الأم والمنقذة.. متطوعات “الخوذ البيضاء” يلبين نداءات الاستغاثة
في مدن “منكوبة” وأمام كارثة طالت المنطقة وسكانها بأكملهم، مدّت متطوعات “الدفاع المدني” (الخوذ البيضاء) أيديهن لمساعدة المستغيثين، وإنقاذ أرواح العالقين تحت الركام لتمنحن ملايين اليائسين أملًا بالنجاة من الزلزال.
“ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا”، هذه الآية القرآنية التي كررتها متطوعات “الدفاع المدني” خلال مقابلات مع عنب بلدي، في إشارة إلى الدافع الأول للمشاركة بعمليات الإنقاذ رغم الصعوبات التي واجهتهن.
ويصادف اليوم، 8 من آذار، اليوم العالمي للمرأة المعتمد من قبل الأمم المتحدة، وتحتفل معظم دول العالم بهذا اليوم منذ عام 1975، للمطالبة بحقوق النساء، وتقدير جهودهن في مختلف مجالات الحياة، والسعي لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة.
الأم والمنقذة
عاطفة الأمومة لم تمنع الأمهات المتطوعات في “الخوذ البيضاء” من تلبية نداء الواجب، والمشاركة بعمليات الإنقاذ، وفق ما قالته المتطوعة آيات إبراهيم لعنب بلدي.
وأضافت آيات أن شعور المتطوعات بالمسؤولية تجاه الأطفال العالقين تحت الأنقاض، والخوف من فرضية أن يكون أطفالهن في الخطر نفسه، كان كفيلًا بتوجههن للمشاركة بإنقاذ الأرواح.
ولم تكن دوافع المتطوعة في “الخوذ البيضاء” سماح عبد الرحمن مختلفة، إذ قالت لعنب بلدي، “أطفالنا وعائلاتنا بخير، على الأقل ليسوا عالقين تحت الأنقاض”.
“إن لم نترك بيوتنا الآن ونبادر إلى المساعدة، فمتى سنفعل؟”، تساءلت سماح، في إشارة إلى أن عدم المشاركة بعمليات الإنقاذ لم يكن خيارًا مطروحًا بالنسبة لها.
لحظات لا تنسى
في نقطة “الخوذ البيضاء” بمدينة جنديرس، تجمعت المتطوعات بعد كارثة الزلزال لتطمئن كل منهن على سلامة الأخرى، لكنهن أدركن بعد لحظات أن إحدى زميلاتهن غائبة، ما دفعهن للتوجه إلى منزلها.
“البناء كان مهدمًا بالكامل، لكن حديث الأهالي في محيطه عن وجود العديد من الناجين منحنا أملًا بنجاة فاطمة وعائلتها”، قالت المتطوعة سماح عبد الرحمن.
وتابعت، “بعد دقائق وجدنا والدة فاطمة تبكي قرب البناء، ورغم الخطر المترتب على الاقتراب من البناء، صعدنا إليه وبدأنا ننادي لعلّنا نسمع استجابة من فاطمة وعائلتها”.
وكان القرار الأصعب الذي اتخذته المتطوعات حينها، أن يتركن فاطمة وعائلتها تحت الركام، بعد أن وجه المتطوعون نداء إليهن لمساعدة إحدى السيدات العالقات تحت الأنقاض، والتي كانت على قيد الحياة حينها، وفق ما قالته سماح.
“فقدنا فاطمة، وعشنا خيبة جماعية بفقدان أحد أفراد عائلتنا، بينما وقفنا عاجزين عن مساعدتها وعائلتها”، أضافت فاطمة، معتبرة أن تلك اللحظات “لن تُنسى بالنسبة لهن جميعًا”.
وفي مدينة حربنوش، عاشت المتطوعة آية إبراهيم وزميلاتها لحظات أخرى لا يمكن نسيانها، حين أنقذت طفلة عمرها لا يتجاوز بضعة أشهر من تحت الأنقاض كانت قد فقدت عائلتها كاملة.
وتابعت آيات، “كل عملية إنقاذ ناجحة كانت بالنسبة لنا لحظة لا تُنسى، إذ كانت كفيلة بمنحنا الأمل لنستمر بعملنا”.
في المقابل، كان العجز عن إنقاذ الأرواح رغم سماع أنين العالقين تحت الأنقاض أكثر اللحظات قسوة على المتطوعات، وفق ما قالته آيات.
أدوار عديدة
“ببداية عملنا واجهنا انتقادات، لكننا استطعنا أن نكون جزءًا من مختلف عمليات الاستجابة للكارثة”، قالت آيات، لافتة إلى أن عملهن كان كفيلًا بإثبات أنهن يحملن صورة “المنقذ” بالنسبة للأهالي.
لعبت متطوعات “الخوذ البيضاء” أدوارًا عديدة خلال الاستجابة للكارثة، إذ شاركن بعمليات إخراج العالقين تحت الأنقاض، خصوصًا النساء والأطفال.
كما عملت المتطوعات على نقل الناجين إلى أماكن آمنة، إلى جانب عملهن على تقديم الإسعافات الأولية، ونقل الجرحى إلى النقاط الطبية.
وتستمر المتطوعات، بعد مضي حوالي شهر على الكارثة، بتقديم خدمات الدعم النفسي للناجين، وزيارة المخيمات الناشئة ومراكز الإيواء لمتابعة الحالات التي تحتاج إلى رعاية طبية.
وتعمل المتطوعات في المنظمة بعدة مجالات، أبرزها الخدمات الصحية والتوعية، كما يعملن في الإنقاذ ومساعدة المدنيين بجميع الظروف.
وفي 5 من آذار 2022، تزامنًا مع اقتراب “يوم المرأة العالمي”، أعلن “الدفاع المدني” زيادة تمثيل المرأة في هيئته العامة بنسبة 20%، لتصبح 30% بعد أن كانت 10% في وقت سابق.
وقال “الدفاع المدني” حينها، إن المراكز النسائية تشكّل ركيزة أساسية من عمله الإنساني، وسعيه لتقديم الخدمات المتنوعة لجميع فئات المجتمع السوري بمختلف انتماءاتهم.
وتضم منظمة “الخوذ البيضاء” نحو 39 مركزًا نسائيًا موزعًا في محافظات حلب وإدلب وريف اللاذقية وريف حماة، وتعمل ضمنها حوالي 300 متطوعة، وفق المنظمة.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :