عنب بلدي – حسن إبراهيم
أعلنت إيران عن استعدادها لتزويد النظام السوري بمنظومة صواريخ دفاع جوي من طراز “خرداد 15″، بهدف التصدي للغارات الجوية الإسرائيلية في سوريا، متوعدة بأن المنظومة ستكون “الشبح الذي يلاحق سلاح الجو الإسرائيلي”.
تهديدات قديمة جديدة بإرسال منظومة وأسلحة متطورة إلى سوريا لم تتجسد على أرض الواقع، جاءت بعد استهداف إسرائيلي لمقر أمني في حي كفرسوسة بالعاصمة دمشق، نددت به إيران نافية وجود ضحايا لها خلال الغارة.
ولم يصدر قرار إرسال المنظومة بشكل رسمي، لكنه ترافق مع تهديد حملته وسائل إعلام إيرانية، مفاده مرحلة جديدة من الصراع بين إيران وإسرائيل على الأراضي السورية بوجود الحليف الأبرز للنظام السوري وهو موسكو.
وتستهدف إسرائيل إمدادات الأسلحة الإيرانية منذ عام 2017، لمنع طهران من توسيع موطئ قدمها في سوريا، ونقل المزيد من الأسلحة إلى القوات التي تعمل بالوكالة لها، في حين لا تعترف إسرائيل أو تعلّق عادة على ضرباتها في تلك المناطق.
منظومة دفاع بعد غارة “كفرسوسة”
في 24 من شباط الماضي، قالت وكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية، “قريبًا ستكون منظومة (خرداد 15) للدفاع الجوي الإيراني، الشبح الذي يلاحق سلاح الجو الإسرائيلي في سوريا، لأنها ستصبح بحوزة الجيش العربي السوري”.
وذكرت أن هناك مفاجآت أخرى على مستوى التعاون العسكري بين إيران وسوريا، قد يتم الإعلان عنها وقد تبقى سرًا، وبالنتيجة، “العدو الإسرائيلي أمام مرحلة جديدة في صراعه الوجودي والمؤقت مع المقاومة”، على حد تعبيرها.
التلفزيون الرسمي الإيراني قال إن من المرجح أن تبيع إيران صواريخ أرض- جو لسوريا، لمساعدتها على تعزيز الدفاعات الجوية في مواجهة الضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة، موضحًا أن “سوريا بحاجة إلى إعادة بناء شبكة دفاعها الجوي، وتطلب قنابل دقيقة لطائراتها المقاتلة”.
الإعلان عن منظومة الدفاع الجوية الإيرانية جاء بعد خمسة أيام من استهداف غارة إسرائيلية مقرًا أمنيًا في حي كفرسوسة بالعاصمة دمشق، في 19 من شباط الماضي، قالت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، إنها أدت إلى مقتل خمسة أشخاص، بينهم عسكري، وإصابة 15 مدنيًا بجروح، كحصيلة أولية.
وكشفت وكالة “رويترز”، في 22 من شباط الماضي، أن الهجوم الصاروخي جرى خلال اجتماع لمسؤولين إيرانيين لدفع برامج تطوير طائرات مسيّرة وقدرات صاروخية للنظام، بينما نددت الخارجية الإيرانية بالهجوم، قائلة إنه استهدف “مباني سكنية في دمشق، وأدى إلى مقتل وتشويه مواطنين سوريين أبرياء”.
ونفت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) صحة التقارير المنشورة بشأن وجود إيرانيين بين ضحايا الغارات التي استهدفت منطقة كفرسوسة في دمشق.
وتتعدد الروايات عقب هذه الضربات، إذ تروّج وسائل إعلام النظام السوري أن الأهداف التي يطالها القصف الإسرائيلي تابعة للنظام، أو أهداف مدنية بالمجمل، في حين تزعم وسائل إعلام إسرائيلية، أن الأهداف تعود لـ”الحرس الثوري الإيراني” المصنف على قوائم “إرهاب” دولية.
ملامح غارات مقبلة
لم يمنع الحديث عن إرسال “خرداد 15″، أو حتى يؤجل الضربات الإسرائيلية على مواقع ومنشآت في سوريا، التي تمثلت باستهداف وحدات من الجيش الإسرائيلي بقذائف دبابة موقعًا عسكريًا لقوات النظام في قرية بئر عجم جنوبي القنيطرة، في 2 من آذار الحالي، دون معلومات عن حجم الخسائر الناجمة عن الاستهداف.
وأفاد مراسل عنب بلدي في القنيطرة أن دبابة “ميركافا” إسرائيلية متمركزة على تل عسكري في الجولان السوري المحتل، استهدفت مجموعة كانت تحاول الاقتراب من برج “الزراعة” جنوبي القنيطرة بثلاث قذائف لم تسفر عن إصابات.
وتتزايد المؤشرات على احتمالية استهداف الطيران الإسرائيلي مناطق في سوريا عقب منشورات ورقية ألقاها جنوبي سوريا، ونشاط لسرب الطيران “122” الاستخباراتي الإسرائيلي مؤخرًا.
وتشير البيانات والمعطيات الجوية المتراكمة لنشاط سلاح الجو الإسرائيلي، منذ صباح 27 من شباط الماضي، إلى “قرب عدوان على سوريا”، وفق ما نشره حساب “SAM“، المختص بتتبع الضربات الإسرائيلية في سوريا، في 2 من آذار الحالي.
وقال وقتها، إن نسبة الخطر مرتفعة في الـ48 ساعة المقبلة، وسط تركيز كبير على جنوبي سوريا في عمليات الاستطلاع الماضية.
وألقت طائرات إسرائيلية مسيّرة منشورات ورقية في مناطق القنيطرة ودرعا جنوبي سوريا، في 28 من شباط الماضي و1 من آذار الحالي، متضمنة تحذيرًا موجهًا لقادة وعناصر قوات النظام السوري، ورفضًا لاستمرار وجود عناصر لـ”حزب الله” اللبناني والتعاون معه، في قاعدة “تل الحارة” العسكرية بريف درعا.
ما منظومة “خرداد 15”
-عرضت وزارة الدفاع الإيرانية “خرداد 15” لأول مرة في 9 من حزيران 2019، وهي محلية الصنع.
-نظام عمل المنظومة مزوّد بصواريخ “أرض- جو” محلية الصنع من نوع “صياد2″ و”صياد3”.
-قادرة على اكتشاف ستة أهداف في وقت واحد عبر رادار “نجم 804 بي” المزوّدة به.
-قادرة على اكتشاف أهداف مختلفة، بما في ذلك طائرات حربية وطائرات دون طيار، في نطاق 150 كيلومترًا، وتستطيع تتبعها على مدى 120 كيلومترًا.
-يمكنها اكتشاف الأهداف الشبحية (المتخفية التي يصعب اكتشافها بالرادارات أو أي نظام إلكتروني آخر) في نطاق 85 كيلومترًا، وضربها في مدى 45 كيلومترًا.
-تستخدم ثلاث منصات إطلاق كل منصة بسعة أربعة صواريخ.
-يمكنها إسقاط الأهداف بارتفاع أقصى يبلغ 27 كيلومترًا، وفي نطاق 75 كيلومترًا بصواريخ “صياد 2″، و120 كيلومترًا بصواريخ “صياد 3”.
“بروباغندا وخداع”
تكررت إعلانات طهران عن استعدادها لتزويد النظام السوري بمنظومات دفاعية وأسلحة “حساسة”، أبرزها في أيلول 2018، حين قالت وسائل إعلام إيرانية وروسية، إن إيران تعتزم تزويد قوات النظام بأسلحة نوعية حديثة كمقاتلات “كوثر”، ومنظومة الدفاع الجوي “بافار-373″، لكن بقيت في إطار التداول الإعلامي دون أي تأكيد رسمي من أي طرف.
الباحث المختص في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، قال لعنب بلدي، إن إعلان إيران عن تزويد سوريا بمنظومة الدفاع الجوي “خرداد 15” متوسطة المدى يأتي في سياق “البروباغندا” الإيرانية في مواجهة خصومها وكيفية استثمارها من قبل الحاضنة الاجتماعية للنظام الإيراني، في ظل المظاهرات التي أرهقت كاهل منظومة السلطة.
من جهته، المحلل الروسي والباحث غير المقيم في برنامج سوريا بمعهد “الشرق الأوسط” أنطون مارداسوف، قال لعنب بلدي، إن الحديث يجري منذ عامين عن نشر أنظمة دفاع جوي إيرانية من مختلف النطاقات (المدى) في سوريا، ووفقًا لبعض التقارير، فقد تم بالفعل نشر بعضها.
ويرى مارداسوف أن إيران “تخادع وستمتنع” عن نشر أنظمة دفاع جوي في سوريا، مع احتمالية أن يكون ذلك صحيحًا في الظروف الحالية.
وخلال السنوات الماضية، استهدفت إسرائيل مواقع ومنشآت عديدة في مناطق سيطرة النظام السوري، في سبيل تدمير الممر الإيراني (جوي، بري، بحري) لتهريب الأسلحة إلى سوريا ولبنان، وتعطيل البنية التحتية لإنتاج وتجميع أسلحة تقليدية ومتطورة ومشروع الصواريخ الدقيقة في مصياف مثلًا، وفق تقارير مراكز أبحاث إيرانية.
وأوضح النعيمي أن سلاح الجو الإسرائيلي المستخدم في ضرب شحنات الأسلحة والتموضع التكتيكي الإيراني في سوريا لا يزال مستمرًا، ويعمل بأقصى درجات التأهب والحيطة والحذر في التعامل مع الأهداف الإيرانية في سوريا.
وذكر النعيمي أن إسرائيل تستخدم في غاراتها الطائرات المقاتلة من طراز “إف 16” وصواريخ دليلة (Delilah) الإسرائيلية التي يبلغ مداها 250 كيلومترًا، وبالتالي من الناحية التقنية، فإن قدرة الصواريخ الإسرائيلية على استهداف “خرداد 15” حتمية، وخارج نطاق قدرة المنظومة في استهدافها للمقاتلات الإسرائيلية.
ولفت الباحث المختص في الشأن الإيراني إلى أن هذا المشهد من التنافس اليوم تحكمه استراتيجية إيران في اللعب على “حافة الهاوية” التي حتمًا ستسهم بشكل كبير في رفع مستوى التوتر بين إسرائيل وإيران في ظل التنافس على إظهار القوة العسكرية وامتلاك أسلحة الردع لكلا الجانبين، وقدرة إسرائيل على منع امتلاك إيران القنبلة النووية وتداعيات امتلاكها “الكارثية” على المنطقة العربية عمومًا والخليج العربي بوجه التحديد، وفق النعيمي.
“تغيير قواعد اللعبة” أم “نصر الوهم”
لم تقف أنظمة الرادار والدفاع الجوي السورية عائقًا أمام الغارات الإسرائيلية التي استهدفت هذه الأنظمة بشكل أساسي وثانوي، إذ تعد شبكة الدفاع الجوي السورية من المنظومات القديمة، التي يعود أغلبها للحقبة السوفييتية، والتي تفتقر إلى القدرات اللازمة للتصدي لأي طيران معادٍ متقدم كالطيران الإسرائيلي أو التحالف الدولي.
ولم تشكّل الدفاعات الجوية الموجودة قبل الثورة السورية أي خطر يُذكر أمام الهجوم الإسرائيلي الذي دمّر مفاعل “الكبر” النووي السوري بدير الزور، في أيلول 2007، أو بعد الثورة في نيسان 2017، عندما أطلق 59 صاروخ “كروز- توماهوك” على قاعدة “الشعيرات” السورية، كما لم تسجل التقارير بعد الثورة السورية استخدام النظام أي أسلحة إيرانية متطورة.
صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية قالت، في 25 من شباط الماضي، إن “تداعيات مزاعم إيران واضحة، فهي تريد أن تُظهر قدرتها على تزويد سوريا بنظام يمكن أن يغير قواعد اللعبة”، وأرجعت السبب إلى أن أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية “يمكن أن توفر غطاء لأنواع أخرى من التمركز الإيراني في سوريا”، مع احتمالية أن تنتهي المزاعم الإيرانية في إطار الترويج الإعلامي دون أي تأثير.
الباحث المختص في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، يرى أن التوقيت الزمني لـ”خرداد 15” يأتي في سياق صنع “نصر الوهم”، بعد الضربات الإسرائيلية التي نفذتها في سوريا وقتلت الكثير من خبراء البرامج الصاروخية والمسيّرات، وتداعياتها على الداخل الإيراني.
ولا يرى النعيمي أن منظومة الدفاع “خرداد 15” لديها القدرة على التشويش على الطائرات المقاتلة الإسرائيلية من طراز “إف 16″، فمن الناحية التقنية، لن تكون الدفاعات الجوية مجدية في ظل الفارق التقني ما بين القوتين المتنافستين في الجغرافيا السورية.
ماذا عن موسكو
مع أي حديث عن إرسال أسلحة أو سحب معدات أو تقليص قوات على الأراضي السورية من قبل حليفي النظام روسيا وإيران وداعميه عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا، تكثر التساؤلات والتكهنات عن استفادة أو تمدد طرف على حساب الآخر، وخلق ساحة قتال جديدة في سوريا، خاصة مع إرسال منظومة “خرداد 15″، وسط تهديدات بوجود مرحلة جديدة من الصراع بين إسرائيل وإيران.
وكان لروسيا دور كبير بتجميد العمليات العسكرية في سوريا منذ اتفاق “موسكو 2020″، وبإعادة ترتيب الخريطة على أساس القوى المسيطرة في سوريا ميدانيًا، بعد فقدان النظام السوري السيطرة على مساحات واسعة من الجغرافيا السورية، منذ تدخل موسكو العسكري في 30 من أيلول 2015، بذريعة محاربة تنظيم “الدولة الإٍسلامية”.
المحلل الروسي والباحث غير المقيم في برنامج سوريا بمعهد “الشرق الأوسط” أنطون مارداسوف، أوضح أن موسكو زادت تعاونها العسكري مع إيران في هذه المرحلة، مستبعدًا التفكير في أن روسيا أو حتى إيران تخططان لتشكيل نوع من التحالف في سوريا أو في أي مكان آخر.
ولن يمانع الإيرانيون إذا قدمت روسيا غطاء جويًا لهم ولقواتهم في سوريا (الميليشيات)، لكن يبدو أن موسكو قررت ببساطة عدم منع إيران من نشر أنظمة دفاع جوي لأنها مدينة لها بالمال مقابل تزويدها بالمسيّرات، وفق مارداسوف.
وتنفي إيران تزويدها روسيا بطائرات دون طيار لاستخدامها في غزوها لأوكرانيا، رغم الإعلان عن إسقاط مئات الطائرات الإيرانية المسيّرة في سماء أوكرانيا، بعد تأكيدات من مسؤولين أمريكيين أن “إيران تؤجج الحرب عبر تزويدها روسيا بالمسيّرات في أوكرانيا”.
واعتبر مارداسوف أن “الكرملين” لا يريد تغيير الوضع الراهن في سوريا، لكنه ربما لا يستطيع مقاومة هذا القرار الآن، وقرر أن أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية هي ذريعة جيدة لتصعيد الموقف وإظهار أن روسيا لديها حلفاء سيغطون المنشآت في سوريا إلى جانب أنظمتها الدفاعية الجوية.
ولفت مارداسوف إلى أن من الواضح أنه في حالة وقوع “أمر خطير” سيكون من الصعب للغاية على موسكو تقاسم المسؤولية.
ردود لا توقف الاستهداف
تبقى تصريحات النظام السوري بخصوص الرد على ضربات إسرائيل في سوريا حبيسة البيانات والمؤتمرات الصحفية، ويكتفي بالتهديد بالرد والتنديد بأي استهداف.
أحدث هذه التعليقات كان من مندوب النظام السوري لدى الأمم المتحدة، بسام صباغ، الذي قال خلال جلسة لمجلس الأمن، إن العدوان الإسرائيلي على سوريا “جريمة حرب موصوفة، وانتهاك للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ويجب على المجلس الاضطلاع بمسؤولياته لردع الاحتلال وضمان عدم تكرار اعتداءاته”.
ومن الردود السابقة على قصف طال مطاري “حلب” و”دمشق” في 31 من آب 2022، قال وزير الخارجية في حكومة النظام، فيصل المقداد، إن “إسرائيل تلعب بالنار، وتعرّض الأوضاع الأمنية والعسكرية في المنطقة للتفجير”.
وهدد المقداد بقوله، إن سوريا لن تسكت في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، و”سيدفع الإسرائيليون الثمن عاجلًا أم آجلًا”.
وفي 7 من آذار 2022، بعد استهداف محيط دمشق، قال المقداد، إن على إسرائيل أن تعرف أن الرد “آتٍ لا محالة”، مضيفًا أن “سوريا قادرة على الرد على الاعتداءات الإسرائيلية، وهي من يتحكم بالرد”.