كوفيد- 19″، و”الكوليرا”، والجوع، والزلزال الأخير، ولكن المرأة ظلت منارة حياتنا، ومصدر فرح وأمل لنا، وهي تستحق العيد في يومها العالمي، وتستحق منا أن نكرّمها في عيدها، ونضعها في مكانتها كإنسانة لها أحلامها، ولها شخصيتها المستقلة، فالمجتمع الحر لا يمكن بناؤه في ظل العبودية، والأحرار هم وحدهم القادرون على بناء حياة حرة ونبيلة تستحق أن نحلم بها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :