عنب بلدي – أنس الخولي
“حول موقد حطب صغير بجانب مخيم نشأ استجابة للزلزال على أطراف مدينة إدلب، اجتمعت مع صاحب المنزل الذي كان يطالبني قبل ساعات بزيادة الإيجار”، قال مازن العبود (43 عامًا) في إشارة إلى أن الكارثة جماعية، وتفرض تقديرًا متبادلًا للظروف التي فُرضت على جميع سكان الشمال السوري، وفق تعبيره.
لم يُدمَّر المنزل الذي كان يقطنه مازن جرّاء الزلزال الأول، واقتصر الأثر على أضرار طفيفة، ما دفع صاحب المنزل لمطالبته برفع الإيجار مستغلًا زيادة الطلب على المنازل في مدينة إدلب، وفق ما قاله الشاب لعنب بلدي.
“هزات ارتدادية متتالية جعلت المنزل غير صالح للسكن، وكانت كفيلة بانتقالي وعائلاتي إلى أحد المخيمات، حيث وجدت صاحب المنزل قد سبقني”، تابع الشاب.
وعانى مازن منذ تهجيره إلى إدلب مشكلة إيجارات البيوت التي ترتفع مع كل حركة نزوح، لكن واقع المنطقة ودمار آلاف الأبنية بلحظات، جعل رفع الإيجار فكرة “غير منطقية”، وفق قوله.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي، شهدت إيجارات المنازل ارتفاعًا كبيرًا خلال الأيام الماضية، ما فاقم معاناة مئات العائلات النازحة والمتضررة من الزلزال.
استغلال الكارثة
انتهى عقد إيجار المنزل الذي يقطنه مازن مع نهاية كانون الثاني الماضي، ما جعله يواجه مطالبات يومية من قبل صاحب المنزل برفع الإيجار من 75 دولارًا شهريًا إلى 100 دولار، بحسب ما قاله مازن، مشيرًا إلى أن صاحب المنزل كان يرفض توقيع العقد لأكثر من ستة أشهر ليستطيع رفع الإيجار بشكل مستمر.
ولم يكن الزلزال رادعًا لعدم رفع الإيجار، إذ واصل صاحب المنزل مطالباته برفعه إلى أن اضطر مازن إلى إخلائه بسبب الضرر الكبير الذي تركته الهزات الارتدادية.
ويعيش محمود خضراوي معاناة مشابهة، بعد أن دفعته الأضرار التي لحقت بمنزله للبحث عن منزل بديل لاستئجاره في مدينة إدلب.
وبعد أيام من البحث ومعاناة البقاء في المخيمات الناشئة، وجد الشاب منزلًا صغيرًا مكونًا من غرفتين، لكن صاحبه طالبه بدفع 100 دولار شهريًا، وفق ما قاله محمود، لافتًا إلى أنه مجبر على دفع 100 دولار مقسمة إلى مبلغ تأمين وعمولة للمكتب العقاري.
صاحب أحد المكاتب العقارية في إدلب عبد الرحمن دهنين، قال لعنب بلدي، إن تضاعف الطلب على المنازل بعد الزلزال في مدينة إدلب رفع الإيجارات بشكل ملحوظ.
ورغم انخفاض الطلب على البيوت، إثر استمرار الهزات الارتدادية، ومخاوف العائلات من البقاء في الأبنية خصوصًا الطابقية، لم تنخفض الإيجارات، وفق ما قاله عبد الرحمن.
وتقدّر نسبة ارتفاع الإيجارات عما كانت عليه قبل الزلزال بـ25%، بحسب عبد الرحمن.
بدوره، أصدر مجلس الوزراء بحكومة “الإنقاذ”، في 14 من شباط الماضي، قرارًا يقضي بتمديد عقود الإيجار الموثقة لدى الكاتب العدل وغير الموثقة نهاية تموز المقبل.
كما يمنع إخلاء المستأجر أو رفع الإيجار حتى التاريخ نفسه، لمنع حدوث حالات استغلال والحفاظ على استقرار الأهالي، وفق نص القرار.
يرتفع مع ارتفاع الطلب
بحسب استطلاع رأي أجرته عنب بلدي، ازدادت مخاوف المستأجرين بعد كارثة الزلزال من استغلال أصحاب المنازل وارتفاع الإيجارات، خصوصًا في ظل غياب القوانين الضابطة للإيجارات، واعتماد أصحاب المنازل بتحديد الأسعار على حجم الطلب.
وفي حين انخفض الطلب على المنازل الطابقية بعد استمرار الهزات الارتدادية، زاد الطلب على المنازل العربية والمزارع والشقق في الطوابق المنخفضة.
صاحب مكتب “المعمار” العقاري إبراهيم معمار، قال لعنب بلدي، إن الطلب على المنازل لم يقتصر على الأهالي النازحين باتجاه المدينة بفعل الزلزال، إذ اضطر العديد من سكان إدلب للبحث عن منازل للإيجار بعد تضرر منازلهم إثر الزلزال.
وأضاف إبراهيم أن بعض الأشخاص يخافون البقاء في الطوابق المرتفعة بالوقت الراهن، لكن الخوف من أزمة سكن مرتقبة دفعهم لاستئجار منزل، بينما قرروا البقاء في مراكز الإيواء والخيام بشكل مؤقت.
يأتي ذلك في ظل نزوح أكثر من 6158 عائلة من مختلف المناطق المتضررة بالزلزال إلى مدينة إدلب، وفق ما قاله الناطق الرسمي باسم مجلس مدينة إدلب، فراس علوش، لعنب بلدي، لافتًا إلى صعوبة إجراء إحصاء دقيق لعدد العائلات في الوقت الراهن.
وأضاف علوش أن المجلس استحدث خمسة مراكز إيواء مؤقتة في الأيام الأولى من الزلزال، لكن استمرار الهزات الارتدادية ضاعف من عدد الأسر المتضررة، وفرض العمل على إنشاء المزيد من المراكز.
وتعاني إدلب اكتظاظًا سكانيًا يفرض صعوبات إضافية على سكانها، بينما تغيب الإحصائيات الواضحة لعدد سكانها، بسبب تداخلها مع مناطق من ريف حلب.
وتفاقمت مشكلة الاكتظاظ السكاني بعد كارثة الزلزال التي جعلت مدينة إدلب مقصد مئات العائلات المتضررة من الزلزال.
ووثّق “الدفاع المدني السوري” انهيار أكثر من 550 مبنى، بينما تضرر بشكل جزئي أكثر من 1570 مبنى، إلى جانب تصدع آلاف المباني في مختلف المناطق التي ضربها الزلزال.