مستغلة ظروف الزلزال.. “تحرير الشام” تعبّد الطريق نحو شمالي حلب
عنب بلدي – حسن إبراهيم
حرّك الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وأربع محافظات سورية، الجهات العاملة شمال غربي سوريا من أجل الاستجابة لتداعيات “كارثة القرن” التي أسفرت عن تسجيل 2274 حالة وفاة، وأكثر من 12400 مصاب في الشمال السوري.
استجابة إنسانية لم تخلُ من رسائل سياسية داخلية، خاصة مع وجود “هيئة تحرير الشام” التي تسيطر عسكريًا على محافظة إدلب وأجزاء من ريف حلب، و”الجيش الوطني السوري” الذي يسيطر على ريفي حلب الشمالي والشرقي ومدينتي تل أبيض ورأس العين شمال شرقي سوريا.
رسائل حملها القائد العام لـ”هيئة تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، مع ظهوره المتكرر بعد مرور يوم على الزلزال الذي حدث في 6 من شباط الحالي، موجهًا أنظاره نحو مناطق ريف حلب غير الخاضعة لسيطرة فصيله، مظهرًا فيها “إدارته الجيدة”، عززتها نيات سابقة ورغبة بتوسعة النفوذ.
عيون نحو جنديرس
كان ظهور “الجولاني” في بلدة جنديرس بريف حلب الشمالي لافتًا، إذ لا تقع البلدة تحت مناطق سيطرته، وزارها خلال الجولات المتفرقة التي أجراها على المناطق التي طالتها أضرار الزلزال بريف إدلب في الفترة بين 7 و10 من شباط الحالي.
ونشر مراسلون عسكريون ومعرفات تابعة لـ”تحرير الشام” تسجيلًا مصوّرًا ظهر فيه “الجولاني” والقيادي العسكري في “الهيئة”، ميسر بن علي الجبوري (الهراري) المعروف بـ”أبو ماريا القحطاني”، قرب أنقاض أبنية دمّرها الزلزال في بلدة جنديرس.
رئيس المجلس المحلي في جنديرس، محمود حفار، قال لعنب بلدي، إن البلدة تتبع إداريًا لـ”الحكومة السورية المؤقتة”، وبشكل قطعي، وإن زيارة “الجولاني” سمع بها فقط عبر الإعلام، ولا تبرهن على شيء.
“الجولاني” قال خلال مؤتمر صحفي، إن لجنة “الاستجابة الطارئة” لتداعيات الزلزال، التي شكّلتها حكومة “الإنقاذ” (المظلة السياسية لـ”تحرير الشام”) في إدلب، أرسلت إلى جنديرس أكثر من 35 آلية في غضون 12 ساعة، بسبب وجود أبنية لم يحدث فيها أي إزالة للأنقاض أو استجابة.
وأضاف أن جنديرس لم يبقَ فيها منزل إلا وفي محيطه آليات أو فرق للإنقاذ، وذلك خلال المؤتمر الذي أجراه “الجولاني” ونشرته مؤسسة “أمجاد الإعلامية” التابعة لـ”الهيئة” في 9 من شباط الحالي.
حضور على المستوى الخدمي
مع مرور خمسة أيام على الزلزال، قال معاون وزير الاقتصاد والموارد في حكومة “الإنقاذ”، أحمد عبد الملك، إن الوزارة عملت على توجيه الأفران في المنطقة الشمالية ومنطقة أطمة تحديدًا، للعمل بكامل طاقتها الإنتاجية وعدم توقفها، حتى في يوم العطلة، لتلبية احتياج الأهالي في جنديرس والمناطق المحيطة.
وأضاف عبد الملك أن التوجيه جاء نظرًا إلى تأثر بلدة جنديرس بشكل كبير بالزلزال الذي أدى إلى دمار واسع في البنية التحتية، وتوقف أغلبية المخابز عن العمل نتيجة خروجها عن الخدمة، وذلك وفق ما نقلته وكالة “أنباء الشام” ” التابعة لـ”الإنقاذ”.
ونشرت معرفات لـ”تحرير الشام” صورًا لمعدات حفر وهدم، قالت إن “جهاز الأمن العام” العامل في إدلب يجهّزها للإرسال إلى جنديرس لمساعدة فرق الإنقاذ، وأخرى لسيارات محمّلة بمساعدات لتقديمها إلى الأهالي المتضررين من الزلزال في البلدة.
وتحت إشراف “لجنة الاستجابة الطارئة”، دخلت إلى جنديرس آليات تابعة لشركة “E-Clean” (البيئة النظيفة) العاملة في مناطق إدلب، وعملت على تنظيف بعض الطرق وجمع النفايات.
أحد أعضاء “لجنة الاستجابة الطارئة” قال عبر تسجيل مصوّر، إن الشركة فتحت أغلب الطرق الرئيسة والفرعية، ونظفت الشارع الرئيس، وأعادت تأهيله بشكل مبدئي، وكان ذلك بناء على طلب رسمي تقدم به الأهالي لـ”اللجنة”، بإزالة بعض المباني التي تشكّل خطرًا على الجوار.
وتعمل الشركة وفق اتفاق مع وزارة الإدارة المحلية التابعة لحكومة “الإنقاذ”، بحسب حديث سابق لمدير مكتب العلاقات العامة في الشركة، محمد سالم، إلى عنب بلدي.
وزارة الإدارة المحلية والخدمات في حكومة “الإنقاذ”، ذكرت أنها أرسلت لجنة فنية مختصة لإجراء كشف فني على سد “ميدانكي” في ريف مدينة عفرين شمالي حلب بعد الزلزال للتأكد من سلامته، رغم أن مجلس عفرين المحلي أرسل لجنة للكشف قبلها بأيام.
المقارنات موجودة
مع كل حدث أو جريمة أو انتهاك أو حتى حالة توحد واندماج أو انشقاق تشهدها المنطقة، أو حتى في الكارثة الماضية، يظهر تراشق الاتهامات بين “تحرير الشام” ومعرفاتها، و”الجيش الوطني السوري”، مع سعي كلا الطرفين لإثبات أنه أفضل خدميًا وإداريًا.
في 10 من شباط الحالي، ذكر “الجولاني” خلال إعلانه انتهاء المرحلة الأولى من الاستجابة للزلزال، أن البناء الصحيح للمؤسسات هو الذي يؤهل للقدرة على مواجهة التحديات، وقال، “البناء المتواضع الذي أُقيم في المحرر أثمر جهودًا كبيرة وأنتج إدارة أزمة على مستوى كارثة بحجم كبير”، مضيفًا أن “الأزمة أديرت بشكل صحيح دون فوضى مؤسسات، رغم قلة الإمكانيات”.
أحد المراسلين العسكريين التابعين لـ”تحرير الشام”، نشر تسجيلًا مصوّرًا لخيام فارغة، وذكر أن إحدى المنظمات أنشأتها وصوّرتها وتركتها فارغة دون فرش في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، قائلًا، “عندما لا تكون هناك حكومة تدير المنطقة هكذا تكون النتيجة”.
مركز “حرمون للدراسات“، ذكر أن “هيئة تحرير الشام” تضاف إلى الجهات الدولية والنظام في سياق تسييس الكارثة، وأن “الجولاني” حاول أن يقدّم نفسه للعالم، من خلال استعراضاته الكثيرة في المناطق المنكوبة التي قامت “حكومته” بعمليات الإنقاذ فيها، على أنه رجل على قدر المسؤولية.
حالة عدم التوافق والتنسيق والانسجام في العلاقات بين فصائل “الجيش الوطني” و”تحرير الشام” ليست جديدة، إنما بدأت منذ انقسمت المنطقة عسكريًا وخدميًا عام 2017، وسبقتها خلافات عديدة منذ عام 2014، حين وقعت اشتباكات بين “تحرير الشام” (“جبهة النصرة” حينها) وعدة فصائل أخرى.
تبعت تلك الخلافات عدة توترات بين فصيل “تحرير الشام” وفصائل مقاتلة في الشمال، كان لها ثقلها وأثرها في المعارك ضد النظام السوري وحلفائه، أبرزها “حركة أحرار الشام”.
مشروع “الجولاني”
يترافق أي ظهور لـ”الجولاني” بحديث عن “الثورة” و”المكاسب” التي حققتها “تحرير الشام” بإنشاء بيئة مدنية إلى جانب قوة عسكرية، وأن “الهيئة” مستعدة للمعركة، لكن حين يحين الوقت.
في 2 من كانون الثاني الماضي، وبتصريحات ألقاها خلال لقائه مع وجهاء المهجّرين في مدينة إدلب، أشار “الجولاني” إلى أن البناء الداخلي هو من يعطي “هيبة” في الخارج، وإن أحسنت الثورة استخدام ما تملكه من أدوات أيضًا، وذكر أن إدارة الشؤون السياسية في حكومة “الإنقاذ”، المظلة السياسية لـ”تحرير الشام”، تستثمر ما لديها بطريقة جيدة، ولم تصل إلى حالة إعلانها كوزارة خارجية.
ووصف قائد “تحرير الشام” حينها “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” بأنه “جسم غير قادر على تمثيل الثورة السورية بشكله الحالي ومواجهة تحدياتها الحالية”، وأنه ليس ممثلًا شرعيًا لكامل سوريا.
وقال “الجولاني”، إن معظم أعضاء “الائتلاف” يتبعون لجهات كثيرة خارجية، وليس لديه شيء في الداخل بنفس الوقت، لافتًا إلى أن القوة السياسية تعتمد على قوتها بالداخل، ولا تعتمد على تشكيل بعض الأشخاص لإصدار البيانات.
وذكر أن الأطراف الخارجية حين تريد أن تنشئ علاقات فهي تنشئ مع من لديه “قدم ثقيلة، من إذا قال نعم أو لا فكلمته نافذة”، مضيفًا أن “العالم لا يشتري شيئًا في الهواء، والمشاعر لا تدفع إلى اتخاذ قرارات في السياسة، هناك مصالح تتقاطع”.
نيات سابقة
بعد إقصائها فصائل واقتحام قواتها ريف حلب مرات سابقة، برزت رغبة “تحرير الشام” بالسيطرة على المنطقة، وتوسعة مناطق نفوذها، وعزز هذه الرغبة حديث لقياديي “الهيئة” وشرعييها بضرورة توحيد “الفصائل والجهود ونبذ التفرقة”.
ومع كل حادثة، تجدد معرفات مقربة من “تحرير الشام” نشر ما أسمته تسريبًا صوتيًا لـ”أبو محمد الجولاني”، تحدث فيه عن حالة “الفوضى والمخاطر الأمنية والاجتماعية والسياسية” التي تغرق بها مناطق “الجيش الوطني”، واجتماعه مع عدة قيادات وفصائل في مناطق سيطرة “الوطني” ودعواته لتوحيد الصفوف.
وأبدى القائد العام لـ”تحرير الشام” استعداده لتوحيد الصف وتحقيق اندماج كامل وإنهاء حالة الفصائلية، وتعميم نموذج سيطرة “الهيئة” على إدلب في مناطق سيطرة “الجيش الوطني”، وفق التسريب.
وفي 11 من تشرين الأول 2022، حشدت “تحرير الشام” أرتالها العسكرية بالقرب من معبري “دير بلوط” و”الغزاوية”، الفاصلين بينها وبين “الجيش الوطني”، لتدخل بهذه القوات مساندة لـ”فرقة الحمزة” (الحمزات) التي تؤازرها “فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات) ضد “الفيلق الثالث”.
وفي حزيران 2022، توجّهت أرتال عسكرية تتبع لـ”تحرير الشام” نحو مناطق ريف حلب، عقب اشتباكات بين فصيل “أحرار الشام- القاطع الشرقي” (الفرقة 32) و”الفيلق الثالث”، إذ يتبع “الفيلق الثالث” لـ”الجيش الوطني” في حين يعرف “القاطع الشرقي” بولائه لـ”تحرير الشام”.
ودخلت “تحرير الشام” من معبر “الغزاوية” الداخلي باتجاه منطقة عفرين شمالي حلب إلى قرية الباسوطة، بعدد تجاوز 400 آلية، ومن معبر “دير بلوط” بعدد تجاوز 350 آلية.
وتذرّعت “تحرير الشام” في كلا الهجومين بأسباب “رد البغي وحقن الدماء”، إلا أنها تسببت بدخولها باشتباكات أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين، وخلق حالة هلع ورعب.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :