تحرك عربي في الملف السوري ينشّط قنوات سياسية موصدة

camera iconسلطان عمان يستقبل الأسد عند زيارته إلى مسقط- 20 شباط 2023 (رئاسة الجمهورية)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

فتح الزلزال المدمر الذي ضرب ولاية كهرمان مرعش التركية، مؤثرًا بشكل مدمر في أربع محافظات سورية، الباب واسعًا أمام تحركات ونشاطات سياسية مكثفة للنظام السوري على وقع الكارثة.

هذه التحركات انطلقت إشاراتها منذ الأيام الأولى لوقوع الزلزال، التي تخللتها برقيات تعزية من قادة ومسؤولي دول عربية لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، وما تبعها لاحقًا من زيارات شكّلت نقلة نوعية في تعاطي بعض الدول مع النظام، خاصة أنها أتت بعد قطيعة متواصلة منذ بداية الثورة في سوريا.

وتعد زيارة الأسد، في 20 من شباط الحالي، لسلطنة عمان علامة فارقة في هذه التحركات، إذ تعتبر الزيارة الثانية لرئيس النظام السوري لدولة عربية منذ عام 2011، بعد الإمارات في 2022.

الزيارة التي بدأت باستقبال رسمي من سلطان عمان، شملت في جدولها القصير الذي استمر لساعات فقط، جلسة مباحثات سياسية أنتجت تأكيدًا عمانيًا على دعم سوريا في تجاوز آثار الزلزال، وتداعيات “الحرب والحصار المفروض على الشعب السوري”.

كما تضمنت أيضًا جلسة مباحثات مغلقة بين الأسد ومضيفه، هيثم بن طارق آل سعيد.

ورافقت زيارة الأسد إلى عمان رسائل سياسية عربية جاءت من أكثر من دولة، موحية بتعاطٍ أكثر ليونة تجاه الأسد مع اقتراب الثورة السورية من إتمام عامها الـ12، إذ سبقتها بيوم واحد تصريحات لوزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، خلال مؤتمر “ميونيخ للأمن 2023″، أكد خلالها أن هناك إجماعًا عربيًا على أن الوضع في سوريا لا يجب أن يستمر.

كما تطرّق الوزير السعودي إلى ضرورة معالجة وضع اللاجئين السوريين في الخارج، والجانب الإنساني في الداخل.

وخلال كلمته التي ألقاها في القمة العالمية للحكومات، في 13 من شباط الحالي، قدّم الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، “رسالة تضامن” مع سوريا، وطلب فيها من الرئيس الإماراتي ألا ينسى سوريا.

وتماشيًا مع الموقف المصري الرسمي على لسان السيسي، وصلت قبل خمسة أيام سفينة مصرية إلى ميناء “اللاذقية”، محمّلة بنحو 500 طن من المساعدات الطبية والغذائية والمعيشية، وفق ما نقله التلفزيون السوري الرسمي عن القائم بأعمال السفارة المصرية بدمشق.

وقريبًا من زيارة الأسد إلى عمان، جرى حديث عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية السعودي إلى دمشق، قبل نفيه، ثم عودته إلى الواجهة عبر موقع “إنتلجنس أونلاين“، الذي اعتبر المساعدات السعودية إلى المناطق المتضررة جراء الزلزال، الواقعة تحت سيطرة النظام، مؤشرًا على تغير موقف الرياض حيال دمشق.

وفي 23 من شباط الحالي، نشر موقع “المدن” ما قال إنها عشرة شروط تنشدها الرياض من الأسد للانتقال إلى التفاوض السياسي، وتضمنت إطلاق سراح عشرات المعتقلين، ومنهم سياسيون، والتفاوض الجدي مع المعارضة للتوصل إلى اتفاق سياسي بموجب قرار مجلس الأمن “2254”، والاتجاه نحو تعديل دستوري واسع يضمن تشكيل هيئة انتقالية.

كما شملت عدم التوقيع على مزيد من الاتفاقيات الاستراتيجية مع إيران، على مستوى الاقتصاد والعقارات، وإبعاد القوات الإيرانية عن الحدود السورية مع الأردن، والكشف عن معامل تصنيع المخدرات وآلية تصديرها من سوريا، والتفاوض على دخول قوات عربية لضبط الحدود، وتأمين مناطق آمنة بإشراف عربي ودولي لإعادة اللاجئين إلى مدنهم.

لماذا الآن

وحول توقيت زيارة الأسد إلى مسقط، التي جاءت في وقت لم تلملم به المناطق المتضررة بالزلزال جراحها بعد، أوضح الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن دسوقي، أن زيارة الأسد تترافق بحالة عدم اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، وخلاف أمريكي- روسي في أوكرانيا، ما منح النظام “هوامش” للحركة الخارجية، عبر البوابة الخليجية، في سبيل تجنب تبعات الانقسام الدولي على الملف السوري، وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.

وفي الوقت نفسه، أشار الباحث إلى حالة التوازن السياسي لدى سلطنة عمان في التعامل مع النظام السوري من جهة، ودول الخليج التي تنبذه من جهة أخرى، ما يمنحها القدرة على نقل رسائل محتملة إلى دول لا تزال تغلق أبوابها بوجه الأسد، إلى جانب احتمالية العمل على تليين موقف هذه الدول.

وفي ثاني أيام الزلزال، في 7 من شباط الحالي، تلقى الأسد اتصالًا هاتفيًا من سلطان عمان، أبدى فيه تضامن عمان وشعبها مع الشعب السوري جراء كارثة الزلزال، مقدمًا التعازي للأسد والسوريين عمومًا وذوي الضحايا، وفق “سانا“.

وعلى خلاف الدول الخليجية خصوصًا، ومعظم الدول العربية، لم تقطع سلطنة عمان علاقتها السياسية بالنظام السوري، في 2011، وعيّنت أول سفير خليجي في دمشق خلال الثورة، في 2020.

زيارات بالكم والنوع

تعددت الزيارات الوزارية إلى سوريا بعد حدوث الزلزال، بشقيها، المألوف الاعتيادي من دول على علاقة سياسية مع النظام، وأخرى جاءت لأول مرة في فوضى الزلزال، مع تراخي الموقف الأوروبي والأمريكي المرحب بنقل المساعدات، دون التطرق بعد لمسألة التطبيع، وإن كانت هناك تجارب سابقة حين عمّقت الإمارات علاقتها بالنظام، لم تنتج أبعد من “عدم تشجيع” من الجانب الأمريكي.

وفي 21 من شباط الحالي، زار وزير الصحة الإماراتي، عبد الرحمن بن محمد العويس، المواقع المتضررة من الزلزال في مدينة جبلة باللاذقية.

هذه الزيارة سبقتها، في 12 من شباط، زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، إلى سوريا أيضًا، ولقاء رئيس النظام، بشار الأسد، وقيامه بجولة على بعض المناطق المتضررة بالزلزال، إلى جانب إقناعه بتمرير المساعدات إلى شمال غربي سوريا عبر معبرين إضافيين، وفق ما نقلته وكالة “رويترز” عن عدة مصادر.

وسبقت هاتين الزيارتين وتخللتهما وتبعتهما طائرات مساعدات إماراتية إلى مناطق سيطرة النظام، بشكل يومي، وصولًا إلى أكثر من 93 طائرة، حتى 23 من شباط الحالي.

ولأول مرة منذ عام 2011، زار وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، دمشق، في 15 من شباط، والتقى نظيره السوري، فيصل المقداد، والأسد، وبحث جهود التوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة والكارثة، وفق ما نقلته حينها قناة “المملكة” الأردنية.

كما استقبل بشار الأسد، في 8 من شباط، وفدًا وزاريًا لبنانيًا يرأسه وزير الخارجية، عبد الله بو حبيب، بتكليف من رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، في خطوة لا تخرج عن مألوف علاقات الجانبين، لكنها في الوقت نفسه تضاف إلى سجل الزيارات العربية المتزامنة، لتوسيع رقعة النشاط السياسي.

الزلزال “فرصة”

الباحث في العلاقات الدولية، بلال سلايمة، أوضح لعنب بلدي أن الزلزال أعطى النظام فرصة استرداد أو إعادة ترويج رواية “ضرورة العمل من أجل إعادة بناء سوريا” بصرف النظر عن الشروط السياسية التي تضعها بعض الدول.

وبحسب سلايمة، فإن التبعات السياسية للزلزال تندرج في اتجاهين، سمح أولهما للدول الراغبة والتي تبحث عن فرصة بالوصول إلى هذه العلاقات أو “ترسيمها” إن كانت موجودة (سلطنة عمان مثلًا)، لكنها شكّلت في الاتجاه الثاني معضلة لدى الدول الرافضة للتقارب في التعامل مع آثار الزلزال، فهناك مسؤولية ومطالبة بالعمل باتجاه البعد الإنساني، وهناك أيضًا رفض لاستثمار النظام الموقف سياسيًا، كونه يدفع لتغيير الرواية الحالية، في سبيل تجاوز شروط إعادة الإعمار المنوطة بالعملية السياسية.

ومع أن بعض الدول العربية تعارض مبدئيًا التطبيع مع النظام السوري، لكن تبعات الزلزال، والهرولة السياسية لبعض الدول تجاه الأسد، واستعادة النظام للمنصة السياسية، دفعت دولًا للتفكير بالتعامل مع الأسد خارج الإطار الحالي المرتبط بالعملية السياسية، وتصريحات وزير الخارجية السعودي في مؤتمر “ميونيخ” تصب في هذا السياق، وفق سلايمة.

ورغم قرب الإمارات وسلطنة عمان من النظام، والتصريحات السعودية التي جرى تفسيرها كتلميحات، لا يزال الموقف الخليجي منقسمًا حيال الأسد، ولا سيما مع وقوف قطر على الضفة الأخرى، وتأكيد وزير الخارجية الكويتي، سالم عبد الله الجابر الصباح، في مؤتمر “ميونيخ” أن موقف الكويت ثابت من النظام، ولا خطط للتطبيع بعد الزلزال.

واعتبر الباحث أن الزلزال شكّل عاملًا مسرعًا للدول الراغبة، وفتح باب علاقات قد لا تبدو بوضوح، عبر تنشيط قنوات سياسية ربما تبدأ بمستوى استخباراتي، أو دبلوماسي منخفض، كما شكّلت زيارات المسؤولين الأمميين إلى سوريا واللقاء مع الأسد عوامل ضغط ربما على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الرافضين للتقارب مع النظام، وهو ما تُرجم على الأرض من خلال الإعفاءات التي صدرت لستة أشهر في إطار تفعيل الاستجابة الإنسانية.

ورغم الجهود السابقة والمتواصلة لتحقيق تقارب أكبر، وحالة “عدم اليقين” من عودة النظام للجامعة العربية حينها، استبعد بلال سلايمة أن تسهم التحركات الحالية في عودة النظام للجامعة خلال العام الحالي، على أقل تقدير.

وسبب الزلزال وفاة 1414 شخصًا في مناطق سيطرة النظام، و2274 شخصًا في شمال غربي سوريا، الأمر الذي تعامل معه النظام كـ”مقامرة” سياسية منذ اليوم الأول، عبر البحث عن امتيازات وصفقات سياسية في ركام منازل السوريين المتصدعة جراء قصفها أولًا، والمدمرة بالزلزال ثانيًا.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة