التقى وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في 27 من شباط الماضي، نظيره في حكومة النظام، فيصل المقداد، لـ”إيصال رسالة تضامن” عقب الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا.
الزيارة جاءت عقب سنوات من القطيعة السياسية، التي كُسرت حدتها بعدما وصل عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، بانقلاب على الرئيس محمد مرسي، في تموز 2013، وسبقها بساعات لقاء جمع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بوفد من “الاتحاد البرلماني العربي” في دمشق قادم من العراق، ضم أعضاء من عدة دول عربية.
ونظرًا إلى حالة القرب بين مصر ودول الخليج العربي، بُنيت فرضيات عديدة عن مبادرات خليجية مقدمة للنظام السوري، بناء على تحليلات خبراء على وسائل الإعلام، في حين أن الوزير المصري صرح لوسائل الإعلام خلال الزيارة عن أنها جاءت “في إطار إنساني ولا علاقة لها بالسياسة”.
تطبيع جديد؟
عقب سيطرة النظام السوري على مساحات واسعة من الجغرافيا السورية بدعم من روسيا وإيران عام 2018، بدأت عمليات التطبيع معه من قبل دول عربية، كانت أولاها الإمارات، إلى جانب لقاءات لوزير خارجية النظام مع نظراء له خارج الحدود السورية.
ومن بين هذه اللقاءات اجتماعه لأول مرة بعد انقطاع لسنوات مع نظيره المصري، سامح شكري، عام 2021، على هامش الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بمدينة نيويورك الأمريكية.
الاجتماع بين وزيري الخارجية في نيويورك جاء عقب أشهر من الحديث عن تطلّعات مصر إلى “عودة سوريا لمحيطها العربي”، وفق ما قاله وزير خارجيتها، في 26 من كانون الثاني الماضي.
وحملت هذه التصريحات بوادر تطبيع مصري مع النظام السوري، لكنه لم يتجاوز هذه الحدود، إذ أبقت مصر على تقاربها مع النظام في إطار التصريحات السياسية.
الباحث الزميل في مركز “عمران للدراسات” نادر الخليل، قال لعنب بلدي، إن التطبيع غير المعلَن منذ سنوات صار علنيًا الآن، لكن في الوقت نفسه لا يمكن لمصر أن تلعب دورًا مستقلًا في الملف السوري، بل سيكون الدور المصري تابعًا للإمارات والسعودية.
ويرى الخليل أن الثقل النوعي سيكون للسعودية في إطار السياسة المصرية، ولكن المؤشر الأهم لنجاح أي مصالحة أو تطبيع، يجب أن يترافق مع تسوية ما أو صفقة نوعية في سوريا.
مصر لا تزال تمانع
حول التوجهات الجديدة لمصر وربما السعودية، يرى نادر الخليل أنه رغم كل التطورات التي طرأت مؤخرًا، لا تزال مصر تمانع رسميًا عودة سورية إلى الجامعة العربية في ظل غياب الإصلاحات الجادة في سوريا.
هذه الممانعة ظهرت واضحة من خلال إعلان سامح شكري عن أن زيارته إلى سوريا جاءت من باب “إنساني”، لكن هذا الموقف قد تُبنى عليه تطورات لاحقة في الموقف المصري، بحسب الباحث.
وفي ما يخص السعودية التي تراجع دورها في المشهد السوري منذ سنوات، ربما لأنه لم يعد يشكّل خطرًا بالنسبة لها، لا تزال لدى الرياض هواجسها حيال عودة النظام إلى الساحة العربية، وذلك مرتبط بشكل كبير بالأردن، ولا ينحصر الأمر فقط بإيران ووجودها في سوريا.
وبالتالي فإن الدول المعنية بالملف السوري تعيد ترتيب علاقاتها مع النظام بحكم أن مشكلات الجغرافيا السورية أثرت على المنطقة بشكل عام، بحسب الخليل.
هذه المشكلات تغدو لافتة للنظر بالنسبة للدول، كون أمريكا لا تدفع أو تدعم أي حل في سوريا، وكذلك روسيا أيضًا التي لا تضغط باتجاه أي حل، وبالتالي تبحث الدول عن مقاربات جديدة في المسألة السورية.
“جس نبض” سعودي
بالنظر إلى الثقل السعودي الملحوظ في أروقة الدبلوماسية المصرية، يرى الباحث نادر الخليل أن الزيارة المصرية تعكس عملية “جس نبض” سعودي، كما فعلت الإمارات قبلها.
وقال إن ما تتطلع له السعودية مؤخرًا في الملف السوري، هو الوقوف على مدى جاهزية النظام أو احتمالية قبوله بتسوية سياسية يقدم فيها تنازلات تسمح للإمارات أو السعودية وغيرهما من الدول العربية الأخرى بالاستثمار الاقتصادي في سوريا.
وربما تكون الاستثمارات السعودية أو الخليجية مطمعًا بالنسبة للنظام، لكن بالنسبة للسعودية، فإنها تبحث عن ضمانات سياسية “نوعية” تخفف من النفوذ الإيراني في سوريا، وتعزز مصالحها فيها.
ومع كل ما سبق، إذا لم يقدم النظام تنازلات أمام المطالب الخليجية، لن يتحول “التطبيع السياسي” إلى استثمار اقتصادي “نوعي” ينهي الأزمة الاقتصادية التي يعانيها النظام بشدة، بحسب الباحث.
وسبق أن تحدثت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام عما أسمته “خطوات إيجابية حضرت بين دمشق والرياض” خلال الأشهر الماضية، ذكرت منها زيارة مدير إدارة المخابرات السورية العامة، حسام لوقا، للعاصمة السعودية، ورفع العلم السوري في شوارع الرياض خلال القمة العربية- الصينية.
الباحث يرى حول هذه النقطة أن بشار الأسد “يعرض شيئًا ما للتنازل”، ولا يمكن البت في الأمر بسبب غياب التفاصيل حتى الآن، لكن يمكن بناء فرضيات تحليلية حسب المعطيات المتوفرة حاليًا.
عبء إيران “الثقيل”
نتيجة الوضع الاقتصاد السيئ للنظام، وعدم قدرة إيران على الاستمرار بتمويل ودعم الاقتصاد السوري، يرى الخليل أن الأسد صار عبئًا ثقيلًا على إيران، وهو ما لاحظه النظام نفسه مؤخرًا، ويمكن أن يدفعه للبحث عن بدائل للدعم الإيراني.
هذا التصور لدى النظام شكّل مدخلًا لتواصل ما مع دول خليجية، وبالتالي استطلاع إمكانات حصول اختراق وتغلغل ضمن مراكز القوة التي شكلتها إيران عبر سنوات الحرب ضمن هياكل النظام، بحسب الخليل.
وبالطبع، النظام والدول الأخرى تأخذ بعين الاعتبار أن إيران لن تنسحب أو تقلل من نفوذها في سوريا بسبب رغبة النظام بذلك، لكن المسألة هي أن تملأ هذه الدول الفراغ، لتقليل حيز النفوذ الإيراني في سوريا.
ويمكن النظر إلى هذه الفرضية بناء على التجربة الروسية سابقًا، عندما قللت من نفوذ إيران بتدخلها في سوريا، عبر مبدأ “التراكم التدريجي”، إذ يمكن لدول الخليج ملء الفراغ الذي أنتجته الأزمات الإيرانية الداخلية على الساحة السورية، بحسب الباحث.
ماذا تريد السعودية
الباحث يرى أن للسعودية عدة أهداف يمكن أن تكون مهمة في إطار تسوية علاقتها مع النظام السوري، خصوصًا فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني في سوريا، والنفوذ المشابه له في اليمن.
وقال، خلال حديثه لعنب بلدي، إن من الممكن أن تحاول السعودية الدخول على خط الملف السوري، بغرض إدخال النظام وسيطًا بين طهران والرياض بطريقة ما، فيما يخص ملف “الحوثيين” في اليمن الذي بات طول أمده يؤرق السعودية.
إلى جانب وجود إمكانية تبادل مصالح مع إيران في ملف اليمن، وهو أمر وارد، إذ لطالما لعب “الأسد الأب” دورًا مماثلًا في العلاقات كوسيط بين طهران والرياض، وقد تكون زيارة بشار الأسد مؤخرًا لعُمان في الإطار نفسه، خصوصًا أن مسقط عضو فعال في الوساطة بين السعودية وإيران أيضًا.
ومنذ مطلع العام الحالي، شهد الخطاب السعودي تجاه النظام السوري تغيرًا واضحًا، برزت ملامحه بشكل أكبر منذ حدوث الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا.
أحدث التصريحات السعودية التي حملت ملامح التبدل كانت في 18 من شباط الماضي، عندما قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، خلال جلسة حوارية عن “الدور الجيوستراتيجي لدول الشرق الأوسط” في مؤتمر ميونيخ للأمن 2023، إن “هناك إجماعًا عربيًا على أن الوضع الراهن في سوريا لا يجب أن يستمر”.
ومنذ كانون الثاني الماضي، عاد الحديث عن تقارب سعودي- سوري، بالاعتماد على عدة مؤشرات منها رسمية وأخرى مصادرها “غير مصرح عنها”.
هذا التحول سبقه، في كانون الأول 2021، حديث المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، عن أن الحرب لم تنتهِ في سوريا التي شهدت سقوط 2000 قتيل خلال العام نفسه، محذرًا، “لا تصدقوا إذا قالوا إن الحرب انتهت في سوريا”.
وأضاف أن تقارير الأمم المتحدة أظهرت أن النظام مسؤول عن انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، منتقدًا “أولئك الذين أذنوا لموجات المتطرفين، وعرّضوا التاريخين الإسلامي والعربي للخطر”، حسب تعبيره.
ومنذ بداية الثورة السورية عام 2011، اتخذت السعودية موقفًا واضحًا من النظام السوري يتوافق مع موقف دولي وعربي حينها، إذ قطعت العلاقات وأغلقت السفارة السورية، كما دعمت وما زالت تدعم تيارات من المعارضة السورية حتى اليوم.
–