مخاوف من محاولات دفعهم إلى مغادرة تركيا
قادمون من تحت الركام.. سوريون يواجهون التضييق في اسطنبول
عنب بلدي – خالد الجرعتلي
أضيفت قصة نزوح جديدة إلى حياة عائلة علا التي كانت تقيم في مدينة أنطاكيا جنوبي تركيا، حيث شهدت المنطقة دمارًا كبيرًا عقب زلزال 6 من شباط الماضي.
قررت عائلة الفتاة السورية علا جطل، وهي أسرة لاجئة، التوجه من ولاية هاتاي إلى مدينة اسطنبول بحثًا عن منزل تقيم فيه، لكن صعوبات جمّة واجهتها.
قابلنا علا عندما كانت تحاول إيصال صوتها في ندوة لمنظمات معنيّة بحقوق اللاجئين في اسطنبول، إذ وجهت خلالها نداءات للسلطات التركية، للنظر في ظروف اللاجئين بالبلاد، والسماح بتسهيلات قانونية أمامهم.
علا واحدة من مئات وربما آلاف السوريين ممن قرروا التوجه إلى اسطنبول، هربًا من الدمار الذي خلّفه الزلزال في الولايات التركية الجنوبية، لكن التعقيدات القانونية وضعت عقبات كثيرة أمامهم.
مستقبل مجهول
أكثر ما يؤرّق النازحين إلى اسطنبول من اللاجئين السوريين، شعورهم بمواجهة مستقبل مجهول تفرضه ظروف اللجوء والإقامة في تركيا، وزادت في هذا الشعور حالة النزوح الداخلي عقب الزلزال.
خلال الندوة التي حضرتها منظمات محلية ودولية معنيّة بحقوق الإنسان، روت علا الأحداث التي دفعتها وعائلتها إلى ولاية اسطنبول، علمًا أن اثنين من أفراد عائلتها هما من ذوي الإعاقة، ويحتاجان إلى رعاية طبية خاصة.
وسمحت رئاسة الهجرة التركية عقب الزلزال بأيام للاجئين السوريين من المسجلين في المناطق المتضررة إثر الزلزال، بالانتقال إلى ولاية أخرى، شرط الحصول على إذن سفر لمدة ثلاثة أشهر.
بينما لم توضح الهجرة التركية مرحلة ما بعد انتهاء إذن السفر، خصوصًا أن فترة ثلاثة أشهر لا تعتبر كافية للسماح بعودة اللاجئين النازحين إلى المناطق المتضررة.
باسل وشقيقه نجوا من تحت ركام منزلهما الذي دمره الزلزال في مدينة أنطاكيا التركية، انتقلا إلى اسطنبول للإقامة في منزل أحد الأصدقاء بشكل مؤقت.
عبّر باسل عن قلقه من المستقبل المجهول في البلاد، وقال لعنب بلدي، إنه توجه منتصف شباط الماضي إلى دائرة الهجرة في منطقة بيازيد باسطنبول لاستخراج إذن سفر، للسماح له بالإقامة بشكل قانوني في اسطنبول لمدة ثلاثة أشهر.
ورغم أن عشرة أيام مرّت على الزلزال، رفض الموظف منحه إذنًا للسفر لأكثر من شهرين، علمًا أن القرار الصادر عن رئاسة الهجرة ينص على منح السوريين إذنًا مدته ثلاثة أشهر.
باسل راوده الفضول حاله كحال السوريين الذين نزحوا نحو مدن أخرى، فسأل الموظف عن إمكانية تجديد الإذن، أو الحصول على آخر جديد بعد انتهائه، “لكن يبدوا أن لا شيء معلوم حتى بالنسبة لموظفي الهجرة”، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
تعقيدات خدمية
لا تقتصر حالة الخوف والقلق بالنسبة للسوريين القادمين إلى اسطنبول على غموض الجانب القانوني، إذ تؤثر عشوائية قرارات دائرة الهجرة على أبسط التفاصيل.
رفضت مؤسسات الكهرباء والماء التابعة لبلدية اسطنبول فتح وتفعيل العدادات وإيصال الخدمة إلى منازل بأسماء لاجئين سوريين شردهم الزلزال، قابلت عنب بلدي بعضهم، ما اضطرهم للبحث عن شخص تركي أو مسجل في اسطنبول لفتح العدادات باسمه، وكانت مبررات الموظفين أن أي قرار لم يصدر في هذا الصدد.
عمر شاب سوري جاء إلى اسطنبول قادمًا من مدينة أنطاكيا أيضًا، قال لعنب بلدي، إنه يفكر بالعودة إلى المدينة التي دُمّر مكان إقامته فيها، ليقيم في خيمة، أو حتى في الشارع، “أفضل من التنقل بين دوائر حكومية لا يعرف موظفوها ما يحصل فيها”.
إلى مزيد من التضييق
الناشط في قضايا حقوق اللاجئين طه الغازي، قال لعنب بلدي، إنه يتوقع أن ترتفع وتيرة التضييق القانوني على اللاجئين السوريين مستقبلًا.
وأرجع أسباب هذا التضييق إلى رغبة الحكومة التركية بمغادرة السوريين أراضيها، لكنها تحاول دفعهم للخروج باتجاه أوروبا، أو باتجاه سوريا، طوعًا.
وأضاف الغازي أن هذا التعقيد القانوني تجلى في بعض الحالات التي تمكّن من توثيقها خلال الأيام القليلة الماضية، إحداها ترحيل بعض العائلات عند وصولها إلى ولاية اسطنبول، علمًا أن أفرادها قادمون من المناطق المتضررة، بحجة وجود “أكواد” على قيودهم.
“الأكواد” هي رموز تطبّق على سجلات الأجانب المقيمين في تركيا، وتوضح عدة حالات، هي: تبليغ الأجنبي في بعض الحالات، أو الإشارة إلى سبب منع الدخول إلى البلاد، أو إخطاره بسبب الترحيل في حالات أخرى، بحسب مكتب “MIHCI” الحقوقي.
وتختلف أسباب وضع هذه الرموز باختلاف الحالات، وتتفاوت مدة بقاء الرموز في سجل الأجنبي، بالنظر إلى أهمية الإجراء المتخذ بحقه.
الغازي قال أيضًا، إن بعض هذه الحالات لعائلات سورية جرت في مركزي الترحيل الرئيسين باسطنبول بمنطقة توزلا، جنوب المدينة، أو في سيليفري.
أسباب التضييق
قابلت عنب بلدي أربع عائلات قادمة من المناطق المتضررة في الزلزال إلى ولاية اسطنبول، ممن تمكنوا من استخراج إذن سفر حال وصولهم إلى اسطنبول، إذ قالوا جميعهم إن إجراءات منح الإذن لم تكن معقدة.
الناشط طه الغازي قال من جانبه لعنب بلدي، إن طلبات بعض العائلات للحصول على إذن سفر بقيت معلّقة.
وأضاف أن هذا التضييق قد يندرج تحت بند التصرفات الفردية لموظفي دائرة الهجرة، لكنه لم يستبعد في الوقت نفسه أن تكون من ضمن الإجراءات التي تهدف إلى دفع السوريين خارج البلاد.
وتابع الغازي أن الفترة المقبلة قد تشهد مزيدًا من الضغط على السوريين المقيمين في البلاد، ومن ضمنهم المقيمون في المناطق المتضررة إثر الزلزال.
مطالب بحلول
خلال ندوة نظمتها مجموعة من منظمات المجتمع المدني السورية والتركية، طُرح بيان يطالب بحلول للوضع القانوني للاجئين السوريين عقب كارثة الزلزال.
المنظمات قالت إن الاستجابة للبنود الواردة في بيانها يمكن أن تحدّ من معاناة اللاجئين السوريين، خصوصًا في ظل الظروف الإنسانية المتردية.
وأبرز مقترحات الحلول كانت مطالبة الحكومة التركية بإجراء تحقيق جدي في مزاعم الانتهاكات، وبدء التحقيق مع من استردوا مساعدات الزلزال المقدمة للسوريين، أو هاجموهم، أو أخرجوهم من مراكز الإيواء والخيام.
وتضمنت أيضًا إيقاف استراتيجية “تخفيف الضغط“، ورفع جميع قيود السفر المتعلقة باسطنبول والمحافظات الأخرى، وإلغاء تحديد شرط البقاء في الولايات الآمنة لمدة 60 يومًا.
وأعطت السلطات التركية الإذن بالسفر إلى سوريا بين ثلاثة وستة أشهر، لكنه يفسر أحيانًا على أنه “عودة طوعية”، بحسب ما جاء على لسان وزراء ومسؤولين حكوميين أتراك، ولا يجب أن يواجه السوريون الذين ذهبوا إلى سوريا للوصول إلى أقاربهم المتضررين من الزلزال أي صعوبات في العودة، بحسب البيان.
كما يجب على دوائر الهجرة التركية إتاحة الوقت لتحديد هوية اللاجئين تحت الأنقاض، ودفن من فقدوا أرواحهم بطريقة تحترم متطلبات ثقافة الجنازة والدفن.
البيان طالب أيضًا الجهات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى بزيادة مساعدتها المقدمة للمتضررين من اللاجئين السوريين، بحسب حجم الكارثة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :