“اسطنبول: الذكريات والمدينة”.. باموق والتحولات

tag icon ع ع ع

“اسطنبول: الذكريات والمدينة”، هو كتاب مذكرات وسيرة ذاتية من تأليف أورهان باموق، يتحدث فيه عن التغيير الثقافي الواسع الذي هز تركيا بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، وفقدان تقاليد الأسرة، وعن مضيق البوسفور وتاريخ اسطنبول مع المضيق.

مذكرات باموق هي سرد للحياة الخاصة للمؤلف، والمدينة التي عاش فيها، وقبل كل شيء، لعلاقته بهذه المدينة.

باموق هو الابن الثاني لعائلة ثرية، وعانى طفولة منعزلة في مبنى تسكن في كل طابق منه مجموعة مختلفة من الأقارب.

لماذا الانبهار بأشياء من الغرب؟ يقول باموق، “كانت غرف الجلوس متاحف صغيرة مصممة لتثبت للزائر أن أصحاب البيوت كانوا غربيين”، وكان مصطفى كمال أتاتورك قد فرض قبل عقود فقط سلسلة من الإصلاحات على الجمهورية التركية التي نشأت بعد تفكك الإمبراطورية العثمانية، مثل الأبجدية الرومانية، واللباس الغربي، وتغيير أسس المجتمع من مجتمع ديني إلى علماني.

شجع شجار باموق مع شقيقه الأكبر، والجدال المتكرر بين والديه، والغياب الطويل لوالده، على إنشاء “عالم ثانٍ”، بينما تآكلت ثروة العائلة ببطء من خلال المشاريع التجارية الفاشلة لوالده وعمه، ما أدى إلى لجوء المؤلف المستقبلي إلى عالمه الخيالي.

على عكس الشعراء العثمانيين، فإن اسطنبول في كتاب باموق هي “مدينة الكآبة”، ويقول، “أحب الأمسيات المبكرة، عندما ينزلق الخريف إلى الشتاء، عندما ترتجف الأشجار الخالية من الأوراق في رياح الشمال، والناس الذين يرتدون المعاطف والسترات السوداء يندفعون إلى منازلهم عبر الشوارع المظلمة”.

ويصف المدينة بأنها ملونة بالأبيض والأسود، وأنه يستمتع بمشاهدة “الغسق ينزل مثل قصيدة في الضوء الباهت لمصابيح الشوارع، ليغمر هذه الأحياء القديمة”.

وصف روح المدينة هو محور المذكرات، ويسميها باموق “huzun”، وهي كلمة تركية تشير إلى الكآبة على مستوى المجتمع.

وببراعة، يتحدث باموق في جزء من ثلاث صفحات “عن عبّارات البوسفور القديمة الراسية بمحطات مهجورة في منتصف الشتاء، حيث ينظف البحارة النائمون الطوابق، ونساء يطللن من خلال ستائرهن في انتظار أزواج لم يتمكنوا من العودة إلى المنزل في المساء، وكبار السن يبيعون الملاءات الرقيقة، وسجادات الصلاة، وزيوت الحج في باحات المساجد ومقابر المدينة، التي تبدو كبوابات لعالم ثانٍ، والأضواء الخافتة التي تراها في أمسية على المراكب التي تعبر من كاديكوي إلى كاراكوي”.

إصلاحات أتاتورك والتوق إلى أن يكون كل شيء “أكثر غربية”، أدى أيضًا إلى دفع المجتمع لمحو الماضي العثماني، يصف باموق بأسف التحولات، إذ يتم هدم الأحياء العثمانية واستبدال كتل خرسانية “حديثة” بها، وتتدهور القصور الخشبية التي بناها العثمانيون على شواطئ البوسفور أو تحترق.

الرواية مكتوبة بشكل جيد ومؤلفة بدقة، لكنها مكررة في بعض الأحيان، والأهم من ذلك أنها تعاني قدرًا معينًا من الامتداد.

تغطي فهرسة باموق مساحة كبيرة، ولكنها تفتقر أحيانًا إلى العمق الذي لا يدخل القارئ في حياة اسطنبول العثمانية، ولكنه يراها كمناظر طبيعية، من دون الشعور بالمجتمع أو بحياة الشارع.

يفشل باموق في إيضاح مدى تراجع المدينة عن ذروتها أو التأثير المعقد لإصلاحات أتاتورك، وجاءت بعض فقرات الكتاب مختصرة لإفساح المجال أمام عدد قليل من الحكايات، ومع ذلك تبقى المذكرات رواية ممتعة عن مدينته وثقافته.

“اسطنبول: الذكريات والمدينة”، وثيقة تاريخية غارقة في الإحساس الشعري، مليئة بالذكريات العائلية، والتعليقات الاجتماعية، والنقد الفني.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة