إعلاميون سوريون يروون قصصهم مع كارثة الزلزال

  • 2023/03/14
  • 5:32 م
إعلامي سوري في ريف حلب يصور آثار الدمار إثر زلزال ضرب جنوبي تركيا وأربع محافظات سورية- 4 من آذار 2023 (عنب بلدي)

إعلامي سوري في ريف حلب يصور آثار الدمار إثر زلزال ضرب جنوبي تركيا وأربع محافظات سورية- 4 من آذار 2023 (عنب بلدي)

مع الدقائق الأولى للزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وأربع محافظات سورية، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بأخبار وصور وتسجيلات مصورة للكارثة، التي لا تزال آثارها حاضرة بعد مرور أكثر من شهر على حدوثها.

إعلاميون، صحفيون، ناشطون، رواد مواقع التواصل، كانوا صوت العالقين تحت الأنقاض، وأوصلوا رسائلهم ومناشداتهم إلى العالم في أكثر من 60 مدينة وبلدة طالتها آثار الزلزال شمال غربي سوريا، مع تأخر الاستجابة الأممية بذريعة وجود عوائق “لوجستية”.

ولعب إعلاميون دورًا مهمًا في نقل الصوت والصورة، وحتى أنفاس الأرواح التي كانت تئن تحت الركام في الزلزال الذي وصف بـ”كارثة القرن”، وتحول بعضهم إلى عمال إنقاذ، ومنبر للنداء والمناشدة في المنطقة التي شهدت 2274 حالة وفاة و12400 مصاب إثر الزلزال.

صوت الضحايا

مع ساعات الزلزال الأولى توجه حاتم الخضر، وهو إعلامي يعمل لمصلحة عدد من وسائل الإعلام السورية (فريلانسر)، إلى بلدة بسنيا بريف إدلب الشمالي، ليتفاجأ بحجم الكارثة التي احتجزت أكثر من 120 عائلة تحت الأنقاض.

“كنا نسمع أصوات العالقين تحت الأنقاض”، عبارة كافية لتحويل الخضر، الذي أراد التقاط صور لحجم الأضرار، إلى منقذ ومتطوع إلى جانب الأهالي، يساعدهم بانتشال الضحايا وإحضار المياه والطعام لفرق “الدفاع المدني السوري”.

وقال الخضر لعنب بلدي، إنه ساهم مع مجموعة من المتطوعين في انتشال الضحايا وإنقاذ العالقين تحت الأنقاض من جهة، وتأمين بعض الطعام والعصائر والأدوات التقليدية للمساعدة على الحفر من جهة أخرى.

وتابع الخضر تغطيته في مدن أخرى طالتها الأضرار، مستعينًا بطائرته الدرون، لينقل حجم الدمار بصورة أشمل.

ومع انعدام وصول آليات ثقيلة ومعدات للإسراع في إنقاذ الضحايا، واختلاط لحظات العجز والخيبة مع العزيمة والإصرار من قبل الأهالي والمتطوعين، خرجت أصوات وصور من تحت الأنقاض كانت كبارقة أمل من تحت الأنقاض.

التقط الخضر صورة للمتطوع في “الدفاع المدني” حسن الطلفاح على عجلة دون انتباهه وهو جالس يأخذ قسطًا من الراحة، وساقه اليسرى مبتورة، ونشرها بعد تردد دام ثلاثة أيام، قائلًا، “مافي داعي نكتب لا نصوص ولا اقتباسات ولا شرح ولا أي شيء، الصورة لحالها بتحكي كتير قصص”.

وأصبح الطلفاح حديث مواقع التواصل بعد انتشار صورته بشكل كبير، رافقها منشورات إشادة به واعتباره رمزًا للعزيمة والإصرار والاستجابة للكارثة بدوافع إنسانية وأخلاقية.

المتطوع في “الدفاع المدني السوري” حسن الطلفاح يجلس للراحة بعد عمليات إنقاذ العالقين تحت الأنقاض إثر الزلزال بريف إدلب- شباط 2023 (حاتم الخضر/ فيس بوك)

من جهته الإعلامي في “الجمعية الطبية السورية الأمريكية” (سامز)، عبد الرزاق زقزوق، استيقظ على حادثة الزلال، معتقدًا أنه قصف من قبل النظام اعتادت عليه المنطقة، فاطمأن عبر الهاتف على عائلته التي تقيم في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي البعيدة عن مكان إقامته الحالي مدينة معرة مصرين.

وقال زقزوق لعنب بلدي، إنه توجه إلى مستشفى “باب الهوى” ليشاهد عدد الضحايا الكبير في الداخل، مضيفًا “الحالات بالأرض، الإسعافات تتوارد بكثرة، وكل خمسة مرضى يجري إنعاشهم بنفس اللحظة”.

والتقط زقزوق بعض الصور للحالات التي استقبلها المستشفى، مرجّحًا لحظتها أن يكون الضغط على مستشفى “باب الهوى” بسبب قربه لمكان الزلزال، إذ لم يكن يعلم حجم الكارثة الكبير.

“أول ما شفت الأطفال ميتين داخل مستشفى (الأتارب) توارد لذهني أطفالي وعائلتي، وعرفت حجم الكارثة التي حلّت بالشمال السوري”.

هذا ما تصوّره زقزوق حين دخل على المستشفى بريف حلب بعد حوالي أربع ساعات من الزلزال، إذ توجه إليها بعد وصول معلومات عن توارد الإصابات بشكل كبير، وانقطاع شبكة الإنترنت، ورصد توافد الضحايا، مع وجود أطفال متوفين وملفوفين بلباس طبي.

“أنا حضرت كتير أيام القصف والمجازر التي حدثت في سوريا، بس ما كان في عندي قدرة انظر في وجوه الأطفال”، أضاف زقزوق.

ومع توارد الأنباء والمناشدات بالدعم والمساعدة بعمليات إنقاذ الضحايا، بدأت تتوضح معالم وحجم الكارثة، الأمر الذي يفرض وبقوة وفق زقزوق، نقل صوت الأهالي والاستمرار بالعمل حتى تنتهي جميع مظاهر المعاناة.

وواصل زقزوق تغطيته الإعلامية لحجم الكارثة وتغطية الاستجابة الطبية للضحايا، ولم يتمكن من رؤية عائلته وأطفاله بعد مرور تسعة أيام على الزلزال.

تقديم إسعافات أولية لمصابين طالتهم أضرار الزلزال في الشمال السوري- 6 من شباط 2023 (سامز/ فيس بوك)

“وقت سافرت على أنطاكيا كنت نازل انتشل حدا عايش من تحت الأنقاض، ما كان العمل الصحفي بالحسبان”، هذا السبب الذي دفع الصحفي السوري أحمد حاج بكري إلى التوجه من اسطنبول لجنوبي تركيا.

لم ينجح حاج بكري بإنقاذ أقاربه أحياء من تحت الأنقاض، ودفن 30 شخصًا منهم في مقبرة غير رسمية بمنطقة يايلاداغ القريبة من الحدود التركية السورية، وساعد في إنقاذ أشخاص لا تربطه بهم صلة قرابة من تحت الأنقاض في المنطقة نفسها.

وأوضح حاج بكري لعنب بلدي، أن استجابته كانت أخلاقية إنسانية، ولا خيار أو مجال للتفكير في ذلك، قائلًا “أنا إنسان، ما دفعني هو الضمير والإنسانية، لست موظفًا في الأمم المتحدة أو في كيان سياسي حتى أتأخر في الاستجابة الإنسانية البحتة أو انتظر تصريحًا من أحد”.

ونقل حاج بكري قصته للعالم وقصصًا عايشها في المناطق المنكوبة سواء في الولاية التركية أو في الشمال السوري، ناقلًا واقع المدن وصوت الناس.

الصحفي السوري أحمد حاج بكري فوق الأنقاض في ولاية أنطاكيا جنوبي تركيا إثر زلزال ضرب المنطقة- 15 من شباط 2023 (أحمد حاج بكري/ فيس بوك)

مشاهد مشابهة

اعتاد العالم على رؤية مثل هذه المشاهد في سوريا باختلاف الأسباب، مثلما اعتاد الإعلاميون السوريون على نقل وتغطية أحداث القتل والدمار منذ اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، مع استمرار المنظمات الدولية الإنسانية والحقوقية بتوثيق مئات آلاف الضحايا المدنيين الذين قتلهم النظام وحلفائه.

مشهد أسقف المنازل المطبقة فوق بعضها البعض، وانهيار الجدران وتحولها إلى فتات، في بلدة جنديرس بريف حلب الشمالي، التي كانت أكثر الأماكن تضررًا في الشمال، ذكر الإعلامي عبد الرزاق زقزوق بآثار الدمار التي شهدتها مدينة حلب حين حاصرها النظام السوري في 2016.

وأوضح زقزوق أن الفارق في التغطية أنه في أثناء حصار حلب، الإعلامي يغطي مكانًا واحدًا، في حين كارثة الزلزال امتدت من مدينة جرابلس بريف حلب الشمالي الشرقي إلى ريف إدلب الغربي والجنوبي، بشريط يمتد لنحو 200 كيلومتر.

الصحفي حاج بكري اعتبر أن التغطية الإعلامية سواء في عمليات التهجير والنزوح والقصف والمجازر وفي الزلزال، استجابة للضمير والمبدأ والإنسانية والواجب الأخلاقي.

وفي 6 من شباط الماضي، ضرب زلزال جنوبي تركيا وأربع محافظات سورية، وطالبت الفرق التطوعية والأهالي في الشمال السوري بإدخال المعدات والآليات للإسراع في عمليات إنقاذ العالقين تحت الركام.

وقوبلت المطالب بتذرع أممي بوجود عوائق لوجستية أمام وصول المساعدات، على مدار أربعة أيام من الزلزال، الأمر الذي أرجعه خبراء وناشطون في المجال الإنساني في حديثهم لعنب بلدي إلى أن الأمم المتحدة “خذلت السوريين”، وأظهرت إهمالًا واضحًا لاحتياجاتهم خلال الكارثة.

وأوضحوا أن هناك العديد من المؤشرات أظهرت أنها تعمدت تأخر وصول المساعدات، وأسهمت بتحويل عمليات الإنقاذ إلى عمليات انتشال جثث.

اقرأ أيضًا: تحت أنقاض الزلزال.. الأمم تكتم أنين السوريين

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع