ماذا عليك أن تفعل بعد تعرضك للصدمة
صفوان قسام
بعد تعرضنا لحدث صادم مهدد لحياتنا أو حياة من نحب، أو عند رؤيتنا مشاهد صادمة، تنتابنا الكثير من الأحاسيس والمشاعر السلبية، التي تقول لنا إننا لسنا على ما يرام! ولذا كان من المهم أن نذكّر أنفسنا بما نعرفه عن الإجهاد النفسي والصدمة والتكيف والمرونة النفسية، إذ يمكن مراجعة الأعداد السابقة من جريدة “عنب بلدي” للتعرف إليها، فلنتذكر بأن شعورنا هذا وتصرفاتنا هذه هي “رد فعل طبيعي على حدث غير طبيعي”.
ولتجاوز هذه الصدمة، مارس بعض الأنشطة الحركية، وابدأ بالتدرج في صعوبتها بشكل مريح دون إجهاد، من السهل إلى الصعب، وزد الوقت بالتدريج، ومن المهم القيام بالتمارين بعد انقضاء اليوم الأول وقبل انتهاء اليوم الثالث، لأن ذلك يساعد الجسم على التخلص من بعض الهرمونات والمواد الكيماوية التي أفرزها.
وتجنب في الفترة اللاحقة للصدمة القيام بالأعمال والأنشطة الصعبة التي تحتاج إلى تركيز شديد، كتشغيل آلات خطيرة، أو القيادة على الطرقات السريعة، أو التعامل بالحسابات المالية، لأنك معرض لتشتت الانتباه وازدياد نسبة الأخطاء، وهذا يقتضي عدم اتخاذ قرارات مصيرية قدر الإمكان خلال هذه الفترة، لأنها قد تكون مبنية على عواطف وانفعالات لا منطقية.
حاول أن تلتزم ببرنامجك اليومي وأنشطتك المنتجة، ولا تنسَ أخذ احتياجاتك بالحسبان، كالتواصل مع العائلة والأصدقاء، ولا تنسَ أن تخصص وقتًا لتكون به بمفردك، اخرج إلى الطبيعة، تناول طعامًا صحيًا ومتوازنًا ومنتظمًا حتى لو لم تشعر بالجوع، قم بالأنشطة الروحية، كالصلاة أو الاستماع إلى الموسيقا، ولا تضغط على نفسك من أجل إنجاز الأمور العادية، ابدأ بالمهام الأبسط والتي يمكن إنجازها بسرعة وبسهولة، لأن إنجازها سيكون دافعًا لك للمضي إلى الأمام.
تجنب الأشخاص الذين لا ترتاح بالتواصل معهم في هذه الفترة على الأقل، خفف بعض الأعمال، وأبقِ هاتفك صامتًا، ويمكن تخصيص وقت معيّن للرد على رسائل وسائل التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني، وفي حال كان لا بد من التواصل مع أشخاص لا ترتاح للتواصل معهم، أخبرهم بشكل مهذب أنك لا تريد الحديث بالموضوع الذي لا يريحك، واطلب تغييره… اختر بعناية الأشخاص الذين تريد الحديث معهم حول مشاعرك وما مررت به من تجارب صادمة، فليس كل الناس يحسنون الاستماع أو يريحك نقاشهم، أو ربما كانت تعليقاتهم مزعجة وفيها شيء من اللوم أو السخرية من تجاربك، وهذا سيزيد من ألمك فتجنبه.
قاوم الأفكار السلبية غير المنطقية، كأن تلوم نفسك بأنك حي والبقية قد توفوا، أو أن تعتبر أن ما حدث هو ذنبك، وطمئن نفسك أن ما حصل لن يستمر وأن الحياة ستمضي، لا تحرم نفسك من الطعام ولو كان يسيرًا، فأنت بحاجة إليه حاليًا، ولا تفكر بأنك تأكل وغيرك لا يستطيع الأكل، فهذا التفكير شائع خلال فترة الصدمات، وهو واحد من أعراضها.
ويمكن لك إن لم تجد من تكلمه، التحدث إلى أحد الداعمين النفسيين، خصوصًا في التفاصيل المحزنة أو المحرجة التي لا يمكن نقاشها مع أفراد العائلة.
هناك من يقومون بالكتابة عن تجاربهم وانعكاسها عليهم، فإن كنت تملك هذا الاهتمام، قم بذلك فهو مريح، ومارس تمارين التنفس العميق والاسترخاء، وخذ حمامًا دافئًا، وكذلك قم بالأمور التي تحبها: مشاهدة فيلم، القراءة، الكتابة، الرسم، الاستماع إلى الموسيقا، النشاط البدني، زيارة الأماكن الجميلة، الطبخ، الشطرنج… إن كنت تعاني مشكلات في النوم، خصص وقتًا للراحة دون القيام بأي جهد حتى تعوّض ما تحتاج إليه من راحة للأعصاب، فاضطراب النوم أمر شائع عند الصدمات. عليك التفكير باتخاذ بعض القرارات البسيطة في حياتك، مهما كانت درجة بساطتها، وتجنب القرارات المهمة في هذه المرحلة، فهذا سيساعدك على تعزيز قدرتك على التحكم بسير حياتك من جديد.
احذر ما يلي، خصوصًا في أول يومين، وبشكل عام خلال أول أسبوعين من الحدث الصادم:
لا تحكم على نفسك بأنك مجنون أو مريض نفسي، ولا تقم بتغييرات مهمة في حياتك، كالاستقالة أو الطلاق، أو البيع والشراء، وتجنب شرب الكحول، أو المخدرات، أو المقامرة، أو التدخين بشراهة، وخصوصًا تدخين “الحشيش”، فهذه الأمور تشعرك بالارتياح على المدى القريب، لكنها ستعيد لك المشاعر السلبية مضاعفة بعد فترة، وتدخلك في مشكلات جديدة منها الإدمان، واحذر تناول القهوة والكافيين، فأنت متوتر أساسًا ولا تحتاج إلى ما يزيد توترك.
لا تحاول نسيان الحدث كالمشاعر والذكريات المرتبطة به من خلال الانغماس بالعمل زيادة على المعتاد من أجل صرف ذهنك عن الحدث، فالدماغ يجب أن يعالج هذه المشاعر والذكريات بطريقة صحيحة، ويجب أن يأخذ وقته حتى تستطيع استعادة توازنك، ولا تعزل نفسك عن الناس حتى لو لم تتحدث إليهم، كن بينهم دون أن تتكلم لا بأس، ولا تشاهد أمورًا عنيفة أو تقرأ عنها، فهذا قد يعيد لك الذكريات بشكل خارج عن إرادتك ويشعرك بالحزن والضيق.
يمكن للخيال أن يكون مخرجًا لك من صدمتك، فلك أن تغمض عينيك وتسترخي ثم تتخيل مثلًا أنك في مكان تحبه، وهو مكان آمن، أو أن تستعيد لحظة جميلة عشتها وتتذكر تفاصيلها وأنت في هذه الوضعية، فهذا سيبعدك قليلًا عن مشكلاتك، أمسك بشيء تحمل له مكانة خاصة ويهدئ من روعك، وعد إلى تفاصيل حصولك عليه، أو تأمله وعدد ألونه أو شم رائحته. اسمح لنفسك بالبكاء فلا عيب في ذلك، وهو مريح لك بالتأكيد.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :