مثالها ما تعرض له “ملهم التطوعي”.. إشاعات تستهدف تبرعات الزلزال

  • 2023/03/12
  • 1:23 م
المنظمات الإغاثية شمال غربي سوريا عرضة للشائعات (تعديل عن بلدي)

المنظمات الإغاثية شمال غربي سوريا عرضة للشائعات (تعديل عن بلدي)

عنب بلدي – حسام المحمود

منذ الأيام الأولى للزلزال الذي ضرب ولاية كهرمان مرعش التركية في 6 من شباط الماضي، وأمام التأثيرات المدمرة التي خلّفها على مساحات واسعة، منها مناطق شمال غربي سوريا، أطلقت عدة منظمات حملات لجمع التبرعات عبر مواقعها الإلكترونية، وصفحاتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، للإسهام في عملية الاستجابة الإنسانية بالمناطق المتضررة، على اعتبار أن الكارثة أضخم من القدرات المتاحة.

وما زاد من أهمية وضرورة حملات التبرعات هذه، تأخر وصول المساعدات الأممية حتى خامس أيام الزلزال، إضافة إلى وصولها المتأخر فيما بعد خالية مما طالبت به فرق الإنقاذ بالبداية (معدات وآليات رفع الأنقاض).

وبعد إنهاء عمليات البحث والإنقاذ، ثم البحث والانتشال، بجهود محلية خالصة أنجزها “الدفاع المدني السوري” بالتعاون مع المدنيين، برزت بوضوح أكبر الحاجات الإنسانية الأخرى المتعلقة بالإيواء، وكل ما يتبعه ويتطلبه ويترافق معه، من احتياجات طبية وغذائية.

وإلى جانب استجابة المنظمات، بدأت تظهر بعض التجاذبات حيال مستوى الشفافية وآلية جمع التبرعات، وصولًا إلى أحاديث غير مدعومة بسند قانوني أو برهان واضح، للتشكيك بنزاهة بعض المنظمات، لاعتبارات منها ما قد يندرج في إطار التبعية السياسية.

وفي الوقت الذي دعا به أشخاص ومؤثرون غير سوريين للتبرع لمنظمات سورية محلية دعمًا للاستجابة الإنسانية، ظهر بالمقابل سوريون يشككون بأمانة بعض المنظمات وتعاطيها الإنساني مع الاستجابة ذاتها.

ويتدرج هذا التشكيك إلى حد بعيد في إطار المغالطات والمعلومة الناقصة من جهة، والإشاعة من جهة أخرى، على اعتبار أنها غير مدعّمة ببراهين، فالدعوة لعدم دعم فريق والتبرع لمصلحته كونه لا ينشط في مناطق سيطرة النظام، أغفلت في الوقت نفسه “تجريمه” من قبل النظام السوري، كما أن الحديث عن سرقات أو عدم وصول مساعدات لم يأتِ مرفقًا بأدلة.

غياب الحقائق يعني الإشاعة

وتتخذ هذه الإشاعات من وسائل التواصل الاجتماعي قنوات سهلة لانتشارها وتناقلها، ضمن سرداب طويل من تداول النص أو المعلومة دون التحقق، وبمعزل عن غياب هذه الأنباء عن معرّفات الأطراف المعنية، ووسائل الإعلام ذات المصداقية.

وبحسب تعريفها في قاموس “المعاني الجامع”، فالشائعة كالإشاعة، خبر مكذوب غير موثوق فيه وغير مؤكد ينتشر بين الناس، ومن الناحية الاصطلاحية هي انتشار كلام لا أصل له.

ووفق بحث نشرته، في 2015، جامعة “كولومبيا” الأمريكية (أُسست في القرن الـ18)، تحت عنوان “أكاذيب وأكاذيب ومحتوى فيروسي”، توصّل البحث إلى مجموعة نتائج، أبرزها أن العناوين التي يجري تقديمها على شكل أسئلة قد تؤدي إلى تضليل الجماهير.

“حتى لو تم تقديم شيء ما إلينا كسؤال، فإننا نميل إلى التفكير فيه على أنه صحيح، لأننا محبطون بسبب عدم اليقين. من المرجح أن ننشر إشاعات إذا اعتقدنا أنها صحيحة وإذا كانت ذات صلة شخصية بنا”.

ولتوضيح الصورة، تحدثت عنب بلدي إلى فريق “ملهم التطوعي”، العامل في شمال غربي سوريا، والذي طالته بعض الإشاعات أيضًا، ورغم ذلك، استطاع الفريق جمع 11 مليون دولار أمريكي، ضمن حملة التبرعات التي أطلقها منذ وقوع الزلزال وحتى إعداد هذه المادة.

مدير البرامج في الفريق، أحمد أبو شعر، أوضح لعنب بلدي أن كل حملة ناجحة للفريق منذ تأسيسه عام 2012، تترافق بمجموعة شائعات قد يكون مصدرها النظام أو “ذبابًا إلكترونيًا” تابعًا له للتشويش على الحملة، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن هذه الحملات تستمر وتحقق أهدافها بفضل استمرارية التبرعات وثقة الناس، بمعزل عن “قيل وقال”.

وأضاف أبو شعر، “من ينتقد ويسأل من باب الاستفسار والاستفهام، نقدّم له الأجوبة فعلًا برحابة صدر، لكن مروجي الشائعات لا نرد عليهم، قد نلجأ للطرق القانونية لمقاضاتهم بسبب محاولة تشويه السمعة”.

وحول الجهات المستفيدة من ترويج الإشاعات، بيّن مسؤول الفريق أن المستفيد وفق وجهة نظره هو النظام السوري، الذي ربما يقف عبر تابعين له خلف حسابات وهمية وغرف “تلجرام” تنطلق منها حملات التشويه، معتبرًا غرض هذه الإشاعات تشتيت الناس، وعرقلة التبرعات، على اعتبار أن بعض الناس من الشارع الثوري أو “المحسوبين على المعارضة” قد ينجرون وراء هذه الاتهامات ويصدقونها دون تحقق أو تبيّن، وفق قوله.

كما أشار إلى إتاحة فريق “ملهم” مختلف المعلومات المرتبطة بالتبرعات عبر موقعه الإلكتروني، وفسّر حالة “الانجرار المحتمل” خلف الإشاعة، بغضب الناس على مؤسسات المعارضة السورية، ما يضع الفريق أمام واجب التوضيح والتفسير وإبقاء الناس على اطلاع.

ولا تتأثر حملات التبرعات التي يجريها فريق “ملهم” بالإشاعات المتكررة، بل على العكس، فإنها تخدم التبرعات، وفق أحمد أبو شعر، الذي بيّن أن كل حملة للفريق تترافق بإشاعة تحقق تبرعات مضاعفة، ولا يتقلص معها تفاعل الناس مع النداء الإنساني، كما تنشد الإشاعة.

“قد تسبب الإشاعات المسيئة إحباطًا نفسيًا للمتطوعين، على اعتبار أن من يعمل لمصلحة الناس لا يحبذ أن يقابَل بردود من هذا النوع، لكن هناك قناعة بأن العمل على الأرض يعبّر عن نفسه، والحياة مستمرة ومشاريعنا متواصلة”.

أحمد أبو شعر- مدير البرامج في فريق “ملهم”

الحاجة طاغية.. التبرعات ضرورة

معاناة مناطق شمال غربي سوريا حاضرة وآخذة بالتصاعد قبل كارثة الزلزال، كما أن تقارير أممية كثيرة تحصي بالأرقام هشاشة الواقع الاقتصادي والمعيشي، وأبوابًا أخرى مختلفة من المعاناة، إذ ارتفع عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية (قبل الزلزال) إلى 14.6 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.2 مليون شخص مقارنة بعام 2022، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 15.3 مليون شخص في العام الحالي.

وبلغ عدد السكان الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في شمال غربي سوريا خلال عام 2022 نحو أربعة ملايين و600 ألف شخص، بينهم ثلاثة ملايين و300 ألف يعانون انعدام الأمن الغذائي، ومليونان و900 ألف نازح داخليًا، بحسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA).

ومع حدوث الزلزال، ظهرت أيضًا أزمة في الإيواء تترتب عليها مخاوف من انتشار الأمراض، في وقت يعاني به القطاع الصحي حالة “ضعف مناعة” قبل الزلزال، وحالة إنهاك جراء استجابة متواصلة على مدار الساعة لأعداد كبيرة من المصابين خلال نحو أسبوعين بعد الزلزال.

كل هذه المعطيات تجعل نشاط المنظمات المحلية ضرورة بعد خذلان أممي في التعامل مع كارثة بهذا الحجم، وفق اعتراف الأمم المتحدة نفسها.

وللتشجيع على التبرع والحاجة للسرعة في الاستجابة، تدعو بعض المنظمات المتبرعين للتبرع للجهة التي يثقون بها، تلافيًا للتأثر بأي أحاديث أو إشاعات قد تخلق في أنفسهم شكًا ما.

المدير التنفيذي لمنظمة “بنفسج”، هشام ديراني، أوضح لعنب بلدي أن مبادرات جمع التبرعات عبر الأفراد والفرق التطوعية والمنظمات الموثوقة تساعد في تغطية الاحتياجات، والاستجابة للحالات الإنسانية والحملات الإنسانية في حالات الطوارئ التي لا تستطيع المنظمات العمل فيها بشكل مباشر.

كما اعتبر ديراني أن أحد أهم أسباب جمع التبرعات، خلق قنوات إضافية لجمع المال لمساعدة المتضررين، بعيداً عن المنظمات والأمم المتحدة والآلية التقليدية المتبعة لتنفيذ مشاريع الاستجابة الطارئة أو التنموية.

وعلى مدار 12 عامًا، وجدت الشائعات طريقها لمهاجمة أي عمل يحدث تغييرًا واقعيًا على الأرض وفي الميدان، وفق المدير التنفيذي لـ”بنفسج”، الذي أشار إلى تركيز الإشاعات على الفرق التطوعية والمنظمات غير الربحية، لتدمير سمعتها وتشويه صورة العمل الإنساني.

وحول آلية تعامل المنظمة مع الإشاعات، لفت ديراني إلى إنشاء قسم مختص بالمساءلة يجري العمل على تطويره، في سبيل تحقيق درجات عالية من الشفافية مع المجتمع من جهة، والمانحين من جهة أخرى، إلى جانب التعامل الجدي مع الشكاوى ومتابعتها مباشرة عبر لجان تتولى التحقق وتقرير آلية محاسبة عند الخطأ، دون منح الإشاعة تأثيرًا على عمل المنظمة.

وتعتبر وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات “تلجرام” ومجموعات “واتساب” محركًا للإشاعات، حيث يجري تناقل المحتوى دون التحقق من صحته، مع الإشارة إلى رغبة النظام بتشويه صورة مختلف المنظمات الإنسانية العاملة شمال غربي سوريا، وفق ديراني.

فجوة في تلقي المعلومة

المعيدة السابقة في جامعة “دمشق” والدكتورة في الإعلام هلا الملاح، أوضحت لعنب بلدي أن الحديث عن إشاعة يعني فجوة في تلقي المعلومة وربما غيابها، ما يسبب ظهور إشاعات وفبركة كلام قد يحمل شيئًا من الدقة، وربما ينطوي على الكثير من التخويف.

وفي حالات الأزمات إجمالًا، تقل المعلومات وتنشغل مصادرها أصلًا في وقت يتناقل به الناس روايات مختلفة حيال موضوع ما، كما يرتبط ظهور الإشاعات بأحد عاملين، أولهما قلة المعلومات، ما يفتح باب التأويل، والثاني كثرتها وتناقلها دون تحري دقتها، ما قد يزيد من حساسية الموقف والاضطراب في الشارع.

والرد الأمثل على هذه الإشاعات، وفق الملاح، يتجلى بتخصيص كوادر للرد عليها، كما أن الأمر يرتبط أيضًا بوعي المتلقي، ومدى بحثه عن أكثر من مصدر للخبر، وعدم تسلميه بكل ما يسمع أو يشاهد، ما يعطي وسائل الإعلام مسؤولية التوضيح لتأكيد أو نفي الموضوع مثار الجدل، أو توضيح اللبس فيه.

وإلى جانب التشكيك بمسألة التبرعات في مناطق شمال غربي سوريا من قبل البعض دون تقديم أدلة، وبعد تناقل بعض الناشطين في مناطق سيطرة النظام صورًا وتسجيلات مصوّرة لبيع المساعدات الإغاثية القادمة من دول مختلفة لمتضرري الزلزال، ظهر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في خطابه المتأخر عن الزلزال، في 16 من شباط الماضي، داعيًا المواطنين للبحث عن الحقيقة بدلًا من “تسويق الشائعة”، معتبرًا طغيانها باعثًا على الإحباط، وفق تعبيره.

وخلّف الزلزال المدمر نحو 2274 حالة وفاة شمال غربي سوريا، و1414 حالة وفاة في محافظات حماة وحلب واللاذقية، واتخذه النظام السوري منذ ذلك الوقت بوابة للاستثمار السياسي يسعى لاستغلالها، عبر ربط السياسة بالكارثة.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع