تأخر رواتب عمال باسطنبول يضعهم في ورطة.. السوريون أكثر تأثرًا

  • 2023/03/10
  • 2:35 م
محال تجارية ومطاعم في منطقة يوسف باشا باسطنبول- 15 من كانون الثاني 2023 (عنب بلدي)

محال تجارية ومطاعم في منطقة يوسف باشا باسطنبول- 15 من كانون الثاني 2023 (عنب بلدي)

يتسبب تأخير تسليم الرواتب الشهرية لعمال بعض المهن في مدينة اسطنبول بمشكلات لهم ولعائلاتهم، وسط غياب أسباب واضحة للتأخير رغم وجود اتفاق مكتوب أو شفهي بين أرباب العمل والموظفين.

تأخير الرواتب يحمل تأثيرًا مضاعفًا على عمال سوريين يتلقون الحد الأدنى للأجور أو ما يزيد عليه قليلًا، في المدينة التي تضم 563 ألفًا و171 لاجئًا سوريًا.

ترصد عنب بلدي في هذا التقرير أبرز المشكلات الناتجة عن تأخير الرواتب الشهرية، وأسبابها بعد لقائها مع عاملين في مهنتين مختلفتين.

أجور متأخرة

اعتاد الشاب فراس (24 عامًا) حالة التأخر في تسلّم راتبه الشهري من صاحب محل الحلويات الذي يعمل به في اسطنبول، مع غياب آلية أو موعد قبض الراتب في عمله بتصنيع الحلويات العربية والسورية.

وأصبح التأخير حالة عامة في المهنة التي يعمل بها، منذ قدومه إلى تركيا عام 2017.

وأوضح الشاب لعنب بلدي أن الاتفاق مع صاحب المحل جرى على تسليم الراتب في 5 من كل شهر عن عمل شهر سابق، لكن التأخير كان ملازمًا لأي عملية تسليم للراتب في المحل الذي يعمل به منذ عام.

وتُعطى الرواتب في مهنة تصنيع الحلويات بشكل شهري، في حين تُعطى الرواتب في المهن عامة بشكل يومي أو أسبوعي، وقلما تُعطى بشكل شهري، نظرًا إلى متطلبات الموظف الملحة في تأمين احتياجاته المعيشية والمنزلية.

ولفت الشاب إلى أن الحالة تكررت عبر السنوات في محال الحلويات التي عمل بها، وكان التأخير في تسليم الراتب بوتيرة غير ثابتة، تتراوح من يوم حتى خمسة أيام، رغم أن العمال ككل وهو منهم ملتزمون بمتطلبات ومواعيد العمل.

السكن والعائلة ومستلزمات خاصة

“التأخير يضعني في ورطة”، أضاف الشاب، موضحًا أن التأخر في تسلّم الراتب يتسبب له بمشكلات، منها التهديد بالطرد أو الخروج من المنزل الذي يتقاسم إيجاره مع أربعة من رفاقه.

وذكر أن صاحب المنزل بعيد عن واقع تأخير الراتب الذي يفرضه بعض أصحاب المحال والمهن على العمال لديهم، لافتًا إلى أن موعد إيجار المنزل ثابت في قاموس صاحب المنزل، ويُنظر إلى أي تأخير على أنه مماطلة في الدفع ومحاولة للتهرب بقسم من إيجار المنزل.

المشكلة الثانية التي يقع بها الشاب هي تأخير إرسال مبالغ إلى عائلته التي تقيم في مدينة حمص، والتي تنتظر يوم تسليم الراتب قبله حسب قوله، نظرًا إلى الوضع الاقتصادي المتردي في سوريا، وكثرة احتياجات العائلة واعتمادها على حوالات ابنها في تركيا.

والمشكلة الثالثة التي اعتادها فراس، هي انتظاره حتى منتصف شهر جديد لشراء وتأمين مستلزماته من أبسط الأمور التي يحتاج إليها في سكن شبابي، سواء من ألبسة أو منظفات أو حتى حلاقة وغيرها.

وتشهد تركيا ارتفاعًا في مختلف أسعار السلع والمواد، إضافة إلى ارتفاع إيجارات المنازل التي أصبحت تقاسم المستأجرين حياتهم.

اتحاد نقابة العمال في تركيا قال، في 30 من كانون الثاني الماضي، إن الإنفاق الشهري على الغذاء “حد الجوع” المطلوب لعائلة مكوّنة من أربعة أفراد للحصول على نظام غذائي صحي ومتوازن وكافٍ هو 8864 ليرة تركية.

وذكر أن المبلغ الإجمالي لـ”خط الفقر” من الإنفاق على الغذاء، والنفقات الشهرية الإلزامية الأخرى للملابس والسكن (الإيجار والكهرباء والمياه والوقود) والنقل والتعليم والصحة والاحتياجات المماثلة، يبلغ 28874 ليرة تركية.

محال تجارية ومطاعم في منطقة يوسف باشا باسطنبول- 15 من كانون الثاني 2023 (عنب بلدي)

لا أعذار واضحة

ما يبعث على الشكوى بحسب فراس هو عدم وجود أعذار وأسباب واضحة أو مقنعة للتأخير، مع التزامه الكامل بالدوام الذي يبدأ من الثامنة صباحًا حتى السادسة مساء، وفي حال تكرار السؤال عن السبب يصبح العامل هو المُلام بكونه “الحلقة الأضعف”.

وقال فراس، إن أغلب التبريرات كانت “انشغال أو عدم قدرة صاحب المحل على سحب مبالغ من الصراف، وعدم انتهاء الجرد الشهري”.

وأشار الشاب إلى أن بعض الأشهر مرت بتمرير سلفة مالية بسيطة في الموعد المحدد لتسليم الراتب كنوع من “تيسير الأمر”، لكن هذه الدفعة تجبر العامل على الانتظار لأيام دون أن يسأل عن الموعد لتسليم كامل الراتب.

إيجارات المنازل والمواصلات التي تثقل كاهل العمال في تركيا نظرًا إلى ارتفاعها، عامل إضافي يبعث على الشكوى بحسب الشاب، لكن حصوله على راتب أكبر من زملائه، يجعل الشكوى أقل ومقتصرة على مطالب بتسليم الراتب في وقته.

يتقاضى فراس 11 ألف ليرة تركية شهريًا، منوّهًا إلى وجود عمال في نفس المحل الذي يعمل به يقبضون رواتب أقل منه تعادل الحد الأدنى للأجور البالغ 8500 ليرة تركية، كونهم لا يمتلكون خبرة في هذه المهنة، معربًا عن أسفه تجاههم.

من جهته، الشاب علي ترك العمل في مطعم صاحبه من جنسية عربية بمنطقة الفاتح، بعد تكرار حالة تأخير الراتب الشهري المقدّر بتسعة آلاف ليرة تركية، ووصل التأخير إلى 15 يومًا من الموعد المتفق عليه.

وقال الشاب لعنب بلدي، إنه ترك العمل، في 20 من كانون الثاني الماضي، بعد منح صاحب العمل مهلة متفقًا عليها مسبقًا، ولا يزال حتى آذار الحالي ينتظر الحصول على ما تبقى له من راتبه الأخير في عمله نادلًا (كرسون).

وأشار الشاب الذي يعمل حاليًا في مطعم آخر إلى أن معظم أسباب التأخير ارتبطت بحساب التجار وجرد الحسابات وغياب المحاسب، وغيرها من الأعذار التي يصفها الشاب بأنها “غير مقبولة وغير محقة”.

محطة “مترو” أكسراي في منطقة الفاتح باسطنبول- 15 من كانون الثاني 2023 (عنب بلدي)

سوريون في اسطنبول

تنشط في مدينة اسطنبول العديد من المحال التي يعمل فيها عشرات العمال بمختلف الوظائف، في المدينة التي تعد أشهر المدن التركية وأكثرها اكتظاظًا.

وتشهد اسطنبول طلبًا متزايدًا للعمال في قطاعات مختلفة مقارنة بالسابق، من أجل سد فجوة نقص اليد العاملة، التي انخفضت في المدينة لأسباب عدة، منها الهجرة إلى أوروبا، وموجات “الترحيل” والعودة إلى سوريا، وتعقيدات الأوراق الثبوتية.

ويقيم في تركيا ثلاثة ملايين و500 ألف و964 لاجئًا سوريًا تحت قانون “الحماية المؤقتة”، وفق أحدث إحصائية للمديرية العامة لإدارة الهجرة التركية، حتى 2 من شباط الماضي، وتتصدّر اسطنبول قائمة المدن التي تضم أكبر عدد من السوريين في تركيا، بـ563 ألفًا و171 لاجئًا سوريًا.

وبلغ عدد الحاصلين على تصريح عمل في تركيا بنهاية عام 2021، 91 ألفًا و500 شخص سوري الجنسية، بحسب أحدث إحصائية لوزارة العمل.

ويضمن إذن العمل حق العامل في الحصول على الحد الأدنى للأجور الذي تحدده وزارة العمل، بالإضافة إلى حصوله على ضمان صحي يُدفع من طرف صاحب العمل.

ويحق لحاملي بطاقة “الحماية المؤقتة” (الكملك) الحصول على إذن عمل بشرط مضي ستة أشهر على وجوده في تركيا، وأن يقدم على الإذن من الولاية المقيم فيها.

اقرأ أيضًا: ثلاثة أسباب تفرغ أسواق اسطنبول من اليد العاملة

مقالات متعلقة

في تركيا

المزيد من في تركيا