أصدر “المركز السوري للعدالة والمساءلة” تقريره السنوي بشأن انتهاكات حقوق الإنسان وجهود العدالة المبذولة في سوريا عام 2022، مبرزًا أهم انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان المرتكبة بحق السوريين داخل سوريا، وبحق اللاجئين الفارين من أعمال العنف.
وتناول التقرير الصادر اليوم الخميس، 9 من آذار، القصف الجوي الذي طال المدنيين والبنية التحتية في مناطق المعارضة طيلة العام الماضي، من قبل قوات النظام السوري وحليفه الروسي، وهو ما ينتهك القانون الدولي الإنساني.
واستخدمت القوات الروسية الذخائر العنقودية المحظورة من عموم المجتمع الدولي، وعلى الرغم من أن روسيا ليست طرفًا في أي اتفاقية تحظر استخدام هذه الأسلحة، يشكل استخدامها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، حسب ما جاء في التقرير.
وذكر التقرير أنه عقب تفجير اسطنبول في تشرين الثاني 2022، الذي اتهمت الحكومة التركية “وحدات حماية الشعب” و”حزب العمال الكردستاني” بالمسؤولية عنه، قصفت القوات التركية أهدافًا مدنية وعسكرية في مناطق مختلفة من شمال شرقي سوريا، وهو ما يعد انتهاكًا لأحكام القانون الدولي الإنساني لشمول الاستهداف بنى تحتية مدنية مثل صوامع الحبوب، ومحطات توليد الطاقة الكهربائية.
وقصفت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية أهدافًا داخل سوريا في أوقات متفرقة من 2022، حيث ركزت الضربات الإسرائيلية على استهداف منشآت عسكرية وأفراد مرتبطين بالنظام، و”حزب الله”، و”إيران”، لكن تلك الغارات أوقعت أيضًا قتلى بين المدنيين في محافظات طرطوس، وحماة، ودمشق.
وبالمثل تركزت ضربات التحالف الدولي بقيادة أمريكا على استهداف عناصر تابعين لتنظيم “الدولة الإسلامية”، لكن الغارات التي نفذتها يشير بعضها إلى أنها أوقعت إصابات بين المدنيين، وبالأخص في معركة دعم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) لاستعادة سجن “غويران”، وفق التقرير.
وتناول التقرير الحالة الإنسانية الصعبة للمدنين المقيمين في مخيم “الهول”، والذين لا علاقة لهم بالتنظيم على حد زعمهم، حيث تعرضوا لأعمال عنف أفضى بعضها للقتل، من قبل أتباع التنظيم، وواجهوا ظروفًا معيشية “بائسة”.
وأبرز التقرير حالة اللاجئين السوريين في بلاد اللجوء، وتزايد مخاطر إجبارهم على العودة القسرية إلى سوريا أو لبلد ثالث، خلال العام الماضي.
انتهاكات أطراف الصراع
ارتكبت “قسد” انتهاكات لحقوق الإنسان على مدار عام 2022، منها تجنيد قاصرين للقتال في صفوفها، على الرغم من تعهداتها بوقف ممارسة تجنيد الأطفال عام 2019.
وبحسب التقرير، ابتزت فصائل من “الجيش الوطني السوري”، السكان المحليين ونهبت ممتلكاتهم كوسيلة رئيسية لتحصيل الإيرادات، وبسط السيطرة على الأرض، والتحكم بالموارد.
وتلاعبت تلك الفصائل بالمساعدات الإنسانية الواردة من خلال توزيع وحدات سكنية على عناصرها في عفرين، بدلًا من إيواء المدنيين النازحين فيها.
وفي تشرين الأول 2022، وعقب هجوم “هيئة تحرير الشام” على عفرين بدعم من بعض فصائل “الجيش الوطني”، أوقعت الاشتباكات قتلى وجرحى في صفوف المدنيين، كما اضطرت آلاف العائلات إلى النزوح من ديارها.
وأوردت لجنة التحقيق الدولية المستقلة في تقاريرها العام الماضي، استمرار حكومة النظام في انتهاك حقوق المدنيين ومصادرة ممتلكات المعتقلين، من خلال استصدار قرارات رسمية من المحاكم، ومراسيم رئاسية.
وأكدت اللجنة أيضًا في تقاريرها انتهاكات مشابهة من قبل قوات “هيئة تحرير الشام” على عدد من العقارات والأراضي المملوكة للدروز.
واستمر النظام بممارسات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري بحق السوريين في 2022، ولم يحرز أي تقدم يذكر بالرغم من مزاعم الإصلاح التي أصدرتها الحكومة عبر سن قوانين ومراسيم جديدة متعلقة بالتعذيب في منشآت الاحتجاز والمعتقلات، والإفراج عن المعتقلين.
جهود العدالة
في 2022، وصل عدد القضايا المنظورة أو المفصول بها بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية إلى 60 قضية على خلفية جرائم مرتكبة في سوريا، وصدرت أحكام قطعية في بعضها، وكانت ألمانيا صاحبة أكبر عدد من هذه القضايا، ليواكب ذلك ارتفاع في عدد القضايا التي جرى تحريكها على أساس مماثل في السويد، وفرنسا، وهولندا.
وشملت التهم المسندة إلى المتهمين في هذه القضايا ارتكاب جرائم حرب، وأخرى ضد الإنسانية، واعتقلت عدد من النساء اللاتي انضممن لصفوف تنظيم “الدولة” في عدة دول غربية بتهم تتعلق بالإرهاب.
وفي آب 2022، نشر مكتب الأمين العام للأمم المتحدة تقريرًا يورد تفاصيل بشأن مقترح إنشاء مؤسسة أممية تُعنى بالبحث عن المفقودين داخل سوريا.
استمرت الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وحلفاؤهما في فرض عقوبات واسعة على النظام، في محاولة لأن تحد من قدرته على ارتكاب جرائم إنسانية، وذلك عن طريق تقليص موارده المالية.
وأخفقت العقوبات حتى الآن في “كبح جماح” النظام، وفق التقرير، لكنها أدت إلى “تبعات غير مقصودة” طالت المدنيين الذين يعانون من انعكاسات الأزمة الاقتصادية.
وأوصى التقرير الدول التي تساند إنشاء آلية لبحث مصير المفقودين أن تركز على تأمين سبل التعاون من قبل النظام من خلال الفصل بين المحادثات المتعلقة بالمعتقلين، والمفاوضات السياسية، وربط الدخول إلى مراكز الاحتجاز، والإفراج عن أعداد كبيرة من المعتقلين بمسألة رفع العقوبات وغير ذلك من الحوافز.
كما طرح توصيات تخص حماية اللاجئين، وضمان أطراف النزاع وصول المساعدات الإغاثية الدولية إلى مستحقيها، ووجوب مراجعة الدول التي فرضت عقوبات، سياق الآثار الجانبية الاقتصادية، والتي تعود بالمعاناة على المدنيين.
وتصدّرت سوريا القائمة العالمية في انعدام الحرية، وذلك وفق تقرير مؤسسة “فريدوم هاوس” الأمريكية لعام 2022، الذي صنفت فيه 210 من الدول، وعزت المنظمة الأمريكية هذا الترتيب إلى حكم النظام السوري وقمعه للسوريين.
بدورها، صنّفت “وحدة الإيكونوميست للاستقصاء” نظام الحكم في سوريا الأخير عربيًا والمركز 162 عالميًا من إجمالي 167 بلدًا مصنفًا ضمن مؤشر الديمقراطية، في تقريرها الذي صدر العام الماضي.