“انهار البناء بسرعة مرعبة لم تمنحنا فرصة التفكير بالهرب، وبثوانٍ قليلة وجدت نفسي وبين يدي طفلتي الرضيعة تحت أنقاض منزلنا في جنديرس”، كانت هذه اللحظات الأولى التي عاشتها كاملة عساف (25 عامًا) يوم وقوع الزلزال، في 6 من الشباط الحالي.
نجت فاطمة وطفلاها، لكنها فقدت في ذلك اليوم زوجها وشقيقتها وابنها الذي توفي قرب ساقيها اللتين تعرضتا لـ”الهرس”، ما كان كفيلًا بتحويل فرحة النجاة إلى بداية كارثة جديدة، وفق ما قالته كاملة لعنب بلدي.
“كانت الأنقاض تضغط بشدة على ساقي، بينما أحتضن طفلي الرضيع في محاولة لحمايته، حين سمعت أصوات فرق الإنقاذ تقترب من البناء مستجيبة لبكاء طفلتي البالغة من العمر خمس سنوات، والتي لم أكن أعرف موقعها حينها”، تابعت كاملة.
استمرت عملية الإنقاذ لساعات طويلة جرّاء نقص المعدات، عانت كاملة خلالها من آلام شديدة نتيجة الضغط الكبير على ساقيها، ما جعلها تشعر بأن فرص نجاتها ضئيلة جدًا.
أسفر ذلك الضغط عن إصابتها بالقصور الكلوي، وشُخصت حالتها من قبل الأطباء في مستشفى “الجمعية الطبية السورية الأمريكية” (سامز) في إدلب.
نجاة ناقصة
بعد أيام من حدوث الزلزال برز الحديث عن وجود عشرات المصابين بـ”متلازمة الهرس”، وسط مخاوف من عجز المستشفيات والمراكز الطبية عن استيعاب أعداد المصابين.
وعقب أيام من تلقي كاملة الرعاية الطبية اللازمة من قبل الأطباء في مستشفى “سامز” تحسنت حالتها الصحية، وأظهرت نتائج الفحوصات والتحاليل عودة الكلى لحالتها الطبيعية، بينما ما زالت عشرات الحالات في شمال غربي سوريا.
الطفلة سوزان عرنوس (13 عامًا) بقيت عالقة تحت أنقاض منزل عائلتها في سلقين لحوالي 12 ساعة، تعرّضت خلالها لضغط على ساقيها نتيجة سقوط حجار ثقيلة عليهما.
ورغم نجاتها من الكارثة، تركت تلك الساعات أثرًا على جسدها، إذ أصيبت سوزان بـ”متلازمة الهرس” التي تسببت بقصور كلوي وجعلتها بحاجة لجلسات غسيل كلى بشكل دوري، وفق ما قالته عائلتها لعنب بلدي.
بينما بقيت سارة صوراني (12 عامًا) عالقة تحت الأنقاض لنحو 24 ساعة بانتظار فرق الإنقاذ، عانت خلالها من ضغط على ساقها ويدها اليمنى.
وتلقت سارة الرعاية الطبية في المركز وأجرت جلسات غسيل كلى حتى عادت كلاها لحالتها الطبيعية.
ويعيش عمر دروبي حالة مشابهة، إذ أصيب الشاب بـ”متلازمة الهرس” جراء بقائه لساعات تحت الأنقاض، وفق ما قاله لعنب بلدي.
وإلى جانب معاناة عمر من حالته المرضية التي تجبره على إجراء جلسات غسيل كلى مرتين أسبوعيًا لحين تحسن حالته الصحية، فقد الشاب العديد من أفراد أسرته جرّاء الزلزال.
وخلال الأيام الماضية ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عن الطفلة شام وشقيقها عمر المصابين بـ”متلازمة الهرس” وحاجتهما الشديدة لرعاية طبية فائقة، تطلبت نقلهما إلى تركيا.
ما “متلازمة الهرس”؟
“متلازمة الهرس” أو “السحق” هي حالة يتم فيها تدمير الخلايا العضلية الهيكلية الموجودة في الأطراف أو أجزاء أخرى من الجسم بفعل قوة خارجية ضاغطة، ما يؤدي إلى خروج محتويات الألياف العضلية وانتشارها في الدوران الدموي مسببة بعض المضاعفات، كانخفاض ضغط الدم، ومتلازمة الضائقة التنفسية الحادة، واضطراب الكهارل (ارتفاع البوتاسيوم والفوسفور وانخفاض الكالسيوم في الدم)، وحدوث القصور الكلوي الحاد.
يُشخص المرضى بـ”متلازمة الهرس” بالاعتماد على بعض الأعراض ومنها، ألم العضلات والبول الأحمر أو البني، بينما لا تظهر أعراض الإصابة على العديد من المرضى إلا في وقت متأخر، وفق ما قاله رئيس المجلس العلمي للأمراض الباطنة في الهيئة السورية للاختصاصات الطبية الطبيب وسيم زكريا، لعنب بلدي.
وتعالج الحالة بحسب شدتها، ويتضمن العلاج بالغالب تزويد المصاب بالمحلول الملحي في الوريد، وفق ما قاله الطبيب لافتًا إلى ضرورة تلقي العلاح بأسرع وقت ممكن لتقليل المضاعفات.
ويحتاج المصاب الذي تعرضت أطرافه أو اجزاء من جسمه لضغط شديد لفترة طويلة في العديد من الحالات لغسيل الكلى نتيجة تدهور حالته إثر عدم تلقي الرعاية الطبية السريعة.
نقص المعدات يهدد المصابين
تعاني المستشفيات ومراكز غسيل الكلى في شمال غربي سوريا من نقص شديد بالمعدات جرّاء نقص الدعم الذي أسفر عن إغلاق بعضها، بينما تلاحق تهديداته ما تبقى من المراكز.
وخلال الأشهر الماضية ناشد المسؤولون في تلك المراكز والعاملون بالقطاع الطبي لدعم مراكز غسيل الكلى محذرين من كارثة في حال توقفت عن العمل.
وفي حين كانت تلك المراكز عاجزة عن تلبية احتياجات المرضى، تفاقمت الاحتياجات بعد كارثة الزلزال التي جعلت عشرات المرضى المصابين بـ”متلازمة الهرس” بحاجة لغسيل الكلى.
مسؤول الرعاية الصحية الأولية في إدلب، الطبيب دريد رحمون، قال لعنب بلدي، إن 20% من الناجين من الزلزال المدمر مصابون بـ”متلازمة الهرس”، يحتاج 10% منهم لغسيل الكلى.
وأضاف الطبيب أن غسيل الكلى هو أساس العلاج من الإصابة بمتلازمة الهرس، بينما يعاني الشمال السوري من قلة أجهزة الغسيل وغياب الأدوية اللازمة والمعدات لإجراء عمليات غسيل الكلى.
وعملت مراكز غسيل الكلى على زيادة ساعات عملها وزيادة عدد جلسات الغسيل لعلاج مرضى الكلى والمصابين بـ”متلازمة الهرس”، لكنّ نقص المعدات عرقل عملهم، وفق ما قاله رحمون.
من جهته أكد مدير صحة عفرين، الطبيب أحمد حاج حسن، في حديث سابق إلى عنب بلدي، وجود نقص كبير في معدات غسل الكلى في المنطقة.
وقال حاج حسن، إن المنطقة تحتاج إلى مستشفى جراحي متكامل مجهز بأفضل الأجهزة الطبية الحديثة، بالإضافة إلى مستشفى تخصصي للأطفال، وقسم خاص بغسل الكلى مجهز ومدعوم بالمستهلكات.
وفي تقرير سابق بعنوان “توقف الدعم عن مركز غسل الكلى في عفرين.. كارثة تهدد المرضى” سلطت عنب بلدي الضوء على عواقب توقف الدعم عن مراكز غسيل الكلى في عفرين.
شارك بإعداد هذا التقرير مراسلا عنب بلدي أنس الخولي ومحمد نعسان دبل